تحقيق: طاهــر البهــي
على ضفة النيل يقبع مبنى ضخم يعود تاريخه إلى أكثر من خمسين عاما، ماسبيرو الذى سمى باسم عالم الآثار الفرنسى جاستن ماسبيرو الذى كان رئيسا لهيئة الآثار المصرية، تربينا على شاشته وبرامجه ونجومه وترك بداخلنا بصمة غائرة من الذكريات وغرس بداخلنا الوطنية وتعلمنا من ضيوفه العظام ما لم نجده في الكتب ولا الجامعات.. التليفزيون المصرى في أزمة لا تخطئها العين رغم عناد المتكبرين؛ لذلك ذهبنا إلى خبراء الإعلام نسألهم النصيحة والدواء مهما كانت مرارته .
يقول د. صفوت العالم، وزير الإعلام السابق وأستاذ الإعلام السياسى والرأى العام بجامعة القاهرة: منذ عامين دعا رئيس مجلس الوزراء السابق إبراهيم محلب لتشكيل لجنة لوضع تشريعات للإعلام بعضوية صلاح منتصر وفاروق جويدة وعصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، ومحمد الأمين وأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق ورئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار حالياً بمجلس النواب، واستمرت اجتماعاتنا لمدة ستة أشهر تعمل ليل نهار، لم نترك صغيرة ولا كبيرة تخص صناعة ورسالة الإعلام إلا وقتلناها بحثاً، وانتهينا منذ عام وثمانية أشهر بالتمام والكمال من التشريعات المنصوص عليها في الدستور، ومؤخرا منذ نحو ثلاثة أشهر اعتمدها مجلس النواب، وتوقفت الأمور لفترة لعدم وجود لجنة تأسيسية لنقابة الإعلام، وقد أصدر مجلس الوزراء قراراً بشأنها مؤخراً، وما أريد قوله إنني كنت قريبا من هذه الصناعة المهمة على مدى السنوات الماضية، وإحقاقا للحق فأنا لست راضيا عن الحالة التي وصل إليها التليفزيون المصري العريق، وأقولها بكل صراحة إننا إذا كنا نخطط لأن يكون هناك كيان قوي إلى جانب ماسبيرو فلا مانع من هذا التوجه، ولكن علينا ألا نعلن وفاة كيان آخر عمره 70 عاما بكوادر لا نظير لها في المنطقة في الإخراج والتصوير والإضاءة، قامت على أكتافها كل الفضائيات الخاصة.
حماية ماسبيرو
تكفلت الدولة مبالغ طائلة لتطوير ماسبيرو لأنها تؤمن بأهمية وخطورة الدور الذي يلعبه، وأنتجت كياناً له سمعة طيبة ومكانة في العالم العربي، ولا يمكن هدم البناء القائم بالفعل، ولا مانع من أن يكون لدينا أكثر من منبر وطاقة إشعاع ثقافي وحضاري وأخلاقي يخدم الأسرة المصرية على اختلاف تنوعها الثقافي والمعرفي ولا سيما في الإنتاج الدرامي، ومن تراث برامجي لابد أن يمثل خط أحمر لما شكله من الوجدان الجمعي المصري عبر عدة عقود من الزمان، أكرر لابد من الاحتفاظ بهذا الكيان وهياكله الإنتاجية وتقويته.
برامج المــرأة
يؤكد د. صفوت العالم أنه ما من أحد ينكر أن أكبر أخطاء ماسبيرو حاليا تتمثل في تشابه برامجه، وأضف إلى ذلك "الإعداد المسلوق"، وأطالب فورا بأن تخصص قيادات ماسبيرو سياراتها المتروكة طوال النهار لإحضار الضيوف المتميزين، فما المانع من تحريك سيارات رؤساء القنوات والإدارات نظير جذب ضيوف محترمة، إنني أعلم مثلا أن كبيرة المذيعات تذهب إلى ماسبيرو مرتين فقط في الشهر، هذا إلى جانب النهوض بالإعداد والإخراج والتقديم ليكون على مستوى المنافسة.
أين التخصص
وتابع: طالما نتكلم عن برامج المرأة، نقول إن ماسبيرو ترك ساحة "المطبخ" للقنوات الخاصة، وبرامج المرأة بشكل عام أصبحت مجلات منوعة تفتقد التخصص، وتوقيتات بثها غير مناسبة، وفيها يتم توزيع الفقرات على المذيعات وكأنهن مفروضات على المشاهد، وبصفة عامة لا نلاحظ فرقا بين برامج الأولى والثانية والفضائية التي من المفترض فيها أنها تخاطب المغتربات.
