السبت 22 يونيو 2024

2017 عام المرأة المصرية.. ماذا حققت وأين تقف وإلى ماذا تتطلع؟

30-3-2017 | 11:19

أشرف راضي - باحث ومترجم مصري

   يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة، ويكتسب احتفال هذا العام أهمية خاصة للمرأة المصرية؛ فقد أعلن أن عام 2017 هو عام المرأة المصرية. كان هذا الإعلان حافزا لعشرات المقالات والتعليقات التي تناولت وضع المرأة المصرية في ظل هذه المرحلة التي شهدت ولا تزال تشهد تحولات تعصف بالمجتمع المصري على كل المستويات. وكان هذا الإعلان أيضا حافزا للإعداد لهذا الملف الذي يستهدف تسليط الضوء على بعض القضايا المصرية بالنسبة للمرأة المصرية بشكل خاص والمرأة العربية بشكل عام. وقد يكون هذا الإعلان مناسبة لأن نطرح السؤال عما حققته المرأة المصرية والعربية من مكتسبات، وما تعرضت له من انتكاسات وتراجعات بعد موجة الانتفاضات العربية في مطلع العقد الثاني من القرن، وأن نتعرف أيضا على طموح المرأة وكيف تحقق ما تصبو إليه؟

    من الهتافات الرئيسية والتي لا تخلو من دلالة أثناء الانتفاضة التي انطلقت في 22 نوفمبر عام 2012 ومهدت للتحركات التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي في منتصف عام 2013 "صوت المرأة مش عورة.. صوت المرأة هو الثورة". وتعرضت المرأة أثناء تلك التحركات لأبشع أشكال الاعتداء من قبل هذه الجماعة وحلفائها بطريقة ممنهجة تدل على إدراك كبير لخطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في عملية التغيير التي يشهدها المجتمع المصري. شهدت هذه الاعتداءات أشكالا من التحرش والعنف الجنسي ضد المشاركات في المظاهرات والاعتصامات، علاوة على حملة تشهير وقتل للشخصية ضد المرأة المصرية لم تتوقف بعد.

   حظيت المرأة المصرية منذئذ بمكانة خاصة في خطاب القيادة السياسية التي تولت مقاليد الأمور بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين وأصبحت المرأة ركيزة أساسية في الخطاب الجديد. بينما يشكل هذا التحول تتويجا لمسيرة طويلة في كفاح المرأة المصرية منذ مطلع القرن العشرين ودورها الموثق بقوة في ثورة مصر الوطنية عام 1919، إلا أن هذه المسيرة لم تحقق بعد النجاح المرجو والمأمول الذي يتفق مع المكانة التي احتلتها المرأة المصرية في المجتمع منذ فجر الدولة المصرية القديمة والموثقة أيضا على جدران المعابد وفي البرديات والدراسات الرصينة عن التاريخ المصري الممتد لما لا يقل عن أربع ألفيات قبل الميلاد.

    في عام 2010، نشرت منظمة فريدم هاوس (بيت الحرية) الأمريكية دراستها الثانية الكبيرة عن حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رصدت فيها التقدم الذي حققته المرأة في قليل من دول المنطقة في عدد من المؤشرات التي تقيس الحرية التي تتمتع بها المرأة في ممارسة حقوقها. وركز التقرير بشكل خاص على خمسة جوانب أساسية لقياس مدى الحرية التي تتمتع بها المرأة في المنطقة العربية، هي: عدم التمييز والقدرة على اللجوء إلى القضاء؛ الاستقلالية والأمن والحرية الشخصية؛ الحرية الاقتصادية وتكافؤ الفرص؛ الحقوق السياسية والصوت المدني وأخيرا الحقوق الاجتماعية والثقافية. لكن التقرير رصد أيضا أن المرأة في أنحاء المنطقة لا تزال تعاني تمييزا ممنهجا في كل من القوانين والعادات الاجتماعية. وسجل أن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي يظل واحدا من أخطر العقبات التي تواجهها المرأة في بلدان الشرق الأوسط. ولا تزال المرأة تواجه عقبات كبيرة في الحصول على العدالة نظرا لعدم إلمامها بالمعرفة القانونية والطبيعة الأبوية لتلك المجتمعات. كذلك تعاني المرأة تدني التمثيل في المناصب الرفيعة في السياسة وفي القطاع الخاص، وهي غائبة بشكل كامل عن سلك القضاء في بعض الدول.

