بعد وقت قصير من هزيمة حزبه الحاكم في أنقرة وإسطنبول في انتخابات الأحد 31 مارس الماضي، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتعهد بإدخال إصلاحات من أجل إنعاش اقتصاد البلاد المتراجع.
وتعرض حزب العدالة والتنمية لإحدى أسوأ انتكاساته بعد عقد ونصف العقد في السلطة، جراء ارتفاع تكاليف المعيشة والأزمة التي واجهتها الليرة عام 2018.
وفي غياب أي انتخابات مقررة حتى 2023، لا تزال لدى أردوغان مساحة للتركيز على الاقتصاد؛ لكن المحللين يشيرون إلى أن عليه إقناع المستثمرين الذين يبدون حذرا من سياساته غير التقليدية أحيانا والقلقين من التداعيات المترتبة على التوترات مع الولايات المتحدة.
وبينما يمكن أن تشهد الليرة التركية تقلبات، يشير محللون إلى أنه على حكومة أردوغان أن توازن أي مكاسب مؤقتة قد تحصل عليها مع الحاجة إلى تطبيق إصلاحات أعمق من أجل تحقيق الاستقرار على الأمد البعيد.
وقال براءت البيرق، وزير المالية التركي صهر أردوغان، إن البلاد ستدخل في فترة "إعادة توازن اقتصادي" بعد الانتخابات. ويتوقع أن يكشف عن تفاصيل الإصلاحات الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يلتقي البيرق بمسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في واشنطن بين 12 و14 أبريل، لـ"تسليط الضوء على خارطة طريق جديدة" لاقتصاد تركيا، حسب صحيفة "دايلي صباح".
وأفادت أماندا سلوت، من معهد "بروكينغز": "في وقت شكل القلق بشأن الاقتصاد المتعثر محفزا لقرارات الكثير من الناخبين في صناديق الاقتراع، سيكون أردوغان مجبرا على التعاطي مع مشاكله الكامنة؛ لكنه يملك هامشا محدودا للمناورة".
وبنى حزب العدالة والتنمية نجاحه على النمو القوي الذي شهدته تركيا في وقت يشير أنصاره إلى التحسن الذي طرأ على مستوى المعيشة، خلال عهد أردوغان الذي دخل السلطة منذ 16 عاما؛ لكن الناخبين عاقبوا الحزب سالف الذكر الأحد جزئيا بسبب تأثر العائلات التركية العام الماضي بتراجع الليرة بنسبة 30 في المائة، إثر أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن تركيا، التي كانت يوما تجذب المستثمرين من الأسواق الناشئة، خسرت بعضا من بريقها مع بروز مشاكل ناجمة عن استخدام القروض الأجنبية لدفع حركة النمو.
ودخل الاقتصاد التركي في مرحلة ركود لأول مرة منذ عقد بينما ارتفع التضخم، ليسجل معدلات عشرية. ويراقب الخبراء الكيفية التي سيسعى المسؤولون الأتراك من خلالها إلى العمل على تعافيه.
وقالت مايا سنوسي، خبيرة الاقتصاد من مركز "أوكسفورد إيكونوميكس": "على الورق وفي الخطابات العلنية، يبدو قادة الاقتصاد (في تركيا...) موافقون على أن هناك ضرورة للإصلاح. لكن عمليا، يعد سجل الحكومة مؤخرا ضعيفا".
وأضافت: "على السلطات أن تقر بأنه تم ارتكاب أخطاء خلال العام الماضي، لكن عليها كذلك إبداء استعداد للتضحية بالنمو على المدى القصير لزيادة فرص تحقيق ازدهار على المدى البعيد؛ وهو قرار يبدو أن حزب العدالة والتنمية لا يرغب باتخاذه".
مخاوف في أوساط المستثمرين
تحدث مسؤولون أتراك، في الماضي، عن إصلاحات واسعة تشمل إصلاح النظام الضريبي وإجراءات لتعزيز النمو؛ لكن المحللين يشيرون إلى مصدر قلق أساسي يتمثل بمخاطر الدين الأجنبي بالنسبة إلى الشركات التركية التي بات تسديد ديونها أكثر كلفة بسبب تراجع الليرة.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن رفعت حصارجيغلي أوغلو، رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية، قوله، خلال اجتماع لقادة عالم المال والأعمال الجمعة، "نرى هذه فترة كفرصة للتوصل إلى حلول دائمة لمشكلاتنا الهيكلية".
وبعدما منحه استفتاء جرى في 2017 سلطات أوسع كرئيس، بات أردوغان في موقع يسمح له بتطبيق الإصلاحات؛ لكن انتخابات الأحد سلطت الأضواء على مخاوف المستثمرين بشأن كيف يمكن لتركيا أن تعمد إلى اتباع خطوات مالية مجدية على المدى القريب، إذا اقتضت الحاجة.
وقبل انتخابات الأحد، تراجعت الليرة بنحو 6% خلال يوم واحد بعدما أعرب مستثمرون عن قلقهم من أن الحكومة استخدمت الاحتياطي الأجنبي لرفع قيمة العملة قبيل الاقتراع. ولم تساهم إجراءات منع بيع الليرة على المكشوف لاحقا في تعزيز ثقة المستثمرين.
وحذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن التدخل لدعم الليرة يزيد الشكوك بشأن مدى استقلالية البنك المركزي، وبشأن سياسات تركيا الأوسع.
وقالت إن "تجدد اضطرابات الأسواق المالية التركية وزيادة الضبابية بشأن السياسات (التي تتبعها الحكومة التركية) لمعالجة الركود الحالي يزيد من خطر هرب مزيد من رؤوس الأموال".
توترات مع الولايات المتحدة
يدافع المسؤولون الأتراك عن استقلال البنك المركزي؛ لكن أردوغان طالبه بخفض معدلات الفائدة التي يحملها مسؤولية ارتفاع نسب التضخم. وتثير الضغوطات السياسية على المصرف قلق المستثمرين.
وانتقد الرئيس التركي كذلك المصارف الاستثمارية الأجنبية، وحمّل الولايات المتحدة جزئيا مسؤولية التذبذبات التي تشهدها العملة المحلية، مشيرا إلى مساعي واشنطن لـ"محاصرة" تركيا ماليا.
وقال تيموثي آش، الخبير الإستراتيجي في شركة "بلوباي أسيت مانجمينت"، إن "على (وزير المالية) البيرق أن يضع برنامجا لإقناع الأسواق والأهم الداخل بأن فريق إدارة (اقتصاد البلاد) الحالي يفهم ما يقوم به، لإعادة بناء الثقة".
وتلقي علاقة أردوغان المتوترة مع الولايات المتحدة، التي تأثرت بالخلافات المرتبطة بسوريا والصفقة التي أبرمتها أنقرة لشراء منظومة صواريخ روسية واعتقالها لموظفين في القنصلية الأميركية، بظلالها على مستقبل تركيا الاقتصادي.
وعندما اندلع سجال العام الماضي بشأن اعتقال تركيا للقس الأمريكي آندرو برانسون، سارعت واشنطن لفرض عقوبات ورسوم جمركية على بعض السلع التركية؛ وهو ما تسبب بتدهور الليرة.
وأكدت الحكومة التركية أنها ستمضي قدما بعملية شراء منظومة صواريخ إس-400 الروسية، على الرغم من إعلان واشنطن تعليق مشاركة أنقرة في برنامج مقاتلات إف-35 أمريكية الصنع وتلويحها بعقوبات جديدة.