أكد اللواء محمد ابراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن مصر بعلاقاتها المتميزة مع كافة الأطراف الرئيسية على المستويين الإقليمي والدولي هي أكثر الدول المؤهلة لتكون عنصر التوازن في التطورات شديدة الحساسية التي ستشهدها المنطقة في المرحلة القادمة.
وأضاف اللواء محمد ابراهيم أن من بين أهم هذه التطورات المتوقعة ما يسمى بخطة السلام الأمريكية ، التي تتطلب من الدول العربية تكوين رؤية واقعية تتعامل مع هذه الخطة الأمريكية بموضوعية بعيدًا عن الرفض المسبق ، واستثمار النقاط الإيجابية الواردة بها كنقطة انطلاق نحو استئناف المفاوضات مع إسرائيل.
وتابع أنه في حالة ابتعاد الخطة الأمريكية تمامًا عن الموقفين العربي والفلسطيني فمن المؤكد أن تتحفظ مصر والدول العربية عليها ، وسيكون عندئذ لكل حادث حديث.
جاء ذلك في مقال تحليلي ، تحت عنوان (الانتخابات الإسرائيلية .. ماذا بعد ؟ ) ، نشره اليوم الأحد ، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ، وضع خلاله اللواء محمد ابراهيم رؤيته للتطورات المتوقعة لعملية السلام وأهم القضايا العربية ، وهي القضية الفلسطينية ، في ضوء نجاح حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية والدعم اللا محدود من جانب ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى اسرائيل ، مؤكدا على ضرورة التنسيق العربي بقيادة مصر للدفاع عن الحقوق العربية والتعامل مع السياسات المتوقعة من جانب حكومة اسرائيل والإدارة الأمريكية تجاه القضايا العربية بما يحفظ الحقوق العربية والأمن القومي العربي.
وقال عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إنه بعيدًا عن الخوض في تفاصيل الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في التاسع من أبريل الجاري، وما أسفرت عنه من نتائج يعرفها الجميع ، يبدو من الأهمية البحث بصورة أكثر تركيزًا في طبيعة المرحلة التالية لهذه الانتخابات ، وفي هذا المجال علينا الإشارة أولًا إلى أربع حقائق رئيسية، نوجزها فيما يلي:
الحقيقة الأولى، أن نتائج هذه الانتخابات لا تُمثل مفاجأة لأيٍّ من المتابعين والمهتمين بالشأن الإسرائيلي، حيث وصل الأمر إلى أن الاستطلاعات والتقديرات التي أُعلنت قبيل الانتخابات بفترة كانت متقاربة إلى حد كبير مع النتائج الرسمية التي تم إعلانها.
الحقيقة الثانية ، أن الصراع والتنافس في هذه الانتخابات لم يكن بين اليمين واليسار، بل كان بين اليمين المتطرف بأشكاله السياسية والدينية المختلفة، واليمين الأقل تطرفًا، وهو ما يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي قد اتجه بالفعل إلى ناحية اليمين منذ فترة ليست قصيرة، وتحديدًا منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 ، وأصبحت مسألة التغيير في هذه التوجهات المتشددة أمرًا غير متوقع في المدى المنظور.
الحقيقة الثالثة ، أن اليسار الإسرائيلي الذي ساهم بقوة في بناء الدولة، ودعم قدراتها السياسية والعسكرية والنووية؛ لم يعد له أي حضور مؤثر في الخريطة الحزبية، ومن ثم أصبح غائبًا عن عملية صنع القرار.
الحقيقة الرابعة ، أن تطابقًا واضحًا طغى على المواقف السياسية للحزبين الكبيرين المتنافسين (الليكود) و (أزرق أبيض) إزاء الرؤية التي تحكم تسوية القضية الفلسطينية أو حل الصراع العربي الإسرائيلي ، وهو ما وضح من تأكيد قيادات الحزبين خلال حملتيهما الانتخابية على فرض السيادة على القدس المحتلة والجولان السوري المحتل ، ومعارضة مبدأ حل الدولتين ، وعدم الانسحاب من منطقة غور الأردن في الضفة الغربية، وتكثيف الاستيطان، بحيث كان من الصعب إيجاد فوارق واضحة بين نتنياهو وبيني جانتس في هذا الشأن.
