مع دخول دورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب أسبوعها الثاني والأخير ، يحق القول إن الحضور الواضح للأطفال أضفى المزيد من البهجة وعذوبة البراءة على هذا العرس الثقافي المصري بقدر ما يثير هذا الحضور المبهج المزيد من "أسئلة القراءة" للطفل المصري والعربي ككل ويوميء لمقاربات مع ثقافات أخرى حول العالم.
وثقافة الطفل تحظى باهتمام بالغ في الثقافة الغربية حتى انه في شهر يناير الحالي والذي يشكل فاتحة العام الميلادي الجديد صدرت في الغرب عدة قصص مبهجة للأطفال مثل "صوت لايفي" للورا وودز وهي قصة تعالج ابداعيا قضايا الطفل في محيط مدرسته وتعزز المشاركة بين التلاميذ الصغار في هذا المحيط وتلقن الصغار بصورة غير مباشرة أهمية مسائل مثل المشاركة في الانتخابات.
وبالطبع فان عنصر الصور الملونة يحظى بأهمية محورية في قصص الأطفال التي تصدر تباعا في الغرب ، كما يتجلى مثلا في قصة "آشا وطائر الروح" لجاسبيندر بيلان ، وقصة "قلعتنا المطلة على البحر" للوسي سترانج التي أصدرت في العام الماضي قصة حظيت برواج كبير بين الأطفال بعنوان :"سر العندليب".
واذا كانت هذه القصص قد صدرت في بريطانيا مع مطلع عام 2019 ، فها هي قصة جديدة من قصص الأطفال تصدر في الولايات المتحدة بعنوان "الهمسات" لجريج هوارد حيث الرحلة المشحونة بالمشاعر الشجية لطفل يبحث عن أمه المفقودة ، كما تصدر قصة لفئة المراهقين بعنوان "محرك القلوب" بقلم ال.سي.روسين كما تعود ليزا ويليامسون لعالم الكتابة للأطفال بقصتها الجديدة "وداعا لصفحة".
وإذا كانت الصحافة الثقافية الغربية تبدي اهتماما غير منكور بالأطفال والكتب التي تخاطبهم ، فمن اللافت حقا في الثقافة الغربية ان تصدر كتب وكتابات موجهة للنشء حول افضل السبل للتعامل مع الوالدين والمحيط العائلي والجوار تضارع تلك الكتب الموجهة للكبار حول افضل السبل للتعامل مع أطفالهم ، كما تصدر كتب تتناول قضايا نفسية وشعورية للأطفال مثل ذلك الكتاب الجديد الذي صدر بعنوان:"عندما ينادي الحزن" لايفا ايلاند.
ولئن شهدت الدورة الحالية للمعرض نقاشات ثقافية حول الكتابة للطفل فان لمصر اسهامات مشهودة في ادب الطفولة لأسماء مثل الكاتب الكبير محمود سالم مؤلف الألغاز والشخصيات الشهيرة فى مجموعة "المغامرين الخمسة" التى كانت جزءا من المخيال العربى لأجيال تلو اجيال واللحظات الحميمة للأطفال والناشئة من المحيط الى الخليج.
وكان الكاتب الراحل محمود سالم الذي قضى في الرابع والعشرين من شهر فبراير عام 2013 من المهمومين بقضايا القراءة عند الطفل وهي قضايا مطروحة بقوة في ثقافات العالم وتحظى مسألة مثل تأثير التقنيات الحديثة على الأطفال في العصر الرقمي باهتمام واضح في ثقافات الشرق والغرب معا.
وتتنوع الكتب الجديدة للأطفال في الدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الى حد كبير ونظرة على الأجنحة وما يشتريه الأطفال من كتب تكشف عن اقبال طبيعي على الكتب المصورة والتفاعلية والشخصيات الشهيرة في عالم الأطفال على المستوى الكوني مثل "ديزني".
وفي "قاعة 3" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عالم من البهجة للأطفال مابين ورش رسم وحكي وتعليم لكيفية كتابة القصص وندوات تثقفيفية ناهيك عن المسرح وعروض "عرائس المارونيت" كما أتاح المعرض في موقعه الجديد هذا العام "بالتجمع الخامس" مناطق مخصصة لألعاب الأطفال المجانية عند سور البوابات ومن بينها العاب تظهر لأول مرة مثل "المراجيح".
وقال رئيس "البيت الفني للمسرح" اسماعيل مختار إن البيت الفني يقدم في الدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب خمسة عروض مسرحية للأطفال كما ينظم لهم ثماني ورش فنية ، لافتا الى ان هذه الأنشطة التي تخاطب الطفل تضع في اعتبارها "فئة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة".
وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب والمشرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي قد أوضح ان عدد الفعاليات المخصصة للأطفال في دورة اليوبيل الذهبي للمعرض والتي تختتم في الخامس من شهر فبراير المقبل يصل الى 250 فعالية ثقافية وفنية منوها بأن هذه الفعاليات ترمي في جوهرها لتشجيع الأطفال والنشء على القراءة.
فالأنشطة والفعاليات والاصدارات الموجهة للطفل واضحة في هذا الحدث الثقافي الكبير على المستوى الكوني والذي يشارك فيه 169 ناشرا من 35 دولة بينما يصل عدد الناشرين المصريين الى 748 ناشرا ويتجاوز عدد الفعاليات الثقافية والفنية 1300 فعالية تتوزع على 16 قاعة في المعرض وتؤكد كل المؤشرات أن عدد زواره في يوبيله الذهبي سيتجاوز الحضور في العام الماضي والذي قدر بنحو أربعة ملايين ونصف المليون زائر.
