الجمعة 28 يونيو 2024

مناجم الإبداع

29-3-2017 | 13:16

فتحي أبو رفيعة

«إن الخيال والتجربة والمعرفة هي المناجم الثلاثة الكبرى لأي إبداع أدبي، ولكن يتميز كل إبداع حسب نوع الخامة التي يعثر عليها المبدع في مناجمه الخاصة، وحسب طريقته في استخلاصها، وحسب أسلوبه في تكوين سبيكته، بعد أن يمزجها باللغة: لغته الخاصة، فأي نوع من الحياة يتحرك في إبداع هذا الكاتب المغترب ليكتسب إبداعه لون الذكريات الشجي وطعمها المالح عندما يذوب في بوتقتها؟».

    بهذه الكلمات قدَّم الراحل العظيم سامي خشبة (1939 ـ 2008) أولى مجموعاتي القصصية «بقايا العمر» (1995) في سلسلة فصول التي كان يرأس تحريرها آنذاك، فأرسى بذلك اللبنات الأساسية التي ارتكزت عليها مسيرتي الأدبية والنقدية على مدى أكثر من 50 عاما، حينما كتبت إحدى قصص تلك المجموعة «عباس السقا» في عام 1957، وأنا بعد في مقتبل العمر.

    قدم لي الراحل العظيم أيضا كتابي النقدي الأول «تفكيك الرواية»، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر (2000)، وقال في تقديمه «يقدم فتحي أبو رفيعة في هذا الكتاب أسلوبه الخاص في تفكيك النص الروائي، وقوام هذا الأسلوب تقديم تحليلات دلالية/ بنائية، تمهد للقارئ أن يبحر في عوالم ستة عشر نصا روائيا لعشرة من الروائيين المصريين ينتمون إلى ثلاثة أجيال مختلفة، لكنهم جميعا يخوضون تجربة احتواء واقعنا الموار بالتغيير في حاضره ومستقبله وفي إعادة سرد وتركيب ماضيه وإدراكه».

    واستمرت المسيرة على هدي فكر وتوجيه الراحل العظيم فأثمرت مجموعة نقدية أخرى بعنوان «نقد الثقافة: تطبيقات نقدية في سوسيولوجية النص الروائي» (2006)، ومجموعة قصصية أخرى بعنوان «الطير المسافر» (2009)، فضلا عن أعمال متفرقة نشرت في مختلف الصحف والمجلات العربية.

    ولهذا، فحينما هممت بكتابة هذه السطور، كان حضور المعلم الغائب الحاضر طاغيا، وكان لا بد من إعادة الفضل لأصحاب الفضل، اعترافا بما مثَّله الراحل العظيم من قيمة ومثل أعلى ومنارة فكرية يهتدي بها الكثيرون.