مدرسة وتاريخ
أما أستاذة الصحافة اللامعة دكتورة نجوى كامل فترى أن أحد أهم أسباب تراجع أداء ماسبيرو إدارته بشكل غير اقتصادي، حيث يعطي المال لمن لا يستحق أو لمن لا يعمل، وبالتالي فهو يحتاج إلى إعادة هيكلة بشرط الاستفادة من كل العاملين، مشيرة إلى أن ماسبيرو هو مدرسة وتاريخ ومصدر إشعاع حتى للقنوات المنافسة والقنوات الخاصة بالفعل تعتمد على خريجي مدرسة التليفزيون المصري.
وتقدم د. نجوى روشتة العلاج قائلة: يجب التخلص من البيروقراطية التى لا تتناسب مع العمل الإبداعي وأنا لي تلامذة يشكون من أن خروج الكاميرا من المخزن تحتاج إلى عشر توقيعات فهل هذا منطق من يريد أن ينافس؟ ومحذرة من انسياق ماسبيرو وراء المنافسة بالإثارة السياسية، وتساءلت هل القنوات المتخصصة تؤدي الغرض منها؟ هل تحقق الفائدة المرجوة أم أنه من المناسب أن ندمجها في قنوات عامة.
وتابعت: لا يقبل الشعب المصري أن يستقي أخباره من قنوات تتبع دول أخرى في المنطقة، لذلك علينا أن نعود للسؤال البديهي: هل حددنا الهدف من وجود تليفزيون مصري وطني تتوافر له كل الطاقات البشرية والمادية والتقنية ليحقق أهدافه؟ لكن للأسف فإنه لا يلبي احتياجات المواطن من إعلام مؤثر، وعندما نتجاهل أحداث تقع في الشارع المصري ويتداولها المصريون عبر مواقع التواصل فإنني لا يمكن أن أثق ولا أعتمد ولا أتعاطف مع هذا النوع من إعلام مضى زمنه وعصره مع ثورة الاتصالات، نحن كما قال الرئيس في حالة حرب ونحتاج إجابات لحظية على أسئلة الشارع المصري.
فاتورة المرتبات
ترى الخبيرة الإعلامية فاطمة فؤاد الحل في أن يؤدي كل فرد في المبنى وظيفته ودوره لأن التحدي خطير وجاد، مضيفة: الإعلام صناعة مكلفة جداً، ولا أستطيع أن أقول لك كم المبلغ الذي يصرف شهرياً على الشاشة، [قلت لها: أعفيك من الحرج وأقول أنا أنه نحو "220" مليون جنيه فاتورة المرتبات الشهرية].
وأضافت: الأعباء كبيرة ولكن لابد من استمرار وقوف الدولة إلى جوار ماسبيرو هذه الفترة، خاصة أننا لنا أعمال كثيرة داخل أنشطة الوزارات ومؤسسات الدولة نقوم بها بلا مقابل منذ سنوات طويلة، وأتصور أن الأعباء قلت هذه الفترة، خاصة أنه لا توجد تعيينات جديدة منذ سنوات، ولكن المصروفات زادت لحساب الكاميرات والستوديوهات والمونتاج، وأنا أعلم أن المخرجين الشباب يعانون في الحصول على ساعة زائدة من المونتاج.. ولابد من شراء كاميرات كافية ومراسلين هواء لتغطية الحدث فور وقوعه وفي مكانه.
هيكلة
الإعلامية هويدا فتحي هي أول مذيعة في ماسبيرو تحصل على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس في إعادة الهيكلة في الإعلام وتطبيقها على قطاع التليفزيون المصري، فضلا عن خبرتها في قيادة دفة القناة الثانية ترى ضرورة الإسراع بهيكلة ماسبيرو ووضع خطة تطوير شاملة تحدد عدد القنوات المطلوبة مع تحديد أهدافها، وتنشيط دور القطاع الاقتصادي، ودمج القنوات المتشابهة، ووضع خطة للإنتاج البرامجي والدرامي، وتطوير معهد الإذاعة والتليفزيون وتفعيل دور الإدارة العامة للمتابعة لتقييم أداء الشاشة، مؤكدة على ضرورة تنقيذ الخطط وسرعة اتخاذ القرار للوصول إلى الهدف من إعلام متميز يتمناه الشعب يخدم كل الأطياف.