وقال اللواء محمد ابراهيم إن هذه الانتخابات شهدت متغيرًا شديد الوضوح والعلنية لأول مرة، وهو التدخل الأمريكي الصريح في الدعم المتواصل لنتنياهو ، ليس فقط بتصريحات مؤيدة له ولكن بقرارات تاريخية ، أهمها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وقرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ، فضلًا عن الخطوة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وهي كلها خطوات زادت من شعبية نتنياهو ، ولم يستطع الحزب الكبير المنافس له (أزرق أبيض) ، إلا أن يؤيدها بقوة باعتبارها تصب في صالح إسرائيل، ولكنها دعمت في النهاية من أسهم نتنياهو قبيل الانتخابات باعتباره أجدر الشخصيات المرشحة والمؤهلة لتولِّي منصب رئيس الوزراء ، وفي هذا المجال، من الواضح أن العلاقات بين نتنياهو وترامب ستشهد مزيدًا من التناغم والتفاهم، ولن يتوانى الرئيس الأمريكي عن اتخاذ أية قرارات داعمة لإسرائيل وتُرضي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، خاصة وأنه يسعى بقوةٍ للفوز بمدة رئاسية ثانية.
وأضاف أنه يجب الوقوف أيضًا عند مسألة مهمة، وهي دعم اليمين الإسرائيلي لنتنياهو ، ليس فقط من خلال إعلان الأحزاب اليمينية والدينية أنها ستوصي رئيس الدولة بأن يسند إلى نتنياهو مهمة تشكيل الحكومة، ولكن الأمر الأكثر أهمية أن الليكود حصل على مقاعد تفوق ما حصل عليه في الانتخابات السابقة بستة مقاعد ، وهو ما يشير إلى أن الناخب الإسرائيلي كان على قناعة بأن نتنياهو يعد العامل الرئيسي في كافة الإنجازات الداخلية والخارجية التي تحققت، وأنه الأكثر ثقة في مهمة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي.
وتابع اللواء محمد ابراهيم "ولا شك أن نتنياهو وهو يتّجه لتشكيل الحكومة الجديدة وقيادة الائتلاف اليميني الديني سوف يحقق ما لم تستطع أهم الشخصيات فيما يُسمى بجيل الريادة في اسرائيل ، وهو بن جوريون ، تحقيقه ، لا سيما بالنسبة لمدة تولِّي رئاسة الوزراء (أي الولاية الخامسة لنتنياهو) ، وهو الأمر الذي سيزيده قوة وتشددًا أكثر من ذي قبل".
وأوضح أن نتنياهو سيكون مضطرًا للتعامل مع خمس قضايا شديدة الأهمية ستكون مؤثرة على الأمن القومي العربي، والتي لا بد له أن يتعامل معها بقوة حتى يُثبت للناخب الإسرائيلي أن خياراته كانت صائبة، وهي كلها قضايا مرتبطة بالمنطقة العربية ومستقبل عملية السلام.
وأشار الى أن نتنياهو سيواجه عدة قضايا منها القضية الفلسطينية وصفقة القرن ، مؤكدا أن نتنياهو يعلم الكثير عن صفقة القرن أو خطة السلام الأمريكية التي من المقرر طرحها بعد تشكيله الحكومة الجديدة في اسرائيل ، وهو ما يُفسر مدى حرص الرئيس الأمريكي على دعم إعادة انتخابه ، باعتباره أحد الأطراف الرئيسية التي من المفترض أن تساهم في تنفيذ هذه الخطة.
وقال اللواء محمد ابراهيم " إذا سلمنا بأن نتنياهو يترقب ، مثل الجميع ، طرح الخطة ؛ فإنه سيكون حريصًا على عدم رفضها حتى لو تضمنت مبدأ حل الدولتين ما دامت لن تتجاهل المطالب الإسرائيلية (القدس عاصمة لإسرائيل ، لا وجود لمبدأ حق العودة ، تواجد إسرائيلي في منطقة غور الأردن يمكن أن يصل إلى ضم مناطق محددة تعتبرها إسرائيل ضرورية لأمنها ، ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة على مراحل)".
وأضاف " في حالة وجود أية مطالب أو مبادئ في خطة السلام الأمريكية لا تتماشى مع متطلبات الأمن الإسرائيلي فمن المؤكد أن إسرائيل ستتعامل مع هذه المسألة بتأنٍّ شديد، وستتحفظ علي هذه المبادئ دون رفضها علانية، وهو ما يعني أن نتنياهو لن يُبادر برفض الخطة إذا لم تحقق كافة مطالبه ، وسيراهن أولًا على الرفض الفلسطيني أو العربي لها".
