لا أحد يتصور ما فعله الفنان عبد
الحليم حافظ في مهرجان فينسيا في دورته الـ 31 ، فقد دل ما فعله على شدة ذكائه
لنيل مراده هو والمنتج الكبير رمسيس نجيب، من أجل تصوير أول فيلم عربي في جو
مهرجان السينما العالمي المقام في فينيسيا، وفي الذكرى الثانية والأربعين لرحيل
حليم نسرد التفاصيل.
فكر المنتج رمسيس نجيب في إنتاج فيلم
يشارك فيه عبد الحليم حافظ وليلى مراد نظراً لنجوميتهما،
وبالفعل اشترى قصة فيلم "دعني لولدي" عن القصة الإيطالية لوتشيا مدوميو
وقد شارك جورج بروسبري أستاذ السيناريو بجامعة روما في كتابة السيناريو، وسعدت
ليلى مراد بذلك الفيلم الذي يعيدها إلى الأضواء، فهو من المؤكد فيلم غنائي تتصدر
بطولته مع حليم، ولأسباب لا يعلمها أحد تم تأجيل التصوير، ووضعت القصة والسيناريو
أربع سنوات في درج مكتب رمسيس نجيب.
في نهاية عام 1963 قرر رمسيس نجيب
إسناد دور البطولة للفنانة لبنى عبد العزيز مع عبد الحليم حافظ ويوسف وهبي وعماد
حمدي وتشترك في التمثيل جينا لولو وانطوانيت الوالدي، وفي الفيلم يمثل عبد الحليم
دور أحمد النجم السينمائي الذي يحضر مهرجان فينيسيا ويلتقي بالبطلة آمال في
أحد المراكب التي تقل قرابة 100 شخص من مختلف جنسيات العالم ، ومن بين كل الوجوه
يتجه نظره فقط على فتاة ملامحها مصرية ويحاول التحدث إليها لكن الزحام يمنعه، وتشاء
الصدف أن يلتقي بها مرة أخرى في شوارع فينسيا وهو متجه إلى سان ماركو، وكانت آمال
تشاهد إحدى الفترينات، والتقى بها في المرة الثالثة في قصر الدوق، وبدأ الحوار
بينهما وعرفت أنه فنان جاء ليحضر مهرجان فينسيا الذي يشارك فيه بفيلمه " أيام
الحب".
لم يعرف حليم أو النجم السينمائي أحمد
شيئاً عن أمال، التي حرصت أن تخفي شخصيتها عنه، ويسافر زوجها رجل الأعمال المشغول
دائماً "يوسف وهبي"، وتلتقي بأحمد للمرة الرابعة في ناد ليلي وترقص معه
ويغني حليم "روحي أنا ستي أنا ، آدم وحوا كانوا انتِ وأنا" ، وتتوالي
اللقاءات بينهما ويصاب أحمد على الشاطئ وينزف أنفه من الكرة التي يلعب بها، وتهتم
هي به ثم يسبحان معاً، وهكذا نشأت قصة حب بينهما، ودعاها أحمد لحضور عرض فيلمه في
المهرجان، وفي مهرجان فينسيا يدخل حليم أو النجم أحمد وحوله الجمهور والممثلون من
كل دول العالم، ثم يبدأ عرض فيلمه، وينظر إلى مقعد حبيبته آمال ليجده خالياً ، ثم
يلتقي بها ليعرف أنها مرتبطة وأم لطفل، فيغني حليم حبيبها .. لست وحدك حبيبها من
نظم كامل الشناوي.
يبدا الصراع بين قلب وعقل آمال إلى أن
تقرر البقاء بجانب زوجها ولترعى ابنها، وتترك خطاباً لأحمد كانت آخر كلماته "
أحمد .. هل أطلب منك أن تساعدني على نسيان أجمل لحظات حياتي؟ .. أحمد .. دعني لولدي"
، بهذه الكلمات تأتي نهاية الفيلم، وكان على عبد الحليم ورمسيس نجيب أن يقوما بتصوير أهم
لقطات في الفيلم وهي مشاهد وجود أحمد أو حليم في مهرجان فينسيا، حيث تلتف حوله
النجوم ويحتفون به وتلاحقه كاميرات المصورون ووسائل الإعلام .. لذا حرص حليم على
حضور مهرجان فينسيا كل يوم ، واتفق مع رمسيس نجيب على بدء التصوير الفعلي لفيلم
"دعني لولدي"، ومع دخول حليم بدأت الكاميرا تدور مع المزيد من الأضواء
مما جعل الكثير من نجوم العالم يحيطون بالفعل بحليم، وهم لا يعرفون الخدعة التي
وقعوا فيها وهي أنهم سيظهرون جميعاً كومبارس في فيلم مصري، وساعدت جينا لولو في حشد
النجوم دون أن يعلموا، وبالفعل صور رمسيس نجيب كل مشاهد المهرجان المطلوبة والتي
كانت ستكلفه كثيراً لو علم نجوم العالم أنهم يمثلون في فيلم.
ويبدو أن هذا الفيلم لم يكتب له أن
يظهر للنور، فبرغم المشاهد البسيطة الباقية وغير المكلفة، وهي فقط بين حليم ولبنى
عبد العزيز، سواء في الشارع أو القصر أو القارب أو على الشاطئ، إلا أن ما صوره
رمسيس نجيب لحليم تم حفظه فترة طويلة بسبب مرض حليم، وتم الاتفاق أن يقوم حليم
بدور ضيف الشرف فقط مع الغناء في الفيلم، وأن تسند بطولته إلى أحمد رمزي ومعه فاتن
حمامة، والأشد غرابة هو بدء تصوير معظم الفيلم بأبطاله الجدد في فينسيا، ولأسباب
لا يعلمها أحد يوضع الفيلم الجديد مع ما صوره حليم في جعبة المنتج رمسيس نجيب،
وبعدم ظهور هذا الفيلم للنور تكبد نجيب خسائر كبيرة، وحُرم الجمهور من فيلم بديع
سواء قام حليم ببطولته أو ظهر فيه كضيف شرف.