الثلاثاء 4 يونيو 2024

تزوجت 4 مرات مع إيقاف التنفيذ

3-4-2017 | 14:44

للفنان عبدالحليم حافظ

يبدو أن طبيعتنا الشرقية لا تتحمل أن ترى ممثلا وممثلة يلتقيان فى فيلم، إذ يقال على الفور انهما يتبادلان الحب.. ويزداد هذا الاعتقاد رسوخا إذا ما كانت فى أدوارهما حب، فإن الناس يتخيلون أن القبلة لا يمكن أن تكون تمثيلا فى تمثيل، ولا يمكن أن تعيش أمام الكاميرا وحدها، وانما يتخيلونها دائما تتسلل من البلاتوه لتعيش فى واقع الحياة.

ولست ألوم الناس ذوى النية الحسنة الذىن يصدقون كل ما يشاع فيرددونه وهم فخورون لأنهم يعرفون الحقيقة وينفذون إلى أعماق الأمور، ولكي ألوم ذوى النية السيئة الذين يبتدعون هذه الأكاذيب، ويلحون على الناس ليصدقوها وهم يؤيدون ما يزعمون بما حدث كثيرا من زيجات فى الوسط الفنى، زيجات كان البلاتوه أول مسرح لها، فيقيسون على ما حدث، ويتصورون أن كل ممثل يقف أمام ممثلة لا يعتنى بالتمثيل قدر ما يعتنى بالحب!

حدث عندما قمت بدورى فى فيلم "لحن الوفاء" أن كانت بطلة الفيلم الزميلة شادية، وكانت شادية حديثة العهد بالزواج من الزميل عماد حمدى، وقد كنت، ولازلت، أكن لهما كل الاحترام، ولكن ما كاد الفيلم يعرض على الناس، حتى سمعت - كما سمعوا هم - أن شادية تسعى إلى الطلاق من عماد لكى تتزوجنى، فإن الحب بيننا تطور إلى حد أنه كان يثير الخلافات بينهما كل يوم.. وأن الطلاق، كالغد، قريب واذهلتنى الشائعة..

ولكنى لم أنبس ببنت شفة، فإننى تعلمت أن الناس يصرون على تصديق الشائعة التى يكذبها ضحاياها، وقررت أن اسكت تماما حتى تمضى الايام فتختنق الشائعة وحدها.

ولعل الشائعة الأولى لاقت رواجا لان "لحن الوفاء" أول أفلامى، وقد كان الناس مشوقين إلى أن يعرفوا أى شىء عنى، وقصة حب.. مع بطلة الفيلم، لشىء لذيذ فى الرواية وأحاديث المجالس!

...

وفى فيلمى الثالث "ليالى الحب"، إذ قيل اننى وقعت فى حب آمال فريد، أو انها وقعت فى حبى.. هذا لا يهم، انما المهم أننا فى الطريق إلى الزواج وقد سمعت هذا النبأ من صديق..

ومن جديد لذت بالصمت. وصدقونى أن الصمت خير علاج لاستئصال الشائعة!

والذى عجبت له أن الأمر لم يعد مجرد شائعة يرددها الناس فى المجالس، وانما أصبح خبرا تكتبه الصحف، ويكتبه صحفيون، بعضهم يعرف كل صغيرة وكبيرة فى حياتى..

وبدأت اتحصن ضد الشائعات.. بدأت امسك أعصابى ولا أ غضب ولا ألقى اليها بالا. وقد حدث منذ أسابيع أن نشرت الصحف خبرا مؤداه اننى ولبنى عبدالعزيز سنظهر سويا فى فيلم "الوسادة الخالية".. والخبر صحيح.. وفى اليوم التالى طرقت أذنى شائعة تقول اننى اخترت لبنى عبدالعزيز لاننى أحبها.. ولأننا سنتزوج!

والحق اننى أحب لبنى، كما أحب كل زميل أو زميلة.. احبها لاننى أحب كل الناس، ولكن ليس بالمعنى الذى يفهمونه، وانما بالمعنى الذى أفهمه أنا عن الزمالة وما يجب أن يسود بين الزملاء..

...

وسرت الشائعة فى السوق، وكانت طويلة الأجل. هذا رغم أننا لم نبدأ بعد فى تمثيل الفيلم - ولم نبدأ أيضا حتى كتابة هذه السطور وبدا لى أن شائعة لبنى لن تموت سريعا..

