بقلم – سليمان عبدالعظيم
آه.. وألف آه وآه لو كان طلعت حرب يعيش بيننا الآن..!
آه لو كان هذا الرجل الصناعى الوطنى الذى أقام أول مصنع دواء مصرى على قيد الحياة ورأى بعينيه هذه المسخرة التى تتعرض لها صناعة الدواء المصرية منذ سنوات طويلة!.
يا سبحان الله.. سبحان مغير الأحوال.. كانت مصانع الدواء التابعة للدولة تنتج فى الستينيات وحتى الثمانينيات ٨٠ فى المائة من الأدوية التى يحتاجها المصريون.. الآن لا ننتج سوى ٣ فى المائة منها!.. ليه؟..
اسأل اللى حكمونا.. اسأل كل حكومة وراء حكومة مسكت البلد من أيام الرئيس الراحل أنور السادات وحتى خلفه الرئيس المخلوع حسنى مبارك!.
أفهم أن يتراجع أداء الحكومات.. أستوعب أن يهمل وزير صحة ملفاته.. لكن عندما يكون الأمر بشأن الدواء.. هنا لا مبرر لأى حكومة سابقة أو حالية.. ولا عذر لأى وزير صحة سواء لبس البيجامة وقعد فى بيته أو مازال يجلس على مقعد المسئول الأول عن صحة المصريين فى البلد!.
الآن.. مصانع الدواء الحكومية فى غرفة الإنعاش.. وملف الدواء لم يعد ضمن ملفات وزير الصحة الأساسية إلا إذا تعلق الأمر بقضية تسعير الدواء.. هنا يتذكر وزير الصحة - ولا أقصد الدكتور أحمد عماد الدين فقط - أنه المسئول رغم أن خلفيات ودواعى إعادة التسعير «مش عنده.. وعند غيره من زملائه الوزراء»..
ماذا إذا جلس الوزيران: د. أحمد عماد والدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار مع المستثمرين أصحاب مصانع وشركات الدواء فى مصر.. المصريين منهم والأجانب: يضعون روشتة لإنقاذ صناعة الدواء وانتشال هذه الصناعة الخطيرة من عثراتها؟
ماذا إذا تخلت الحكومة مرة واحدة عن مبدأها المزعج المستمر «ودن من طين وودن من عجين» واستمعت إلى أنين وشكاوى المستثمرين فى صناعة الدواء فى البلد؟.. ماذا إذا خطت الحكومة خطوات ثابتة وجادة لوقف ظاهرة تهريب الدواء الأجنبى إلى داخل البلاد؟.. ولمنع ظاهرة أخرى أكثر خطورة على صحة المواطن المصرى أقصد انتشار الدواء المغشوش؟
حسنا فعل الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين حين أقام أمس - الثلاثاء مؤتمراً كان عنوانه الأكبر «استراتيجية صناعة الدواء بين الواقع والمأمول».
قال لى محمد فريد خميس رئيس الاتحاد: صناعة الدواء بوضعها الحالى تحتاج بسرعة حلولًا ناجزة لإنقاذها من ناحية وتقديم الدواء الفعال للمصريين بسعر مناسب يكون فى استطاعة محدودى الدخل، مضيفاً: دعونا د. سحر نصر والدكتور أحمد عماد، لأن هناك مشكلات عامة تواجه هذه الصناعة الاستراتيجية الخطيرة التى بدأها فى مصر لأول مرة طلعت باشا حرب هذا الرجل الاقتصادى الوطنى العظيم فى عام ١٩٣٦ بشركة «مصر للمستحضرات الطبية والتجميل».. الوزيران جاءا إلى المؤتمر لإيجاد حلول عاجلة وأخرى آجلة.
خميس قال نحن كاتحاد مستثمرين لا نستطيع أن نقف مكتوفى الأيدى أمام هذا الانهيار الحادث فى صناعة الدواء، ليس مقبولاً بالمرة أن نجلس فى مقاعد المتفرجين، بينما يحدث هذا التراجع الكبير المستمر لشركات الأدوية المصرية (الحكومى منها والخاص) أمام الشركات الأجنبية التى انفتحت شهيتها تماماً على الاستحواذ السريع والانقضاض المفاجئ على أغلب الشركات المصرية القائمة الآن.
فيما قال لى د. محيى حافظ مقرر المؤتمر الوضع الحالى مؤشراته خطيرة للغاية ولذلك قررنا أن نعقد هذا المؤتمر، هناك نقص كبير (عجز) فى عدد ونوع الأدوية الموجودة بالصيدليات يشعر به المريض يومياً، بل وهناك فارق كبير جداً بين منتجات الشركات المحلية والعربية يصل إلى أكثر من ضعف السعر، وهناك كذلك تراجع مخيف فى مبيعات الشركات المحلية أمام الشركات العربية والأجنبية وصل إلى حد اختفاء الدواء المحلى من السوق وبقاء أدوية الشركات متعددة الجنسيات والشركات العربية وحدهما (تقريباً) فى السوق..
.....
الله يرحم الستينيات وما أدراك (حقاً) ما الستينيات عندما ازدهرت صناعة الدواء فى مصر فى عهد رجل عظيم اسمه د. عبده سلام.
الله يرحمك يا دكتور إبراهيم بدران عندما كشفت عن محاولة إحدى الشركات الأجنبية عرض رشوة عليك مليون جنيه عندما كنت وزيراً للصحة.
دواء المواطن المصرى الغلبان دخل غرفة الإنعاش.. والسؤال موجه للجميع: هل تحتاج عملية إنقاذ الدواء المصرى إلى طلعت حرب جديد؟!
أظن أن الإجابة بنعم هى أصدق إجابة..!!