وتابع عضو المجلس المصري للشئون الخارجية " وهناك احتمال قائم بأن تُثير هذه الخطة بعض المشكلات لنتنياهو داخل ائتلافه الجديد الذي سيضم معظم الاتجاهات المتطرفة ، وفي تقديري فإن نتنياهو سيكون قادرًا على التعامل بذكاء مع هذه التطورات دون التنازل عن مواقفه الأساسية ، ولكنه سيتجنب أي صدام علني مع الإدارة الأمريكية، على الأقل ردًّا لجميل دعم الرئيس ترامب له".
وأشار الى أن قضية الجولان لن تُشكل معضلة لنتنياهو باعتبار أن إسرائيل فرضت القانون الإسرائيلي عليها منذ عام 1980 ، وكذا في ضوء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية عليها.
وقال اللواء محمد ابراهيم " سيحرص نتنياهو على دعم الاستيطان في هذه المنطقة خلال الفترة المقبلة ، خاصة وأن الأوضاع في سوريا لا تؤهل قادتها للبحث عن حل لقضية الجولان في ظل تركيزهم على كيفية استعادة الدولة المدمرة ، كما أن إسرائيل ستظل تراقب الوجود الإيراني هناك، وتواصل تنسيقها وتفاهماتها مع روسيا حتى لا يكون هناك أي نوع من التهديد الإيراني لإسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية".
وانتقل عضو المجلس المصري للشئون الخارجية ، في مقاله ، الى الحديث عن قطاع غزة وحركة حماس ، فقال " إن حسابات نتنياهو ، خلال مرحلة ما قبل انتخابات الكنيست ، كانت تتركز في ألا تصل الأمور مع حماس إلى مرحلة الانفجار أو الحرب حتى لا تتأثر شعبيته ؛ إلا أن الوضع سوف يختلف بعد تشكيل الحكومة ، خاصة إذا انضم إليها وزير الدفاع السابق أفيجيدور ليبرمان ، وستكون سياسة نتنياهو تجاه غزة أكثر قوة وصرامة وتشددًا، ولن يمانع في شن حرب رابعة على غزة إذا اقتضى الأمر ذلك، حيث سيكون قد تحرر من الضغوط الانتخابية التي قيدت حرية حركته".
وأضاف " في الوقت نفسه ، سيحرص نتنياهو على ألا يصل الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى مرحلة الانهيار، بل سيتيح المجال أمام إقامة المشروعات الدولية لتسهيل الحياة في القطاع ، وهنا سيكون نتنياهو مؤيدًا بشكل كبير لما يُسمى بالسلام الاقتصادي كبديل مطروح عن عملية السلام، أو على الأقل سابقًا لها، وهو ما يمكن أن نجده متضمنًا في خطة السلام الأمريكية ، ولا يجب أن ننسى أن نتنياهو يؤيد بقوة موضوع السلام الاقتصادي وسبق له طرحه منذ سنوات كرؤية لتغيير الوضع الراهن إلى الأفضل (اقتصاديًّا) في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة".
وتابع " كما أن نتنياهو سيكون أكثر حرصًا على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني ، وسيسعى بكافة الطرق إلى إفشال أية جهود تُبذل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية ، وهنا علينا أن نعيد التركيز على تصريحات نتنياهو خلال حملته الانتخابية بأنه لن يسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بالعودة إلى قطاع غزة، وأن هذا الانقسام يعد مصلحة إسرائيلية".
واختتم اللواء محمد ابراهيم مقاله قائلا " في ضوء ما سبق، وارتباطًا بالتطورات شديدة الحساسية التي ستشهدها المنطقة في المرحلة القادمة، تظل مصر بعلاقاتها المتميزة مع كافة الأطراف الرئيسية على المستويين الإقليمي والدولي هي أكثر الدول المؤهلة لتكون عنصر التوازن في هذه التطورات التي سيأتي على رأسها خطة السلام الأمريكية، وذلك من خلال قيام مصر بقيادة التحرك العربي لتكوين رؤية واقعية تتعامل مع الخطة الأمريكية بموضوعية بعيدًا عن الرفض المسبق، واستثمار النقاط الإيجابية الواردة بها كنقطة انطلاق نحو استئناف المفاوضات مع إسرائيل ، أما في حالة ابتعاد الخطة تمامًا عن الموقفين العربي والفلسطيني فلا مجال أمامنا إلا أن نُعلن تحفظاتنا عليها ، وسيكون عندئذ لكل حادث حديث".