قال فضيلة الإمام
الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الهجوم الإرهابي المروع على المصلين
بأحد المساجد في نيوزيلندا، اليوم أثناء أداء صلاة ظهر الجمعة، مذبحةٍ مروعة يجبُ أن
تهتز لها مشاعر وقلوب كل ذوي الضمائر الحيَّة في أنحاء العالم؛ لما فيها من انتهاكٍ
لحُرمَة الدماء المعصومة، وسفكٍ لأرواحٍ بريئة طاهرة كانت تتضرَّعُ لربها في خشوعٍ
واطمئنان.
وأضاف شيخ الأزهر،
في بيان له اليوم، تابعت ببالغ الألم وعميق الحزن أنباء الهجوم الإرهابي الذي استهدف
المُصلِّين الآمنين في مسجدين بمدينة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية، والذي
أسفر عن مصرع نحو 49 شخصًا وإصابة عدد مماثل، بينهم العديد من الأطفال والنساء.
وتابع: تلك المذبحة
الإرهابية الشنيعة التي حرص مُنفذوها على تصويرها وبثِّها على الهواء للعالم كله، لا
تختلف كثيرًا عن مشاهد قطع الرقاب المُروِّعة التي ارتكبتها عصاباتُ داعش الإجراميَّة،
فهما فرعان لشجرةٍ واحدة، رُوِيت بماء الكراهية والعنف والتطرُّف، ونزَعت من قلوب أصحابها
مشاعرَ الرحمة والتسامح والإنسانيَّة، بل ما كان لهما أن يتوحَّشا بهذا الشكل المُرعِب
لولا حساباتٌ سياسيَّةٌ وعنصريَّةٌ ضيِّقة، غضَّت الطرف عن جرائمهما، وسمحت لهما بالانتشار
والتوحُّش.
وقال الإمام الأكبر:
لعل الذين دأبوا على إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين يتوقَّفون عن ترديد هذه الأكذوبة
بعد أن ثبت لكلِّ مُنصف مُتجرِّد من الغرَض والهوى أنَّ حادثة اليوم، بكل ما خلَّفته
من آلامٍ شديدة القسوة، لم يكن من ورائها عقلٌ منتمٍ للإسلام ولا للمسلمين، وإنَّما
وراءها عقل بربري وهمجي متوحش، لا نعرف ما هي دوافعه وعقيدته المنحرفة التي أوحت له
بهذه الجريمة النكراء.
وأردف، غير أننا
-نحن المسلمين- رغم فاجعتنا التي فتَّتت أكبادَنا، لا نستطيع أن نقول كلمةً واحدةً
تَدِين المسيحيَّة والمسيح -عليه السلام- والتي قد يدَّعي الإيمانَ بها هذا القاتلُ
الأثيم؛ لإيماننا بالفرق الهائل بين الأديان وسماحتها، وبين المتلاعبين بها من تجَّار
السياسة وتجَّار السلاح، ولسنا نفهم الفرق بين إرهابٍ يرتكبُه مُنتمٍ للإسلام فيُضاف
على الفور إلى الإسلام والمسلمين، وبين إرهابٍ يرتكبه مُنتمٍ إلى أي دين آخر فيُوصف
فورًا بأنه متطرف يميني، كما أننا لا نفهم كيف لا يوصف هذا الهجوم بأنه إرهاب ويقال:
إنه جريمة.
وتساءل "ماذا
تعني كلمة التطرف اليميني؟ ولماذا يدفع المسلمون وحدَهم ثمنَ ما يُسمَّى بـ(التطرف
اليميني)، وما يُسمونه بالتطرف الإسلامي من دمائهم وشعوبهم وأراضيهم؟ أما آنَ الأوان
أن يكفَّ الناس شرقًا وغربًا عن ترديد أكذوبة الإرهاب الإسلامي؟.
وقال شيخ الأزهر
إنَّ ظاهرة الإسلاموفوبيا وتيَّارات العداء العنصري للأجانب والمُهاجرين في الغرب لم
تحظَ حتى الآن بالاهتمام الكافي، رغم خُطورتها وتحوُّلها في كثيرٍ من الحالات لأعمالِ
عُنفٍ وكراهيةٍ مَقِيتة؛ وهو ما يستوجبُ سرعةَ التحرُّك الفاعل لتجريمها ومُحاصرتها
ورفع أيِّ غطاءٍ سياسيٍّ أو دينيٍّ عن أصحابها، مع بذل مزيدٍ من الجهد لتعزيز قِيَمِ
التسامح والتعايش والاندماج الإيجابي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات، واحترام
الخصوصية الدينيَّة والثقافيَّة.
وأشار الطيب إلى
ما نصَّت عليه "وثيقةُ الأخوة الإنسانية"، التي وقَّعها الأزهر الشريف والفاتيكان،
في فبراير الماضي، من تأكيدٍ على ضرورة "التحلِّي بالأخلاقِ والتَّمسُّكِ بالتعاليمِ
الدِّينيَّةِ القَوِيمةِ لمُواجَهةِ النَّزعاتِ الفرديَّةِ والأنانيَّةِ والصِّدامِيَّةِ،
والتَّطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه"، وتشديدها على أنَّ
"الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ،
وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ،
ليس نِتاجًا للدِّين - حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه -
بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُمِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ
والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي".