الأربعاء 19 يونيو 2024

مائة عام على ثورة المصريين في 1919.. مؤرخون: أول ثورة شعبية شاملة وجسدت تماسك ووحدة الشعب المصري.. وطالبت بالاستقلال وهذه أبرز نتائجها

تحقيقات21-2-2019 | 18:31

مائة عام مرت على ثورة الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني في 1919 مطالبا بالاستقلال، لتظل تلك الثورة محفورة في تاريخ ووجدان مصر والمصريين رغم مرورن قرن من الزمان، حيث تجسدت فيها مشاهد الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع المصري وزيادة الوعي والجهاد من أجل إنهاء الاحتلال.

فيما أكد مؤرخون أن تلك الثورة لها مكانة خاصة في تاريخ مصر وجسدت تماسك الشعب المصري ووحدته ووعيه، وأنها أول ثورة شعبية شاملة وأهم أحداث القرن الماضي، موضحين أن غضب المصريين انفجر من أجل طلب الاستقلال وفوض الوفد المصري برئاسة سعد زغلول لتمثيله لكن بعد نفيه ثار الشعب، مما أدى لنتائج عديدة أبرزها صدور تصريح 28 فبراير بإلغاء الحماية البريطانية وتشكيل دستور 23.

أول ثورة شعبية شاملة

الدكتور أيمن فؤاد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، قال إن ثورة 1919 تعتبر هي أول تحرك شعبي ينطبق عليه مسمى ثورة شعبية شاملة في العصر الحديث فكانت تصورا لشكل المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين، وشارك فيها الأقباط والمسلمين والمرأة والطلبة وكل المحافظات.

وأوضح فؤاد، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن الشعب المصري تحرك في ذلك الوقت للمطالبة بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني ومنح توكيلات للوفد ممثلا في زعمائه حينها سعد زغلول ورفاقه ليمثلوا مصر أمام مؤتمر باريس للصلح، مضيفا إن جمع التوقيعات من كل الشعب المصري كانت حركة غير مسبوقة في ذلك الحين.

وأكد أن أحداث الثورة استمرت منذ مارس 1919 ولعدة شهور بعدها وأسفرت عن نتائج لم تكن موجودة من قبل منها رفع الحماية البريطانية عن مصر عام 1922 وبعدها عمل دستور 1923 وبرلمان ، وتحويل مصر إلى دولة ملكية فضلا عن توقيع معاهدة 1936، مضيفا أن تأثيراتها ظلت مستمرة على المستوى السياسية بظهور الحركة الليبرالية.

وأضاف إن ثورة 1919 هي حدث فارق في القرن الماضي وتعتبر أهم أحداثه لأن كل ما تلاها هو من توابعها حتى حركة الضباط الأحرار في 1952 وقيامهم بثورة 23 يوليو، موضحا أنه في العام الجاري نحتفل بالذكرى المئوية لهذا الحدث والذي يمثل ثورة شعبية حقيقية بمشاركة كل أطياف المجتمع المصري.

وأشار إلى أن ثورة 30 يونيو هي وجه آخر لثورة 1919 مع اختلاف المغزى أو الهدف، حيث خرج الشعب المصري بكل أطيافه ضد الحكم الديني الفاشي الذي أراد تغيير هوية مصر.

تماسك الشعب المصري

ومن جانبه، قال الدكتور عبد المنعم الجميعي، أستاذ التاريخ الحديث، إن ثورة 1919 كانت ثورة شعبية ضد المحتل البريطاني شارك فيها كل أطياف المجتمع من نساء وأقباط ومسلمين وطلبة وفلاحين وجسدت التحالف بين قوى الشعب المصري فخطب بعض الشيوخ في الكنائس وخطب بعض القساوسة في المساجد.

وأضاف الجميعي، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن الشعب المصري كان يأمل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في الحصول على الاستقلال لكن الإنجليز نكثوا لوعدهم ورفضوا مشاركة الوفد المصري في مؤتمر باريس للصلح لتحقيق مطالب الشعوب في الاستقلال، مؤكدا أن هناك أسباب اقتصادية واجتماعية كان منها انخفاض أسعار القطن والذي أدى لفوران اقتصادي داخلي.

وأوضح أن الوفد المصري برئاسة سعد زغلول قابل المعتمد البريطاني ونجت الذي لم يعترف بتمثيلهم للشعب وبعدها بدأت حركة جمع التوقيعات من المواطنين بتمثيل زغلول ورفاقه للشعب، إلا أن الاحتلال لم يعترف بهذه التوكيلات وتعرض الوفد المصري للنفي إلى جزيرة مالطا مما أدى لظهور الغضب المجتمعي الذي كان كامنا تحت الرماد وانفجرت الثورة.

وأشار إلى أن ثورة 1919 هي من دعائم القومية المصرية والحركة الوطنية وشملت عموم القطر المصري في كل الأقاليم، وعبرت عن وعي وطني شامل في كل المحافظات، مضيفا أنها اندلعت بعد نفي سعد زغلول ورفاقه واستمرت على فترات حتى بعد سفر الوفد إلى باريس ومحاولة الإنجليز تهدئة الموقف وتشكيل لجنة ملنر للمفاوضات لكن الشعب المصري رفض استقبالها.