ثم وفى الاسبوع الماضى انطلقت شائعة رابعة تقول اننى أحببت سامية جمال، وانني تزوجتها على سنة الله ورسوله. وسبب الشائعة اننى سافرت إلى بيروت لأغنى فى حفلة ترقص فيها زميلتى سامية، ومن هنا نسجت الاخيلة القصة.

والحق أن هذه القصة هى التى قضت على قصة لبنى عبدالعزيز.. واحب أن أقول اننى لم أقابل سامية جمال الا فى الحفلة. فقد سافرت قبلها بأربعة أيام. ثم عدت بعد الحفلة مباشرة وعادت هى بعدى. ولما التقينا فى حفلات الاندلس قال الاذكياء: احنا مش قلنا كده؟!

والمسئول عن هذه الحفلة الاخيرة.. المسئول عن هذا متعهد الحفلة وحده!

اننى انصح هؤلاء الذىن تتفتق عبقرياتهم عن قصة محبوكة الاطراف كلما أرادوا أنصحهم بأن يمدوا يد المعونة والنجدة والغوث إلى السينما المصرية، فإن النقاد يجمعون على ضعف قصتها، وهم - أى الشائعون - يستطيعون - مادامت لهم هذه الاخيلة الخصبة - أن يصرفوا جهودهم إلى العمل النافع فيؤلفون للسينما..

ولى أن أتساءل:

- لماذا يلح هؤلاء فى مطاردتى بالشائعات؟ لماذا لا يتصورون أننى إذا أحببت فسأتولى أنا إذاعة قصة حبى على من يهمهم أن يعرفوها؟ ولماذا لم يسألونى عن الفتاة التى أحبها زوجة لى حتى يوفروا على أنفسهم عملية استدرار الخيال لبطلات وقصص من وهم... فدعهم...

أنا أقول لهم من أنا..

أنا رجل التقى بزملائى فى البلاتوه أو الاستديو بحكم العمل، أما بعيدا عن العمل فإن لى أصدقاء من غير الوسط الفنى، ولى مشاغلى التى تلهينى عن كل شىء، لى عملية البناء.. بناء نفسى، افكر فى الزواج قبل أن أرى هذا البناء بالصورة التى أريدها له.. اننى أكتم دقات قلبى حتى لا أقف فى طريقى، ولست نادما على اليوم الذى يمر وقلبى عاقل لا يداخله الطيش.. ولا يتسلل اليه الحب.. إن الحب أجمل ما فى الحياة حقا.. ولكن لابد له من توقيت، لابد له من حين يقبل فيه.. والا أصبحت كتلميذ المدرسة يحب قبل التخرج.. فلا ينتفع بالحب، ولا يحصل على شهادة!

أمر آخر..

أنا فلاح.. فى القرية ولدت، ومن القرية تكونت نظرتى إلى الأمور والدنيا، ثم أننى رجل مشغول.. فإذا اخترت شريكة لحياتى فهى لن تكون بحال من الاحوال فنانة.

أنا أريد زوجة تقاسمنى المتاعب وتسرى عنى وتحمل معى الهموم، ولن تصلح الفنانة زوجة لى لأننى سأجد نفسى فى يوم من الايام حاملا متاعبها على متاعبى.. ستنطبق عليها الحكمة الخالدة: "جبتك ياعبدالمعين تعينى لقيتك ياعبدالمعين تنعان". أنا أريد زوجة متفرغة لى.. أنا.. ككل رجل طفل كبير.. ولا أحب أن يكون لزوجتى شاغل آخر غيرى..

ولأصف لكم هذه الزوجة... جميلة، مثقفة، لبقة، انيقة.. شروط ليس فيها مبالغة، وهى تتوفر فى مليون فتاة مصرية على الأقل..

ومن هذا المليون سأختار زوجتى.. أو ستختار لى القسمة والنصيب زوجتى..

من هذا المليون سأختار.. ولكنى لن أترك الشائعات تختار!

نعم... أنا تزوجت أربع مرات..

قد تضحكون وتقولون: "كذاب هذا حدث فى أفلامك.." فأبادلكم الضحكات وأقول لكم: "لست كذابا... انما هذا حدث فى مخيلة الناس... الناس الذين لا عمل لهم سوى نسج الاكاذيب واختلاق الشائعات".

الكواكب 302 - 14 مايو 1957