فتح الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر الشريف،
خزائن أسراره وتحدث بكل صراحة في الملفات الشائكة مزيلا الغيوم واللبس حول بعض القضايا
الهامة التي تتعلق بالأمن القومي والتنظيمات الإرهابية.
الدكتور المحرصاوي- الذي شارك في جلسة نقاشية استمرت لما
يزيد عن ثلاث ساعات بمقر مؤسسة دار الهلال تلبية لدعوة بوابة «الهلال اليوم»- تحدث
عن دور جامعة الأزهر في مواجهة الإرهاب، كاشفا حقيقة إلصاق تهم التطرف بالجامعة
وخريجيها، متطرقا إلى تحديث كتب التراث وتوحيد المناهج بالجامعة.
رئيس جامعة الأزهر رد أيضا على التهم الموجهة إلى الأزهر ظلما
وافتراء، مبينا دوره في تصحيح صورة الإسلام في الداخل والخارج فضلا عن دوره في
تنمية المجتمع بالتواصل مع مؤسسات الدولة.
وفند "المحرصاوي" نصيب جامعة الأزهر من حرب
الشائعات التي تطال جميع مؤسسات الدولة ضمن حرب ممنهجة وواضحة تمثل تهديدا صريحا
للأمن القومي المصري.
ولم يتناس المحرصاوي آخر التطورات في مستشفيات جامعة الأزهر
وسر تعطل العمل بالمستشفى التخصصي لما يتجاوز 22 عاما، كاشفا عن ميزانية
الجامعة وأهم المعوقات المالية التي تواجههم وطرق التغلب عليها، مرحبا بالتحاق أي شخص
حتى المسيحيين بجامعة الأزهر بشرط اجتياز الاختبارات الموضوعة وتحقيق المعادلة
المطلوبة، مؤكدا أن أبواب الجامعة مفتوحة للجميع ووأنها على استعداد للتعاون مع جميع
المؤسسات المعتدلة والخادمة والداعمة لمصر.
العديد من الأسرار والكواليس عن أكبر جامعة في العالم والتي
تخرج 35 ألف طالب سنويا ودورها في مواجهة الشائعات وقدرتها على نشر الإسلام الوسطي وتخريج أجيال قادرة على دعم الوطن.. كل هذا وأكثر يفنده الدكتور محمد
المحرصاوي في السطور التالية..
في البداية نرحب بك في مؤسسة «دار الهلال».. ونود
أن نعرف رأيك في دورها التنويري والتثقيفي؟
في الحقيقة دار الهلال واحدة من أكبر دور النشر والإعلام التي تخصص في
نشر الثقافة والتنوير، ولم تكن فقط معنية بالتراث أو دار حديثة بل جمعت بين
الأمرين.
وتذكرني الدار دائما بالزمن الجميل فمن منا لم يقرأ مجلة
الكواكب أو المصور أو مجلة الأطفال "سمير" فإصداراتها تربينا عليها في
صغرنا وتعرفنا على القامات التي أسست دار الهلال بداية من جورجي زيدان ومرورا
بكبار الأستاذة من خريجي جامعة الأزهر وعلى رأسهم المثقف التنويري مصطفى عبدالرازق،
فزيارة هذا المكان العريق أعتز بها.
في الفترة الأخيرة أصابت سلوكيات جماعات الإخوان الإرهابية
بعض الشباب في المجتمع بالصدمة، ونشأت موجة ضخمة من الإلحاد.. ما رؤية فضيلتكم في انتشار
الإلحاد وما دور جامعة الأزهر في مواجهة تلك الظاهرة؟
الإلحاد ليس نتيجة التغييرات السياسية بل نتيجة الانفتاح
على العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتي أسميها برامج «التدمير الاجتماعي»،
إذ يجد الإنسان نفسه في مهب الريح عندما يجد كلاما ولا يجد ردا.
ونظمت جامعة الأزهر ندوة لمدة 3 أيام منذ ثلاثة أسابيع تحت
عنوان "العلم في مواجهة الإلحاد" وحتى لا تغزو هذه الظاهرة الجامعة.