وأضاف أستاذ التاريخ الحديث أن المفاوضات استمرت شهور وسافر سعد زغلول إلى لندن للنقاش واستمرت المراسلات حتى إصدار تصريح28 فبراير برفع الحماية البريطانية عن مصر مع التحفظات الأربعة وصدور دستور 1923، مؤكدا أن  ثورة 1919 أدت أيضا لتشكيل الرأي العام المصري وزيادة الوعي الوطني والقومي وشجعتهم على مواجهة المحتل رغم عنفوانه وقوته.

وأكد أنه مع حلول الذكرى المئوية لهذه الثورة فإنها ستظل جزءا من التاريخ وذاكرة المواطنين لأن تاريخ مصر خط متصل.

أبرز نتائجها

فيما قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن ثورة 1919 لها مكانة خاصة في تاريخ مصر ولدى الشعب المصري، مضيفا أن المصريين هم من علموا الدنيا فكرة الثورات ورغم أنهم شعب صبور لكنه قادر على التحدي والثورة إذا أهينت كرامته.

وأوضح شقرة، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن قبل ثورة الشعب في مارس 1919 بسنوات بعيدة كان الغضب قد تراكم ربما منذ أواخر القرن التاسع عشر بعدما تآمر الغرب لضرب تجربة محمد علي بتوقيع معاهدة لندن 1840 وفشل الثورة العرابية ووقع الاحتلال البريطاني عام 1882، وهو ما أصاب المجتمع بصدمة وأخذ الشعب يوائم الأمور حتى انفجر الغضب.

وأضاف أن الأحداث المباشرة التي أدت للثورة هي إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914 واعتراف بقية الدول بهذه الحماية التي سلبت الاستقلال المصري، وقبل الحرب العالمية الأولى تفاوضت بريطانيا مع المصريين للوقوف بجانبها أثناء الحرب مقابل منح مصر الاستقلال وانتهت الحرب وبدأ المصريون يتناقشون حول التحرك من أجل الاستقلال.

وأكد أن رجال السياسة في مصر فضلوا تكون وفد –ليس حزبا- لمقابلة المعتمد البريطاني السير ريجنالد ونجت ويطالبه بأن تفي بريطانيا بوعدها وتمنح مصر الاستقلال، وتكون من 3 أشخاص هم سعد زغلول وعلي شعراوي وعبد العزيز فهمي، فالتقوا ونجت ودار بينهم حوارا سيئا برفض بريطانيا السماح لمصر المشاركة في مؤتمر باريس للصلح وأنها غير مصر غير قادرة على حكم نفسها بنفسها.

وأوضح أستاذ التاريخ الحديث أن سعد زغلول رد على هذه الإهانات بأحقية الشعب المصري في الاستقلال وأن بين المصريين المتعلمين والمثقفين وليست دولة من الهمج إنما دولة مركزية، مشيرا إلى المعتمد البريطاني قال للوفد باسم من تتحدثون ومن فوضكم، وانتهت المقابلة وخرج سعد زغلول ورفاقه في حالة سيئة.

وأشار إلى أن الشباب تفتق ذهنه إلى فكرة جمع التوكيلات في ورقة مكتوب عليها "وكلت أنا الموطن المصري_ ويكتب اسمه_، سعد زغلول ورفاته من أجل الحصول على استقلال مصر استقلالا تاما"، مضيفا أن سعد زغلول حرص على إضافة كلمة "بالطرق السلمية" في التفويض، وجمعت التوكيلات في أجولة وألقيت أمام باب المعتمد البريطاني.

وأضاف شقرة أن المعتمد البريطاني بلغ حكومته أن مصر ستقوم بثورة فقالوا له اضرب بيد من حديد مصر مهمة لنا، وبعدها نفي سعد زغلول ورفاقه، وانفجرت الثورة رافضة لنفيهم ومطالبة بحق مصر في المشاركة في مؤتمر الصلح في باريس لكي تحقق مصيرها، وخاصة أن بريطانيا كانت ستسمح لصربيا وبلغاريا والبحر الأسود بالاستقلال، وكانت مصر أحق بذلك.

ولفت إلى الثورة كانت عنيفة وشارك فيها الفئات من طلاب المدارس والمشايخ والقساوسة والفلاحين والمحامين والسيدات بهدف الحصول على الاستقلال، مضيفا أن الثورة لم تحقق هذا الهدف فظلت مصر تحت الاحتلال حتى بعد إعلان رفع الحماية البريطانية في تصريح 28 فبراير 1922 ظلت التحفظات الأربعة.

وعن نتائجها، أوضح أنها مصر تحول نظامها السياسي بعد ذلك من سلطنة إلى ملكية دستورية وتشكلت لجنة لإعداد دستور 1923 واستمر كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال حتى قيام ثورة 23 يوليو عام1952 والتي تحقق الاستقلال بعدها بالجلاء الانجليزي عن مصر وخروج آخر جندي إنجليزي في 1956.