أكد الشاعر نوري الجراح مدير عام المركز
العربي للأدب الجغرافي -ارتياد الأفاق الفائز بجائزة الشيخ زايد للعام 2018 ـ 2019
في فرع النشر والتقنيات الثقافية في حوار خاص بـ "بوابة دار الهلال" أن الجائزة
تعتبر التفاتة طيبة نحو مشروع عربي رائد انطلق سنة 2000 من عاصمتين أبو ظبي ولندن ونشط
على مدار عقدين من الزمن ليجعل لأدب الرحلة العربي وللمرة الأولى في تاريخ الثقافة
العربية خزانة مرموقة من كتب الرحلات واليوميات والدراسات المتعلقة بأدب ممتع وشيق
وخطير هو ادب الرحلة الذي يعتبر جزء من مدونة الأدب الجغرافي التي تغطي أكثر من الف
عام من النصوص والمدونات الموضوعة من قبل الرحالة والجغرافيين والبلدان العرب.
وكانت الجائزة برئاسة رئيس مجلس أمنائها
الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان قد أعلنت فوز
المركز العربيّ للأدب الجغرافيّ "ارتياد الآفاق" في دولة الإمارات العربية،
وهو مركز بحثي عربيّ مستقلّ وغير ربحيّ تأسّس سنة 2000، مرتبط بدارة السويدي الثقافية في أبوظبي التي يرعاها
الشاعر والأديب الإماراتيّ محمد بن أحمد السويديّ. ويعنى المركز بأدب الرّحلات والأدب
الجغرافيّ، ويقوم على تحقيق ودراسة ونشر نصوص قديمة وحديثة ذات أهمية في هذا المضمار،
ويتضمن ذلك نشر الرحلات العربية القديمة في طبعات محقّقة تحقيقا علميا تصحبها مقدّمات
و دراسات وافية. كما يقدّم نصوصاً لرحلات معاصرة قام بها كتّاب عرب، وتضمّ إصداراته
أيضا ترجمات لرحلات قام بها رحّالة وأدباء أجانب إلى العالم العربيّ، وبدأ المركز مؤخّراً
بالسعي إلى نشر الرحلات والدراسات الجغرافية المتعلقة بجغرافية الخليج العربي ودولة
الإمارات العربية المتّحدة بما يتيح فرصة استثنائية سدّ ثغرة واضحة في هذا الميدان
الأدبيّ والمعرفيّ المهمّ. من أبرز أعمال المركز إنشائه الجائزة الأولى والفريدة من
نوعها لأدب الرحلة والتي تمنح سنويا منذ 2003
وحتى اليوم لأفضل الكتب المؤلّفة أو
المحقّقة أو المترجمة في حقل اختصاصه . ويشرف على الجائزة مدير عام المركز الشاعر نوري
الجراح الذي علق على الفوز بقوله:الجائزة بالنسبة
إلينا محطة من شانها أن تنبه جمهور الثقافة
العربية الى أهمية ادب الرحلة ما يضيف مهتمين جددا بهذا النوع من الأدب وهذا النوع
من الكتابة المنفتحة على العوالم القريبة والبعيدة. إن مشروع ارتياد الآفاق ـ بطبيعة
الحال هو مشروع استراتيجي عربي يردم الفجوات التي فتحتها أزمنة الصراع بين الأنا الثقافية
العربية والآخر، الآخر القريب والآخر البعيد، وبهذا المعنى هو كما يقول أحد شعاراته
الرئيسة "جسر بين المشرق والمغرب وبين العرب والعالم" أولا لأن هناك فجوات وانقطاعات والتباسات بين جناحي
العالم العربي المشرق والمغرب، وبين العرب والعالم، ومن ثم فان المشروع يجيب على واحدة من المشكلات الأساسية التي تتحكم
بالثقافة المجتمعية العربية واعني بها اضطراب
العلاقة بالآخر: كيف نقرأه؟ كيف نعرف أنفسنا من خلال مرايا الآخر وكيف نعرف الآخر ونستدخله
في ثقافتنا وكياننا الإنساني وفي لغة وجودنا، فلا يمكن أن يكون هناك وجود منقطع عن
الآخر لدى أي ثقافة من الثقافات لأن العالم يتحول بفضل جملة من التطورات أكثر فأكثر إلى مدينة واحدة، الكوكب كله الآن يشترك بلغة العلم
الجديد والتواصل بصيغ مشركة والمعرفة العابرة الجغرافيات واللغات والحوار عبر التكنولوجيا
الحديثة.
وأضاف الجراح "لدينا من خلال أدب الرحلة
فرصة رائعة للتواصل بين الثقافات والحضارات وإعادة تعريف الذات وإعادة تقديمها للآخر
من خلال العناصر الكاشفة عن المكونات الأقوى والأكثر جوهرية. من هنا فان مشروع ارتياد
الأفاق هو مشروع ثقافي عربي طليعي وتنويري، والحاجة اليه تستدعيها أسباب عديدة خصوصا
ان العالم العربي عرف خلال العقد الأخير خضات أليمة جدا وتقهقرا ثقافيا خلف نكوصا مجتمعيا مريعا في ظل صعود موجات من الظلام نادت بانقطاع الذات الثقافية عن الفضاء
الإنساني الأوسع، وبالتالي آنست تقهقرها وجلوسها في حالة من الفزع على أن تواجه الآخر
بفكر إنساني خلاق طالما كان بذوره موجودة في صلب الثقافةُ العربية في عصور الازدهار،
أدب الرحلة يقدم وثائق ورؤى وأفكاراً يمكنها ان تجيب عن هذه الأسئلة والإشكاليات، وتعطي
الفرصة لأبناء الثقافة العربية وأبناء الثقافات الاخرى للحوار والجدل والتفاعل الحي
في ما بين عناصر الاختلاف الحضاري وتعطي فرصة بالتالي للإطلال على الآخر بعيدا عن الأوهام
والتوهمات، بعيدا عن الخرافات التي تسيطر على العقل إزاء الآخر، وبالتالي تستبعد شيطنة
الآخر او وضعه في إطار إبليسي لتبرير المواجهة
معه والعدوانية بازائه بدلا من خلق لغة تفاعل حضاري، وبالتالي فان من شان مناخ الحوار
ان يكرس نوعا من الندية المطلوبة بين الطرفين
.