كان هناك أشخاص توسموا خيرا في الجماعة الإرهابية
واعتبروها صورة للإسلام إلا أنها ظهرت على حقيقتها بتصرفاتها البعيدة كل البعد عن
الإسلام؟
الإسلام لا يحكم عليه بتصرفات الأشخاص، وأنا رئيس أكبر
جامعة على مستوى العالم لو رأيتني أحتسي الخمر هل هذا دليل على أن الإسلام يبيح
شرب الخمر؟ ، إن الإسلام لا ينظر إليه من خلال الأشخاص بل ينظر إليه من خلال منهجه
المتمثل في القرآن والسنة وهناك فرق بين تصرفات الأشخاص والدين الحنيف.
هناك من يقول أن بعض الأشخاص يدخلون جامعة الأزهر
للحصول على صك شرعي للإرهاب ما تعليقك ؟
مسألة أن من يدخل جامعة الأزهر يحصل على صك شرعي ليكون
إرهابيا غير صحيحة إطلاقا، وأنا أقول لك ألم يكن من بين خريجي جامعة الأزهر من
نسبوا إلى جماعات متطرفة، ألم يكن من بين بعض الجهات والجامعات الأخرى أناس انضموا إلى
جامعات إرهابية مثلما قلت على جامعة الأزهر.
قديما من حوالي 25 عاما تقريبا كان هناك اتجاه في جامعة الأزهر
حول قبول بعض الأفراد الذين تخرجوا في جامعات مصرية أخرى يحملون أفكارا متطرفة
ويريدون الانتساب إلى جامعة الأزهر في محاولة لتغيير فكرهم وبدأت الجامعة في تنفيذ
الفكرة إلا إننا اكتشفنا أن هؤلاء لم يلتحقوا لتلقي العلم، إنما التحقوا للحصول
على الصبغة الشرعية من أجل أغراض أخرى فتم التراجع عن هذا الأمر.
وعندما تنظر إلى جامعة الأزهر فإن أفرادا لا يتجاوزون أصابع
اليد الواحدة نسبوا ظلما وزورا إلى الجامعة، يعني عندما نجد شخصا واحدا من 350 ألف
خريج في العام انضموا للجماعات الإرهابية فهل من أجل هذا الشخص نحكم على الجامعة بأنها تخرج
إرهابيين.
انظر إلى تاريخ جامعة الأزهر الذي يقترب من ألف عام، واسأل : لماذا
لم تظهر تهمة إلصاق الإرهاب بها إلا في هذا الوقت، أيضا هل من الانصاف أن تلصق الإرهاب بجامعة
بعينها.
ماذا عن مناهج الجامعة.. وهل تحمل أفكارا متطرفة؟
لم يكن الأزهر يوما من الأيام ملجأ للإرهابيين ولم تكن
مناهجه مربية لعقول المتطرفين ولم يكن أساتذته في يوم من الأيام قادة للإرهابيين.
حدثنا عن معهد إعداد الدعاة وعلاقته بالأزهر؟
معهد إعداد الدعاة لا يتبع جامعة الأزهر أو مشيخة الأزهر نهائيا
إنما يتبع وزارة الأوقاف فقط ولا نعلم عنه شيء.
ما دور جامعة الأزهر في تصحيح صورة الإسلام..
لماذا تنالها الأسهم المسمومة وتتهمها بأنها مصدر التطرف والمتطرفين؟
عقدت محاضرة كاملة استغرقت ساعتين ونصف في رصد بعض الشائعات
التي طالت جامعة الأزهر في 3 أشهر منها تأجيل الدراسة إلى أجل غير مسمى.
ثم تلقيت دعوة بعد ذلك من معهد إعداد القادة وأعطيت محاضرة
عن الشائعات وتأثيرها على الأمن القومي، الرئيس نفسه ذكر تعرض مصر إلى 21 ألف
شائعة خلال 3 أشهر، بعدها بيومين طلب مني محاضرة تكلمت فيها عن الشائعات في مصر
كلها وتأثيرها على الأمن القومي.
أما مسألة تصحيح صورة الإسلام، فجولات شيخ الأزهر الشريف
الدكتور أحمد الطيب في الخارج عملت على نشر صورة الإسلام الوسطي المعتدل وأنه دين
الوسطية والاعتدال والدعوة إلى قبول الآخر والمناظرة والمعايشة.
وأن كل تلك الزيارات التي شرفت في المشاركة فيها كانت كلها
لبيان وسطية الأزهر الشريف والمفاهيم الصحيحة عن الإسلام، وأن الغرب أساء للإسلام بما ليس فيه إذ يتصور أن الإسلام دين التطرف مع أن كلمة الإسلام مأخوذة من السلام، وهي تحية أي مسلم ومنطقه في كل صلاة ومنها قول الله تعالى:" والله يدعو إلى دار
السلام".
وعلى المستوى المحلي نظمت مشيخة الأزهر عدة مؤتمرات عن
السلام وأحد هذه المؤتمرات حضره بابا الفاتيكان.
ماذا عن دور جامعة الأزهر في نشر الخطاب الديني؟
جامعة الأزهر هيئة من 5 هيئات يأتي على رأسها مشيخة الأزهر،
وقطاع المعاهد ومجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، لا يمكن أن تستقل
جامعة الأزهر أو تعمل في جزر منعزلة عن المشيخة، وأن جميع قرارات الجامعة تعرض على
المجلس الأعلى للأزهر.
وتجدد المشيخة
الخطاب الديني بمساحة أوسع فلديها مجمع البحوث الإسلامية به واعظون وواعظات لتجديد
الخطاب الديني، لكن جامعة الأزهر دورها تأهيل الطلاب والطالبات كي يكونوا أئمة
يتبعون وزارة الأوقاف أو وعاظ وعلماء.
ماذا عن تطوير المناهج الدينية المقررة على
الكليات المستحدثة؟
الخطة بدأت بالفعل وتم تعديل كتاب مثل الفقه وإعادته بالشكل
الذي يتماشى مع تخصص كل كلية، فكان هناك كتاب فقه واحد يدرس في جميع كليات جامعة
الأزهر المستحدثة مثل الطب والهندسة والزراعة، إلإ إننا وجدنا أن المادة العلمية
لا تتناسب مع طلاب تلك الكلية.
ودرسنا سر عزوف طلاب تلك الكليات عن حضور المحاضرات،
وجدنا أن سبب العزوف هو أن المادة العلمية في واد وتخصص الطلاب في واد، ففي قطاع الطب يجب
أن يدرس طلابه مثلا تشريح الجثث ونقل الأعضاء وتجديد الخلايا الجزعية وبنوك الدم
والألبان من الناحية الشرعية وهذا تم بالفعل هذا العام.
ما سر توقف مستشفى جامعة الأزهر التخصصي منذ 22
عاما؟
مستشفى جامعة الأزهر مر على البدء في إنشائها 22 عاما، ولكن
المستشفى الآن من أفضل المستشفيات الموجودة وتم فيه إجراء 200 عملية جراحية خلال الفترة
الأخيرة، فجامعة الأزهر بها 5 مستشفيات جامعية هي مستشفى الحسين وسيد جلال ويتبعان
كلية طب البنين، ومستشفى الزهراء الجامعي، ويتبع طب البنات فضلا عن مستشفى في
دمياط ومستشفى بأسيوط.
أما المستشفى التخصصي فظل معطلا لفترة طويلة إلا أنه الآن
على مستوى عال جدا من الكفاءة وجميع العمليات تتم داخله.
حدثنا عن مستشفى أسيوط الجامعي؟
مستشفى أسيوط به إشكاليات منذ 20 عاما وفي نهاية السنة
المالية الماضية طلبت الجلوس مع الشركة المتولية تجهيز المستشفى، وبالفعل اعترفت بفشلها وعدم قدرتها على الاستمرار واستكمال المشروع، فطلبت من المركز الهندسي حصر باقي الأعمال ونبحث الآن عن
بدائل.
والمستشفى كان لديها 30 مليون جنيه لصالحها، وإن لم يتم صرفها
خلال شهر يوليو كانت ستحرم من المبلغ، فتم التواصل مع جهات سيادية لإسناد هذه العمليات لشركات
مصرية للانتهاء منه وبالفعل تم التعاقد مع وزارة الإنتاج الحربي لإنهاء هذه
الأعمال كما تم التواصل مع وزارة التخطيط والمالية لتدبير الاحتياجات اللازمة.
