بمجرد أن تطأ قدمك شارع الفرنساوي بمنطقة مصر القديمة تجد مدفناً يرجع عمره إلى قرنين من الزمان مدون عليه "سليمان باشا الفرنساوي" تحوطه الأسوار من كافة الاتجاهات، وهو مبني على الطراز الإسلامي يزين سطحه قبتان من المعدن، وبالرغم من القيمة التاريخية لهذا المدفن ‘لا أنه يعانى من الإهمال الشديد حتى تحول إلى مقلب للقمامة ومرتع للحيوانات والكلاب الضالة، علاوة على تهشم أجزاء منه واهتراء أسواره الحديدية حتى أصبح ساحة للعب كرة القدم لدى الأطفال في غياب تام من قبل الجهات المختصة بوزارة الآثار.
محروم من الترميم
داخل احد الورش المجاورة للمدفن الأثري يجلس عم "مصطفى علي" ذو 66 عاماً، والذي حدثنا قائلاً: "أنا من ساعة ما اتولدت فى المنطقة والمدفن موجود وهو له تاريخ عظيم لقائد الحملة الفرنسية سليمان باشا اللى أعلن إسلامه وبقى من أحد قيادات محمد على باشا، بس للأسف المدفن حالته متسرش وبيعاني من الإهمال الكبير بالرغم أنه ليه قيمة أثرية عالية"، ونبه إلى أن المدفن لم يشهد أى ترميمات منذ 5 سنوات أو اكثر من قبل وزارة الآثار حتى باتت حالته يرثى لها.
توقف الدعم
ويوضح "مصطفى" أنه علم بأن هناك دعما ماديا يتم تقديمه من قبل فرنسا لترميم المدفن، لكنه على حسب علمه تم وقف هذا الدعم ما أدى إلى التوقف عن أعمال ترميمه والاهتمام به، بالرغم من كونه مزارا سياحيا خاصة للسائحين الفرنسين لاهتمامهم بمعرفة قصة مدفن أحد قيادات الحملة الفرنسية وسر حبه لمصر والدفن فيها.
قصة القبتين
ويشير هذا الرجل الستيني إلى أن المدفن مكون من قبتين، الأولى يدفن فيها سلميان باشا والقبة الصغيرة تدفن فيها زوجته ليخلدوا ذكراهم داخل مصر، وتعبيراً عن حبهما وانتمائهما لها رغم أصله الفرنسي ، ولكن للاسف لا أحد يراعي أهمية هذا الأثر الذي يميز شارع الفرنساوي.
ويتمنى " مصطفي" أن يتم الاهتمام بالمدفن والانتباه إليه للحفاظ عليه أطول فترة ممكنة، ويتم ترميمه بصفة دورية و الترويج له حتى يكون قبلة للسائحين المهتمين بالتاريخ وبحضارة مصر الحديثة التي يفتخر بها المصريون طيلة الوقت.
من هو سليمان باشا؟
ولد چوزيف انتيلمي سيف المعروف لدينا باسم "سليمان باشا الفرنساوي"، عام 1788 في مدينة ليون بفرنسا، وجاء إلى مصر مع الحملة الفرنسية وبقي بها واعتنق الإسلام، وكان القائد العام للجيش المصري في عهد الخديوي عباس.
وعاون محمد علي باشا في تكوين النواة الأولى من الضباط، وتدريب الجنود المصريين، واختار أسوان لتكون معسكراً لهذه المهمة بعيداً عن مؤامرات الجيش المختلط ومقاومتهم لكل جديد، وعينه محمد علي قائداً للجيش.
زوجته وأبناؤه
ثم زوجه محمد علي من واحدة من أسرته تدعى "مريم" فأنجب منها ولداً سماه "إسكندر" وثلاث بنات هن "نازلي" و"أسماء" و"زهرة" أما نازلي فهي الابنة التي تزوجت محمد شريف باشا، المعروف بـ”أبوالدستور” ورئيس وزراء مصر.
وتوفى سليمان باشا الفرنساوى سنة 1860 و دفن فى مصر القديمة بجوار شارع "الفرنساوي" بالقاهرة.
تقدير وإطاحة
وتقديرا من المصريين لهذا الرجل الذي يرجع إليه الفضل في المساهمة في بناء الجيش المصري الحديث أقاموا له تمثالا في الميدان المسمى باسمه وأطلقوا اسمه على أحد شوارع القاهرة، وحين قامت ثورة يوليو 1952 أطاحت بالتمثال وألقت به في ساحة المتحف الحربي ونزعت اسمه من الميدان والشارع وأطلقت عليه اسم "طلعت حرب".