وعليه يؤكد الشاعر الجراح إلى أن مشروع
ارتياد الآفاق يدعو فكريا الى استبدال المواجهة مع الأخر بالحوار، والانقطاع بالوصل،
والجهل بالمعرفة به، من خلال السفر إليه في عالمه لخلق فرصة المقارنة واكتساب المعرفة
بالآخر والذات معا.
ويضيف الشاعر ، حققنا من خلال هذا المشروع
عبر 19 عاما حوالي 300 كتابا وليس 60 كتابا كما ورد في بيان الفوز، لم تكن غالبيتها
موجودة في المكتبة العربية وكانت عبارة عن مخطوطات، أو لم تكن قد كتبت وهي رحلات معاصرة.
وكرسنا سلسلة لرحلات الحج التي حققت وتحقق
وتنشر تحت شعار إلى روح الشيخ زايد باني نهضة الإمارات.
وعقدنا 7 ندوات دولية كبرى و6 ندوات أخرى
في عواصم عربية وأجنبية وحصل على جوائزنا اكثر من ثمانين كاتبة وكاتبا وباحثة وباحثا
من مختلف البلدان العربية وبعض البلدان الأجنبية،
وأرسلنا في إطار مشروع أطلقنا عليه اسم رواد الآفاق عددا من البعثات الأدبية
والعلمية التي مشت على خطا الرحالة العظام في العالم ووضعت يومان نشرت في كتب.
وأوضح الجراح أن المشروع ينقسم إلى أقسام عدة يمكن
العودة إليها في منشوراته التعريفية.
نعتبر نيل هذه الجائزة بالنسبة إلينا بمثابة
تقدير لقيمة ما قام به هذا المركز ويأتي تأكيداً
على أن خيارنا كان خيارا جديا ومنتجا.
على صعيد أخر. يشار مدير عام المركز إلى
إن أدب الرحلة صورته تغيرت، فصورته القديمة
غير صورته الحالية، لم يعد أدبا معلوماتيا فحسب بل بات أدب استكشاف يطال الأعماق الخاصة
للذات والأبعاد الخفية في الآخر من خلال عميلة التواصل التي يقيمها السفر ويريحنا للمسافرين.
والجائزة تكريم للفكرة والمنجز معا الذي تحرك خلال العقدين المنصرمين الذي انطلاقا
من العاصمتين أبو ظبي ولندن معا في اتجاه جغرافيات العالم العربي والعالم.
ما أنجزناه حتى الآن وبمنتهى التواضع لابد أن تعتد به ثقافتنا لكن ما نتطلع إليه ظل ابعد
بكثير مما تحقق، لدينا مهمات كثيرة لا تزال أمامنا ونتطلع إليها.
وكشف نوري الجراح عن أن هذا العام سيكون لنا نشاط كبير في الهند على خطى ابن بطوطة الذي يعتبر شيخ الرحالين وأبرز
رحالة في التاريخ الإنساني،وسيشترك في المشروع أدباء وباحثون عرب مشارقة ومغاربة مع
أدباء وباحثين من الهند. واتفقنا مع وزارة الثقافة المغربية على عقد ندوة دولية كبرى
في نوفمبر من هذا العام حول رحلة ابن بطوطة
والترجمات العديدة التي تمت للرحلة وذلك بحضور المترجمين، وستكون هذه الندوة حدثا دوليا
لمشروع ارتياد الآفاق والبحث الذي يتعلق بأدب الرحلة، وستجعل من الحوار بين العرب والأجانب
من الباحثين مادة خصبة لتأسيس مشروعات جديدة داخل المشروع الأم،
ولدينا أيضا نشاط بين الأندلس والمغرب يتصل بتحقيق المخطوطات الأندلسية والمغربية في ادب
الرحلة والسفر باتجاه الأندلس ، والهدف تأسيس
خزانة أندلسية داخل الخزانة الأساسية
لأدب الرحلة العربي. وسيكون ذلك بالتعاون بيننا
وبين جامعات مغربية وأندلسية أسبانية وقصر الحمراء الذي سوف يستضيف احتفالية جائزة
ابن بطوطة دورة 2019-2020 .
أخيرا ثمن الجراح جهود كل من شارك من الأكاديميين
والأدباء والمؤرخين العرب في إنجاز مشروعات
وأعمال المركز العربي للأدب الجغرافي - ارتياد الافاق، قائلا : الجائزة حقيقة هي اعتراف
رمزي بفضلهم وتقدير لانجازاتهم الرائعة التي أحسن الثقافة العربية خزانة أدبية باهرة
وفي أحياء الاهتمام بهذا الأدب. وهي جائزة للريادة.