قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان،
إن أهمية ثورة 1919 وقيمتها في تاريخ مصر تنبع من كونها أول حركة جماهيرية عامة
جمعت كل المصريين ابتدءا من القاهرة إلى كل أقاليم مصر من كل الفئات والطبقات، مضيفا
أن المصريين أضربوا عن العمل وخرجوا يتظاهرون مطالبين بجلاء الإنجليز والاستقلال، احتجاجا
على اعتقال سعد زغلول الذي طالب بحق مصر في تقرير مصيرها.
وأوضح الدسوقي، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أنه بعد اندلاع
الحرب العالمية الأولى سبتمبر 1914 فرضت إنجلترا الأحكام العرفية وعطلت الجمعية
التشريعية ثم أعلنت الحماية على مصر، مضيفا أن المصريين أيدوا تحرك سعد زغلول وكيل
الجمعية التشريعية وزميليه عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي لمقابلة المندوب السامي
البريطاني السير ريجنالد ونجت في 13 نوفمبر 1918 للسماح لهم بالسفر إلى باريس
استعدادا لحضور مؤتمر الحلفاء لتسوية نتائج الحرب، ومطالبة المؤتمر بتطبيق حق
تقرير المصير.
وأضاف أن المندوب السامي اعترض على تلك المقابلة بأن هذا الوفد
ليس له صفة رسمية، وهنا أسرع سعد زغلول إلى صياغة توكيل يوقع عليه المصريون بشأن
إنابته وزملائه للتحدث باسم المصريين والسعي لتحقيق الاستقلال وإقامة اجتماعات،
موضحا أن ونجت حذر زغلول من تلك الاجتماعات فلم يتوقف، فكان اعتقاله يوم الجمعة 8
مارس وترحيله صباح السبت 9 مارس إلى جزيرة مالطة في البحر المتوسط وهي إحدى
مستعمرات بريطانيا.
ولفت إلى أنه بعدما شاع خبر اعتقال ونفي سعد زغلول ورفاقه، اندلعت
الثورة وبدأها طلاب مدرسة الحقوق، وتوسعت بين كل الأوساط من القاهرة إلى الأقاليم
للتنفيث عن غيظ مكتوم من فظائع الاحتلال، مؤكدا أن الثورة تجلت فيها روح الوحدة
الوطنية، خاصة وأن الإنجليز منذ احتلوا البلاد كانوا يحاولون إثارة الفتنة
الطائفية بين المسلمين والأقباط لشغل المصريين عن المطالبة بالجلاء.
وأكد الدسوقي أن عقلاء الأمة كانوا يحذرون من الفتنة حيث قال
الشيخ علي يوسف وهو رجل أزهري: وما المسلمون المصريون إلا أقباط غيروا عقيدتهم،
وأكمل مصطفى كامل هذه العبارة بقوله: وهل تغيير العقيدة يغير الدم، مضيفا أنه على
هذا تم تصميم شعار وحدة الهلال والصليب رمزا للثورة حيث كان شيوخ الأزهر والقساوسة
يتبادلون الخطب في المساجد والكنائس.
وأشار أستاذ التاريخ الحديث إلى أن الثورة لم تحقق أهدافها في
الاستقلال، ذلك أن قياداتها كانت معتدلة وقانونية وليست ثورية بالمعنى الاصطلاحي،
وتتصور أنه يمكن تحقيق استقلال وطن من براثن محتل غاصب عن طريق إقناعه بالحق من
خلال المبادئ الأخلاقية والنداءات والاتصالات الدولية.
وأوضح أن صياغة التوكيل التي عرضها سعد زغلول على المجتمعين
بمنزله كانت تقول: "نحن الموقعين أدناه أنبنا حضرات.. للسعي بالطرق السلمية
والمشروعة وحيثما وجدوا للسعي سبيلا لاستقلال مصر"، مضيفا أنه عندما كانت
أنباء العنف في مصر تصل إلى أسماع سعد زغلول في منفاه في مالطة كان يبدى نفوره من
هذا الأسلوب لأنه يضر بالقضية ويقول "إن كل ما نريده أن نصل إلى حل يرضي
الإنجليز ويرضينا"، كما جاء في مذكراته.
وأشار إلى أن قيادات الثورة تعرضت للخلافات الشخصية وهو ما
استثمرته سلطة الاحتلال حين تعاملت مع الجناح المعتدل بقيادة عدلي يكن الذي قبل
التفاوض مع الإنجليز الأمر الذي أدى إلى تصفية الثورة وانتهاؤها بتصريح 28 فبراير
1922 والذي أعلن استقلال مصر، لكنها ظلت تحت الحماية البريطانية.