وهكذا يحق للصحف ووسائل الاعلام ان تنوه بالاهتمام الواضح بالأطفال في اليوبيل الذهبي الحالي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب مابين كتب ومتنزهات والعاب وورش تعليمية وفنية وندوات ومسلسلات للكرتون فيما لن يغيب مغزى تخصيص جناح الأزه الشريف في المعرض لركن للأطفال.
وكذلك لن تغيب دلالة تفاعل جناح الأزهر الشريف الذي يقع على مساحة ألف متر بالمعرض مع حملات ومبادرات اجتماعية موجهة للنشء والأطفال حيث استقبل أمس "الثلاثاء" فريق "حملة أنت اقوى من المخدرات" التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي وهي حملة موجهة للنشء في المقام الأول فيما بدا تفاعل الأطفال واضحا مع القصة التي قدمها لهم هذا الفريق بعنوان :"انت البطل".
ولأن قضايا الطفولة تعني جهات ووزارات متعددة فان وزارة الطيران المدني التي شاركت عبر "الادارة العامة للثقافة الجوية في الدورة السابقة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب باصدارات وورش عمل بما في ذلك مخيم الأطفال بغرض تنمية الوعي والمعرفة بثقافة الفضاء والطيران المدني استمر اهتمامها بتصاعد في دورة اليوبيل الذهبي.
ففي الدورة الحالية للمعرض كان من اللافت على صعيد الثقافة الجوية للأطفال تلك التجربة التي تخاطب الطفل ويقدمها جناح "مصر للطيران" للسفر والطيران ليتعرف الأطفال عبر "المحاكيات" على هذه التجربة المهمة.
وكذلك أقامت وزارة البيئة "ورش عمل فنية" في جناحها بالمعرض هذا العام للأطفال وحتى أجنحة دول شقيقة كالمملكة العربية السعودية تضمنت في دورة اليوبيل الذهبي لهذا العرس الثقافي المصري "ركنا للطفل" والعابا محببة لنفوس الأطفال وتنمي مهارات التفكير والابتكار لديهم مثل "الألعاب الخشبية".
وفي سياق الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ثمة كتابات واراء تؤكد أهمية استحداث كتابات جديدة في أدب الطفولة يتناسب مع العصر الرقمي فيما كانت رئيسة الهيئة اللبنانية لكتب الأطفال الدكتورة شيرين كردية قد لفتت من قبل لأهمية "الحتوى الجذاب" مع الابتعاد عن العنف في كتب الأطفال بينما نوهت الكاتبة المصرية سماح ابو بكر عزت بأن تساؤلات الأطفال انفسهم من اهم محفزاتها للكتابة لهم.
وسماح أبو بكر عزت من الأصوات المصرية الهامة فى عالم الابداع للطفل ولها قصص وكتابات لافتة سواء للصغار او للكبار مثل :"فى جيبى قلعة ومعبد" و"العطاء الصامت" و"مكان فى القلب" و"توتة توتة بدأت الحدوتة" كما تكتب للأطفال بمجلات وصحف.
وترى الكاتبة سماح ابو بكر عزت ان كاتب الأطفال لابد وان يتمتع بقدر كبير من الرومانسية ورهافة الحس حتى يستطيع ان يصل لقلوب وعقول لاتعرف الا الصدق فى المشاعر والاحساس موضحة انها تنزع نحو الحكايات البسيطة التى توصل المعنى والهدف بطريقة سلسة.
وإذ يعيد هذا الاهتمام الكبير بالطفل في هذا العرس الثقافي المصري للأذهان أسماء دالة في عالم الطفولة مثل "بابا شارو" و"ابلة فضيلة" و"فريدة عويس" و"محمد فوزي" ، فان الأجنحة المتعددة في المعرض حافلة في الواقع بأالوان المعرفة المرحة للأطفال ونظرات التأمل والاعجاب بلوحات تشكيلية وكتب وعروض مسرحية ليتجلى بوضوح ان "الأطفال بهجة البراءة في عيد الكتاب".
ويبدو أن هناك حاجة لابداع مصري وعربى قادر على تطويع التقنيات الجديدة لثورة الاتصالات والمعلومات ومخاطبة الطفل العربى عبرها بمضمون عربى مع الاستفادة بنموذج مبهر في الثقافة الغربية مثل عالم والت ديزنى ببرامجه وأفكاره التى تحقق دخلا سنويا يقدر الآن بـ 35 مليار دولار.
ومن اللافت والايجابي في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تلك العروض الفنية التي يقدمها بعض الأطفال الموهوبين كما أن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وجدوا اهتماما ملحوظا في دورة اليوبيل الذهبي للمعرض.
وإذا كانت أجيال تلو اجيال من المصريين والعرب عموما قد عرفت وتذوقت معنى ومتعة السباحة بالخيال بين دفتى كتاب جميل مثير للفضول ويفتح آفاق التأمل فان الأجيال الجديدة تعرف بدورها هذه المتعة ، كما يتجلى في دورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ..زهور تمرح في عيد الكتاب ووجوه بريئة تمنح المزيد من البهجة للعرس الثقافي المصري.