السبت 1 يونيو 2024

اليتيمان والتحدى الاكبر

2-4-2017 | 10:13

بقلم : خيرى كامل

من النادر جدا أن تجد مثل هذا التوافق فى شخصيتين تمتعا بشهرة واسعة ليس على المستوى المحلى فحسب بل فات ذلك إلى المحيط الاممى وربما القاري أو العالمي ..

العندليب الأسمر والفتى الأسمر .. كلاهما دارت حياتهما فى خط واحد بداية من الميلاد ونهاية بالوفاة ، ومما يثير العجب أن الظروف التى أحاطت بهما كانت شبه واحدة وكأن الدنيا والظروف والأحداث اتفقت عليهما أو دبرت لهما كيفية الحياة وأصرت أن تكون هى .. هى ... الميلاد فى اليتم كانت البداية لتعطينا نشأتهما دروسا فى الصعوبة والمعاناة التى غالبا ما تتمخض عن فشل ذريع ولكن ..

دعونا لانسبق الأحداث فالبيئة الشرقاوية التى ألقيت فيها بذرتيهما ونبتت أيضا فيها لها ملامحها الأشد خصوصية سواء كانت فى الريف أو فى الحضر وفى حالتي أو قل ( حالة ) العندليب الأسمر ( عبد الحليم حافظ ) أو الفتى الأسمر ( احمد زكى ) جاءت البيئة متفقة وكأنها تعانى التوحد أو قل إنها أصرت على ان تبكر حياتهما بالمعاناة ... تليها حياة أكثر تواضعا من بدايتها وأكثر مشقة وصعوبة .. المجتمع والحياة الدنيا كانتا لهما بالمرصاد ، أقسمت ألا تتركهما وشأنهما قبل أن تطلق فى البعيد الآتي انفراجتها عليهما ... أما الطموح فقد كان هو القاسم المشترك الأول فى كل مايعيشونه لايتركهما لحظة إلا ولازمته المحاولات المتمعنة فى إثبات الذات ربما لم يكن إثبات الذات فى حالتيهما ( للذات ) بقدر ماكانت للدنيا التى عاندتهما منذ البدء ولعل هذا يذكرنا بكلمات الشاعر الراحل ( عبد العليم عيسى ) فى قصيدته ( لا تعاتب ) حيث قال :

لا تعاتب ..

أنا ماخيرت فى البدء ..

ولو خيرت جانبت الشوائب ...

أنا منذ كنت خلية ..

أنا منذ الخطوة الأولى بدرب البشرية ..

وأنا أسرى خفيا فى تلافيف الحياة ..

مثلما تسرى العصارات بأطواء الشجر ..

ثم أصبحت كما تبصرني ..

كائنا أحمل فى ذاتي تراث البشرية

نعم .. كلاهما حقا ( بعد ذلك ) حمل فى ذاته تراثا عبقريا ــ على الأقل ــ لحياته ومجتمعه تأريخا صريحا واقعيا ..

لم تنطفئ فى سريرة حليم وزكى شعلة التحدي للواقع الذي ألمهما طويلا فحليم مال إلى موهبته صقلا فى معهد الموسيقى العربية وكذا فعل الفتى الأسمر احمد زكى الذى صقل موهبته فى معهد الفنون المسرحية وفى أوائل تجاربهما العملية جاءت الظروف الأشد قسوة لتحاول معهما من جديد فى إيقاف المسيرة التى استهلت اول خطواتها فرجم الجمهور عبد الحليم حافظ ( بالطماطم ) فى أول ظهور له على المسرح وكذا احمد زكى عندما رفضه احد المنتجين لسمرة بشرته .. وبقدر ما كان طريقهما مكدسا بأحجار العثرة كان الإصرار على النجاح بل والتفرد .. نعم نجح حليم فى أن يكون بأغانيه ملء آذان الناطقين بالعربية فى شتى بقاع العالم وكذلك نجح احمد زكى فى أن يجذب الأنظار إليه فى أعماله الدرامية سواء فى السينما آو التليفزيون وان يكون مؤرخا صادقا مقنعا لكافة الأحداث المجتمعية التى عاشها .. نعم نجح ابنا محافظة الشرقية فى ان يتحديا كل الظروف وان يقهرا المعاناة وان يتغلبا على الواقع المرير منذ الولادة وحتى الموت .. نجحا فى أن يثبتا لذاتيهما أنهما التحدي بكل معاييره وبكافة مقاييسه ، وان يكونا عنوانا صريحا للقوة التي جاءت من رحم الضعف.