   ورصدت المنظمة ذاتها تراجعا في وضع المرأة في دول المنطقة في أعقاب الانتفاضات العربية وسعت لتقديم بعض التفسيرات لذلك. فعلى الرغم من الدور الذي لعبته المرأة في هذه الانتفاضات إلا أن التطورات التي أعقبتها لم تكن في صالح المرأة. وكانت وثيقة حقوق المرأة هي الوثيقة الثالثة التي كان من المفترض أن تصدر عن الحوار الثقافي والمجتمعي الذي تم تحت رعاية الأزهر في مصر، لكنها لم يتم التصديق على مسودة الوثيقة في غمرة التطورات السياسية التي حدثت في منتصف عام 2012، فيما طويت الوثيقتان الأخريان وهما وثيقة الدولة المدنية ووثيقة الحريات العامة بالنسيان وكأن شيئا لم يصدر. وتقف المؤسسات التقليدية والمحافظة حائلا دون وضع ترتيبات قانونية وإجرائية تضمن للمرأة المطلقة حقوقها من خلال تقييد حق الرجل في الطلاق الشفهي.

    وفي حين كانت المرأة الليبية شريكا رئيسيا في الثورة التي انطلقت في 17 فبراير 2011 والتي أطاحت بحكم معمر القذافي، إلا أنها تعرضت لتهميش كبير من قبل أول حكومة تتولى زمام الأمور في أعقاب ذلك وكان أولى قراراتها إزالة القيود التي وضعت إبان حكم القذافي على تعدد الزوجات على أساس مخالفتها لتعاليم الشريعة الإسلامية التي تبيح تعدد الزوجات. لكن ذلك لم يحل دون مواصلة المرأة الليبية لدورها. وتشير فريدة العلاقي، رئيسة "المنتدى الليبي للمجتمع المدني" والمستشارة الدولية المتقدمة في التنمية الإنسانية وتمكين النساء واليافعين وعضو المجلس الاستشاري في "معهد بيروت"  إلى أنه في ليبيا الآن حوالي 1000 منظمة مجتمع مدني نسائية أو تقودها المرأة. وقالت في الندوة الحوارية التي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في مارس 2014 "النساء الليبيات كنّ فاعلات في أدوار رئيسية في الثورة لكن الثورة اختطفت الآن من الرجال وبعض الأيديولوجيات والباحثين عن المال والسلطة وأبعدت النساء عن مركز القرار". وكان للأزمة السياسية وعدم الاستقرار الأمني وصعود التيارات الإسلامية المتشددة والتيارات المحافظة وقع خاص على المرأة الليبية التي استهدفت المرأة بشكل خاص.

    وعلى الرغم من أن المرأة التونسية حافظت، بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، على المكتسبات التي حققتها بعد الاستقلال عن فرنسا وفي عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة والمتمثلة في مدونة الأحوال الشخصية إلا أن صعود التيارات الإسلامية المتشددة، ليس في تونس فقط وإنما في المنطقة ككل، كان لها تأثير خاص على المرأة التونسية فيما عرف بظاهرة المجاهدات التونسيات وما يعرف إعلاميا باسم "نكاح الجهاد". وهي ظاهرة لافتة للانتباه، إذ أن المرأة نفسها أصبحت جزءا من الحركة المرتدة على المكاسب التي تحققت للمرأة في إطار مشروع التحديث المدني في تونس ما بعد الاستقلال.

    وليس الوضع أفضل إذا ما انتقلنا إلى الشطر الشرقي من العالم العربي. فحتى في البلدان التي لم تشهد تدهورا كبيرا في استقرارها السياسي ووضعها الأمني مثل الأردن ولبنان وفلسطين، واجهت المرأة انتكاسات في المكتسبات القليلة التي حققتها. ولاحظت منظمة فريدم هاوس في تقرير صادر في 14 سبتمبر 2016 تراجعا في حقوق المرأة الأردنية على الرغم من الموقف الداعم لتعزيز وضع المرأة من قبل الأسرة الحاكمة وبعض المؤسسات الحكومية والاستثمار الأمريكي في برامج تعزيز الديمقراطية في المملكة. فقد جاء الأردن في الترتيب 140 من بين 145 دولة بالنسبة للمؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. وأشارت المنظمة بشكل خاص إلى استبعاد المرأة من الوظائف وحرمانها من حقوقها في الميراث وأشارت إلى أن ما يصل إلى 80 بالمائة من الأردنيات لا يستطعن اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقهن في الميراث.

    وعلى الرغم من الدور الذي لعبته المرأة الفلسطينية كحافظة للذاكرة الوطنية الفلسطينية ولا تزال، في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلا أنها تشهد تراجعا في وضعها ومكانتها، لاسيما في قطاع غزة الذي تسيطر عليها حركة حماس، في حين رصدت تقارير سابقة صعودا في صور التمييز ضد المرأة خصوصا فيما يعرف بقضايا الشرف. وعلاوة على ذلك، فإن المرأة الفلسطينية هي التي تتحمل وطأة الإجراءات التعسفية التي تتخذها سلطة الاحتلال في الضفة الغربية، خصوصا في الأراضي الواقعة فيما يعرف بالمنطقة (ج) في الضفة الغربية التي لم تنقل بالكامل للسلطة الفلسطينية وتخضع أمنيا وإداريا لإسرائيل.

    وكانت المرأة في كل من سوريا والعراق واليمن الضحية الأولى لعدم الاستقرار السياسي والأمني والحرب الأهلية. فالمرأة في هذه المجتمعات تواجه تحديات جساما في ممارسة الحياة اليومية فضلا عن أنها الضحية الأولى للتيارات الإسلامية المتشددة والتطرف الإسلامي والإرهاب المنظم الذي تتعرض له المجتمعات في تلك الدول على النحو الذي رأيناه في التعامل مع المرأة الإيزيدية والمسيحية في الموصل بشمال العراق وفي سوريا. غير أن الدور الذي تلعبه المرأة الكردية في التصدي لهذه الجماعات والتنظيمات المتشددة يشير إلى الدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في المنطقة في التصدي للتطرف والعنف وفي التطور المدني والديمقراطي.

    الملاحظة العامة والأساسية التي يمكن استخلاصها من خلال متابعة مسيرة كفاح المرأة المصرية والعربية هي أن هذه المسيرة شهدت مراحل من التقدم وأخرى للانحسار في تمتع المرأة بحقوق متساوية في المجتمعات العربية بشكل عام باستثناء بعض المجتمعات المحافظة لاسيما في منطقة الخليج، والتي ظلت المرأة تعاني فيها  صورا من التمييز ولم تحقق سوى تقدم طفيف في ممارستها لحقوقها وحريتها.

    والأمر الجدير بالملاحظة هنا هو أن التطور الديمقراطي وانتقال المجتمعات العربية إلى الحداثة مرهون بمدى ما تطرحه القوى السياسية والاجتماعية المختلفة من تصورات ورؤى للنهوض بوضع المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع وهذا مرهون بإدخال تعديلات جذرية على قوانين الأحوال الشخصية التي تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة على نحو يحقق للمرأة حريتها واستقلاليتها ويصون كرامتها. وبهذا يكون لشعار عام المرأة المصرية معنى ومغزى.

    الاكثر قراءة