كم تبلغ ميزانية جامعة الأزهر؟
ميزانية جامعة الأزهر تتجاوز ميزانية جامعة القاهرة بـ 19 مليون
جنيه، وهي لا تتوافق مع الجامعة واحتياجاتها بل نحتاج إلى الضعف، فلدينا 17 ألف
عضو هيئة التدريس و85 كلية و23 مدينة جامعية ونخرج 35 ألف طالب سنويا.
ولكننا من نوعية الجامعات التي لا تعتمد على المصروف الوارد فقط بل نحاول أن
نعتمد على أنفسنا، من خلال التواصل مع المؤسسات ورجال الأعمال الذين يدعمون الجامعة،
فمثلا 80 % من تجديدات كلية اللغة العربية كان بالجهود الذاتية.
متى نرى طلابا مسيحيين في جامعة الأزهر؟
من قال إن المسيحين ليس من حقهم الالتحاق بجامعة الأزهر، لكن هناك شروط واختبارات من يجتازها يدخل الجامعة، عقب إنجاز المعادلة وتحقيق الشروط
فضلا عن وجود سنة تأهيلية للطلاب المنتسبين للجامعة لتعلم العلوم الشرعية.
ودعني أذكر لك واقعة، كان هناك 5 أطباء تقدموا للحصول على الامتياز
في كلية الطب بأسيوط بينهم مسيحي وتم قبوله واجتاز نسة الامتياز وحصل على الشهادة
وكان في قمة السعادة.
لا يوجد أي اعتراض على أي شخص لدخول جامعة الأزهر فهناك أكثر
من 108 جنسيات على مستوى العالم يدرسون بالجامعة.
هل تتم عملية تنقية لكتب التراث؟
كتب التراث لم يكن بها شوائب حتى يتم تنقيتها ولكن نقوم
بتحديث تلك المواد العلمية.
كيف تواكب جامعة الأزهر التطويرات التكنولوجية
الحديثة؟
الطلاب يعتمدون التكنولوجيا ونحن نتعامل مع الطلاب بـ«كيف
تؤكل الكتف» عن طريق إتاحة المواد بطريقة إلكترونية، والبداية كانت بعرض «الداتا
شو» في المحاضرات والتي تجذب انتباه الطلاب.
ما خطة توحيد المناهج في الجامعة؟
عملنا على توحيد المناهج بين الكليات الموحدة في جميع
الفروع ولا يكون لكل فرع منهج مختلف عن الكليات الأخرى، وهذا لا يقتل الإبداع ولا
يؤثر عليه ، حيث كان هناك اعتراض بحجة أن التوحيد يقتل الِإبداع والبحث
العلمي، إلا أننا اتبعنا الطريق الصحيح وسرنا عليه وأعدنا إخراج كتب ومؤلفات عمرها
30 عاما، فإنجاز كتاب جديد يواكب احتياجات العصر هو قمة الإبداع.
ودعوتُ 25 أستاذا لتطوير منهج مادة الفقه واعتذر 15 شخصا
بسبب التحديث إلا أن الباقي نجح في تحديث المناهج التي تتماشى مع كل كلية مستحدثة.
بم ترد على أن الإسلام يعتدي على الحريات؟
إن الدين الإسلامي يقوم على احترام العقائد والحريات ولا
يفرق بين الأديان والمعتقدات، وهناك أدلة كثيرة من القرآن منها قول الله تعالى"
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير» ولم يقل يا أيها المسلمون، كما قال
في كتابه العزيز « وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» ولم يقل إذا حكمتم بين المؤمنين، وغيرها من الآيات
والأحاديث التي تبين أن الإسلام دين السلام والمواطنة والإخاء وقبول الآخر.
وقد رفض الأزهر الشريف مصطلح الأقلية وحث على المواطنة
والمعايشة ، والكل في الوطن سواء "لا إكراه في الدين" و"من شاء
فليؤمن".
أخيرا ماذا عن دور الجامعة المجتمعي؟
لدينا لجنة خدمة المجتمع، والتي تسير 4 قوافل مختلفة كل
أسبوع أو 10 أيام منها قافلة طبية وقافلة معونات بالتعاون مع بيت الزكاة المصري،
وقافلة دعوية وقافلة محو أمية.