السبت 1 يونيو 2024

مصر وطن الأبطال.. وليست بلد المتحرشين

5-4-2017 | 10:54

بقلم –  أحمد أيوب

من حق فتاة الشرقية أن ترتدى ما تشاء، حتى وإن كنا لا نقبله، لكن ليس من حق الشباب أن يعتبروا ملابسها، ضيقة كانت أو قصيرة، واصفة كانت أو كاشفة، مبررًا لهم ليتحرشوا بها، ما فعلوه ليس له سوى وصف واحد “ قلة أدب” شباب ناقص تربية، لو كانوا يعرفون أصول الأدب لما تجرأوا على الاقتراب من فتاة كان يمكن أن تكون شقيقة أو زوجة أحدهم.

 

ماذا حدث لبعض شبابك يا مصر، أنا شخصيا لا أميل إلى من يتهمون البطالة أو يعلقون الانحدار الأخلاقى على شماعة الفقر، ولا أقبل من يلقون اللوم على الفتاة بسبب ملابسها، فكل هذه أسباب لا تبرر أبدا أن يخرج شاب عن حدود الأخلاق والاحترام ليفعل ما فعله شباب المقهى بالزقازيق.

المجتمع المصرى يعانى الفقر لعقود طويلة، والبطالة ليست ظاهرة جديدة، ورغم ذلك لم تصل الأخلاقيات بين الشباب إلى هذا المستوى المتدنى، الذى يجعل حيوانًا بشريًا يغتصب طفلة “البامبرز” ومجموعة شباب يتحرشون بفتاة، بدلًا من أن يحموها حتى تصل إلى بيتها.

القضية افتقاد أجيال كاملة للأخلاق وانهيار القيم عندهم، فلم يعد الأدب أو التميز العلمى معيارًا لتقييم الشاب بين أقرانه، بل أصبحت من المميزات التى تحسب للشاب أنه “صايع وفلاتى وابن كيف”، أصبح الشاب “الروش” هو من يغازل البنات ويجيد إقامة العلاقات، وأصبح التباهى بين نسبة كبيرة من الشباب ليس بالشهادات أو ما حققوه من نجاحات عملية، وإنما التباهى بالعلاقات الخارجة والنزوات، الولد لازم يبقى مقطع السمكة وديلها، الشاب “الكيوت” لم يعد له قيمة ولا تأثير ولا مكان، الشاب لازم يعيش سنه، يعاكس ويتحرش ويعدد علاقاته النسائية، ويعلق مزز، يضرب شعره جيل مثل تامر حسنى ويعمل تسريحة الهضبة مع أنسيال وسلسلة وسيجارة محشية تظبط المزاج، حتى يفرض سيطرته فى الشارع، نسبة ليست قليلة من شباب مصر لم يعد يشغلهم البحث عن عمل، فقط يجعلون البطالة مبررا للهروب من المسئولية، لو أرادوا العمل لبحثوا عنه ووجدوه مثل ملايين غيرهم، حتى وإن كانت البداية أقل من الطموح، لكن الحقيقة أن هؤلاء لا يريدون العمل، بل يعشقون المقاهى وسهرة الشوارع لممارسة الغلاسة على خلق الله والتناحة فى حق الوطن، والبحث عن فضيحة للشهرة، والتهرب من التجنيد خوفا من المسئولية، وحجتهم الدائمة أن الحياة فى “الامبلايز” ملهاش لازمة وخلينا نتمتع بيها.

هؤلاء الشباب بعدم مسئولية ويعتبرون التحرش تقضية وقت، والمخدرات لزوم حياة، والنساء جنس. البنطلونات المقطعة والساقطة موضة والخناقات فرض عين والتفاهة لغة عصر.

لكن حتى لا نفقد الأمل فى مستقبل البلد فليس هؤلاء هم كل شباب مصر، شباب مصر الغالبية منهم لم يسقطوا فى فخ الانهيار، فهناك المجتهدون المجاهدون من أجل لقمة العيش، شباب يتحملون المسئولية ويقدرون الأخلاق ويعرفون حق الوطن، ينحتون فى الصخر من أجل مستقبلهم، شباب نراهم يفدون الوطن بأرواحهم، شهداء تفخر مصر بهم على مر التاريخ، شباب يفتحون بيوتا ويعيلون أسرا ويحملون هموم بلد، شباب يبحث عن التفوق، وفى كل هؤلاء يوجد الفقراء الذين لم يستسلموا، بل تحدوا الظروف وخلقوا لأنفسهم فرص العمل.

القصة ببساطة أن حظ فتاة الشرقية العثر جعلها تمر على مقهى يجلس عليه شباب غير مسئول فكانت النتيجة التحرش الجماعى، ولو مرت على مكان آخر مثل وحدة عسكرية أو كمين شرطة أو مصنع ينتج أو قرية تعيش فيها التقاليد والأخلاقيات لوجدت من شباب مصر من يحميها ويخاف عليها كبنت مصرية.

المسألة بالتأكيد ليست تشديد عقوبة التحرش فقط، وإنما القضية اجتماعية بالأساس ومواجهتها تتطلب أدوارا متعددة، مهمتنا المجتمعية أن نحاول استعادة هذا الشباب، أن نتكاتف من أجل مواجهة المخدرات، أن نراجع تراخيص المقاهى ونواجه ما يتم فيها من مظاهر خارجة عن القانون والقيم، أن نحدد لها توقيتات للعمل، أن يتحمل المنتجون السينمائيون وصناع الدراما مسئوليتهم ولو لمرة واحدة تجاه المجتمع ويعيدوا النظر فى القيم والقدوة التى يقدمونها فى أعمالهم، أن تمارس الأسرة دورها وأن يراعى المعلمون ضمائرهم، أن تستعيد المساجد والكنائس دورها التربوى بأصول الدين المعتدل، أن تصبح الأخلاق سلوكا مدرسيا يمارسه المدرسون والطلاب وليس مجرد منهج مقرر للدراسة، أن نقدم للشباب نماذج تصلح كقدوة، نقدم قصص أبطال مصر من شهداء الجيش والشرطة، الشباب الذين نفخر بهم حتى يرى أبناء الأجيال الجديدة معنى الانتماء والإيثار، وأن من يحمى الأرض سيحمى العرض والشرف، وأن مصر وطن من الأبطال والشهداء وليست بلد المتحرشين.

الخلاصة أن الهوية الأخلاقية المصرية هى المستهدفة، ولن تنهار هذه الهوية إلا من خلال تدمير الأجيال الجديدة من الشباب، وعلينا ألا نمكن أعداء مصر من تحقيق هذا الهدف الخبيث.