الأربعاء 26 يونيو 2024

عادل صموئيل أشهر عازفي الماسية:«عشت طويلاً مع حليم»

31-3-2017 | 02:10

 

بقلم : عادل صموئيل

أربعون عامًا مضت بدون حليم، والمتأمل في حياة حليم ومشواره يجد لهذا النبيل شخصيتين، حليم وفرقته وحليم والجمهور.

رحل حليم بجسده فقط بالنسبة لنا كفرقته ورفاق عمله، لكنه مازال باقيًا كما هو في أعيننا، وقيمته تزيد في قلوبنا، ومعجبوه يزدادون يومًا بعد يوم، حتى ممن أتوا بعد رحيله بسنوات طويلة .

عشت مع حليم سنوات طويلة وهي معظم عمري الفني، وكنت من رفاق عمله وأحد العازفين للكمان في فرقته وهي الفرقة الماسية؛ التي أنتجت معه أجمل الألحان وأعذب الأغاني، ومع قدوم الربيع من كل عام، في مثل هذه الأيام تهيج بنا الذكرى؛ لأنها نفس الفترة التي كنا متواجدين فيها معه كل يوم وحتى إقامة حفلة شم النسيم.

كنا في هذه الأثناء نجهز للأغنية الجديدة شهرين متواصلين، كل يوم من 6 إلى 9 مساءً، في بيت عبد الحليم، وكان يتفنن في أن يجعل العازف محبًا ومقبلاً على العمل، فأي فنان غيره يهتم فقط بشغله ولا يهمه العازف، فالعازف يتقاضى أجره، لكن! حليم بذكائه، شعر أن العازف المتميز الخاص بالفرقة الماسية لابد أن يكون مرفهًا، يعمل بدون ضغوط من البروفات إلى الحفلات، وقديمًا كان الترفيه الوحيد في مصر مشاهدة التليفزيون المصري بقناتيه الأولى والثانية، ولم يكن بالطبع يوجد فيديو ولا فضائيات، ولم يكن لنا إلا سهرتان في الأسبوع، يوم السبت نادي السينما ويوم الأربعاء اخترنا لك، وكان يسألني يوم السبت: "فيلم إيه النهارده؟ أقول له كذا"، وفي البروفة حينما تأتي الساعة 8 كان يقول "يالا نخلص بسرعة عشان تلحقوا تروحوا تلحقوا نادي السينما".

كانت الفرقة كلها تشعر بمدى اهتمامه براحتنا، "يعنى واحد بيهمه إني أتمتع بحياتي مش اشتغل لحد حيلي ما يتهد وأروح أنام؛ لذلك كانت هناك أيام تحتاج مجهودًا شاقًا كنا نتعب وإحنا مش بنحس بالتعب، زي أيام تسجيل الأغنية كنا بندخل الاستديو الساعة 6 مساء نطلع تاني يوم الساعة 4 مساء" .

 

وكما قلت كانت حياة عبد الحليم دائمًا ذات وجهين، العملاق أثناء البروفة، وأحسن من يغنى والذكاء والخبرة في إدارته للبروفة، وبعد انتهاء البروفة كنت أجلس معه كي نراجع التصليحات في اللحن، وكنت أرى في هذه اللحظات الكائن البائس المسكين المتألم، الذي يسعد الملايين لكنه لا يقدر على إسعاد نفسه، الشخص الذي يقدر على عمل عشاء بوفيه مفتوح فيه كل ما لذ وطاب من المأكولات لعدد غفير من البشر، لكنه هو نفسه مرضه يحتم عليه أن يأكل إما قطعة جبن رومي أو ملعقتين فول مع نصف كوب شاي، وفي العيد كان الدكتور يسمح له ب"إصبع محشي كوسة واحد فقط" بدون الملح وبلا أي نوع من أنواع التوابل.

 

الشيء الغريب أو الحكمة الإلهية التي نقف عندها كثيرًا، أن المرض كان يحاصره في كل جسمه وميئوس من شفائه، ويقضي ثلثي وقته في المستشفى، لكن المرض لم يقترب من أهم ما فيه، وهو صوته، ولم يؤثر على روعته كفنان، وإقباله على أن يقدم أحلى ما يمكن أن يقدمه للجمهور، وأنا رأيت بعيني أن شغله كان للذكرى والتاريخ؛ لذلك ننبهر اليوم من التواجد الغريب له بعد 40 سنة من الرحيل، ما هذا الذي يحدث؟! وما تلك الأعداد الغفيرة التي تحرص على زيارة مدفنه كل سنة؟! وكأنه عيد قومي أو مناسبة رسمية، "وناس كتير بتيجى من الخارج وده شعور لم ولن يحدث مع أي أحد قبل أو بعد حليم"؛ وهذا نتيجة شغله الذي كان يعده للذكرى والتاريخ .

ما أريد قوله أخيرًا أن من كان يفشل في الغناء في عصر حليم كان يعلق فشله على شماعة عبد الحليم، فقالوا وهو موجود إنه يمنع ظهور المواهب وهذا كلام عار من الصحة فظهور هاني شاكر كان أكبر تكذيب لتلك الافتراءات، وحضرت ظهور هاني شاكر وكان دفعتي في الكلية، ولم يحدث أن فنانًا شابًا في بدايته يبدأ مع الفرقة الماسية ويلحن له ملحنون عمالقة، وهذا يوضح أن هاني شاكر اختصر عشر سنوات على الأقل ببداية مشواره؛ لأن العادة جرت أن يبدأ المطرب الجديد مع فرق صغيرة وملحنين صغار، وهذا يؤجل تقدمه ونجوميته، ولكن! نال هاني شاكر كل تلك المميزات في عصر حليم ولم يفكر أبدًا في أن يعوقه هو أو غيره.

ما أتعجب له هذه الأيام، اختلاق القصص والأكاذيب عن حياة حليم، ومن يفعل ذلك يعلم أنه لا يوجد من يرد عليه أو يكذبه، فحليم رحل، ونشهد جميعًا على نبله وأخلاقه الكريمة، وكان عطوفًا طيبًا، كل ما يهمه حسب ما رأينا هو إسعاد كل الدنيا، حتى بعد رحيله، وجمعت ذكراه الطيبة كل من تبقى من أفراد فرقته وتم تكريمنا جميعًا بدار الأوبرا، ونلنا دروع الشكر والتقدير على سنوات عملنا معه، فها هو حليم، أضفى علينا الحب والخير في حياته ونلنا التكريم بسيرته العطرة بعد مماته.