الأربعاء 22 يناير 2025

دماء إبراهيم عيسى.. والقتلة الأوائل (٢-٢)

  • 5-4-2017 | 11:57

طباعة

بقلم –  عادل سعد

من الصفحات الأولى يطاردنا إبراهيم عيسى فى (القتلة الأوائل) باهتزاز الثوابت. والرواية تبدأ وتنتهى بابن ملجم قاتل على بن أبى طالب، وتتوقف عند هذا الحد ولا تقدم تفسيرا عن أسباب قتله للإمام. وأعتقد أن ذلك يفرض على إبراهيم عيسى أن يقدم جزءا تاليا من تلك الصراعات الدامية. خاصة أن الرواية توقفت عند مشهد مقتل عثمان وعلى مشارف الفتنة الكبرى.

 

الرواية بلاشك قفزة نوعية فى أدب إبراهيم عيسى والرواية التاريخية، وتتفوق على كل ما كتب من قبل، سواء من حيث لغة السرد أو البناء أو القدرة على إثارة الدهشة.

تلك رواية تخوض فى كل الممنوع وتفتح الأبواب على مصراعيها للكشف عن المسكوت عنه فى موضوعات شائكة مثل: كتابة المصحف فى عهد عثمان، والحرص على إحراق نسخ الصحابة، ومؤامرة محاولة اغتيال الرسول غيلة التى شارك فيها ١٣ صحابيا أصر حذيفة رضى الله عنه أن يكتم أسماءهم وشاهد فقط ثلاثة من وجوههم وأسر بهم لرسول الله، وسنوات الرسالة الأولى والغزوات وما تبعها من تدفق للثروات والنساء على جزيرة العرب. وأثر كل ذلك على طبيعة الحياة والناس.

يبدو الكتاب دقيقا، ومن الكلمة الأولى يذكر عيسى فى مدخل الكتاب أن كل الشخصيات والأحداث حقيقية.

يقول هذا وهو يتسلل بخفة بين مكة والمدينة ليلتقط صورا ذات دلالة، ليتوقف عند اتهام مارية القبطية جارية الرسول عقب حملها بالزنى مع ابن عمها، ولما راح على ابن أبى طالب ليقطع رقبته، فهم العبد المراد. وكان فوق نخلة تمر يلقحها فنزل، ورفع جلبابه وخلع سرواله، فإذا به خصى ممسوح، وأشاح على ابن أبى طالب بوجهه بعيدا.

الكتاب الممتع بقصصه وحكاياته يحملنا بعيدا عن لغة الشيوخ المضجرة إلى لمس الحياة الحقيقية للصحابة، فى مكة والمدينة وأثناء فتح مصر بكل ما فيها من طمع ومغامرات وضعف إنسانى وتضحية وطاعة للرسول وجهاد فى سبيل الله.

لكن اللافت للنظر أن البطل الرئيس للرواية ابن ملجم. حافظ القرآن الذى لم يرفع سيفا للجهاد يوما. وظل يراجع المصحف محتقنا حتى تطرف. كان أول جهاده قتل ابن عم رسول الله وزوج ابنته.

ابن ملجم الذى يتذكره المسلمون مع إضافة لقب عدو الله. كان أحد حفظة القرآن. ليس هذا فقط بل إن عمر بن الخطاب أرسله لمصر عند الفتح لتحفيظ المسلمين القرآن ومراجعته على نسخة الصحابى الجليل معاذ ابن جبل الذى سافر لليمن لسداد ديونه وعاد فى زمن أبى بكر ثريا يحيطه الجوارى والعبيد فزجره عمر وسمح أبوبكر فلم ينم وسدد كل ديونه القديمة وأعتقهم جميعا.

لكن عيسى الذى استعرض من خلال مأساة ابن ملجم العديد من القصص الدامية أنهى الرواية بحضور ابن ملجم وصحبه من المتطرفين من أهل مصر لقتل عثمان، وعلى رأسهم محمد بن أبى بكر الذى كان أول من أخذ بلحية عثمان وهم بقتله لولا أن أمير المؤمنين الشيخ قال له لا تفعل لأننى لا أعرف كيف سأقابل أبابكر وأخبره بأنك قاتلى، فسقط الخنجر من يده.

ما لم يذكره عيسى وأعتقد أن الأيام التالية ستفرض جزءا تاليا للرواية. أن -عدو الله- ابن ملجم، لم يقتل عليّا بن أبى طالب رضى الله عنه، إلا ابتغاء لمرضاة الله وطمعا فى الجنة، ولما حُمل الإمام جريحا إلى البيت، ظل عدو الله يلهج بآيات من القرآن، مؤمنا بأنه أنقذ بقتل على الإسلام والمسلمين.
كان قد تواعد فى زمن الفتنة الكبرى مع اثنين من الخوارج على قتل الثلاثة: على كرم الله وجهه ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص فى الليلة نفسها لتتوقف الحرب الدائرة بين جند العراق وجند الشام.

تقلّد سيفا، وقعد بالمسجد فى غلس الليل، حتى خرج على رضوان الله عليه للفجر، ونادى كعادته: الصلاة أيها الناس، فعلاه بالسيف، فأصاب جبهته، وارتطم السيف بالحائط، وانكسر حرفه، وكان على رضوان الله عليه أسدا جسورا لا يُبارى فى الحروب، فأصيب ابن ملجم بالذهول وسقط السيف من يده، وقبض عليه الناس.

ولما تدهورت صحة الإمام، أدخلوا عليه ابن ملجم، فصاحت ابنته أم كلثوم أرملة عمر بن الخطاب: «قتلت أمير المؤمنين يا عدو الله؟» فقال: «لم أقتل أمير المؤمنين بل قتلت أباك» فقالت: «أما والله إنى لأرجو إلا يكون عليه بأس» فقال شامتا: «فعلام تبكين إذن؟ أما والله لقد سمّمت هذا السيف شهرا، فإن أخلفنى أبعده الله».

فلم يُمس على بن أبى طالب رضوان الله عليه يومه حتى مات، وصلى عليه الحسن ودفنه فى مكان لا يعرفه أحد .

وجاءوا بابن ملجم فقطعوا يديه، وهو يضحك، وبتروا رجليه وهو يردد سورا من القرآن، فأشار الوالى بسمل عينيه، فلما أدخلوا أصابعهم فى حدقتيه، صاح بأنهم يكحّلونهما، فاستعاذ الوالى بالله وأمر باستخراج لسانه وقطعه ليخرس، فبكى ابن ملجم!

سألوه قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك، وأنت تضحك، فلماذا تبكى على قطع لسانك، قال: كنت أتمنى ألا أتوقف لحظة فى الحياة الدنيا عن ذكر الله! 
وأقبل النزّال بن عامر فى تلك الليلة حتى وقف خلف معاوية وهو يصلى بالناس ومعه خنجر فوجأه به فى إليته وكان ابن أبى سفيان عظيم الإليتين فقال: «قتلتك يا عدو الله» فقال معاوية: كلا يا ابن أخى «فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ونزع لسانه فمات».

واستدعى معاوية طبيبه على عجل فأمره أن يقطع ما حول الطعنة من اللحم خوفا من أن يكون الخنجر مسموما فنجا.

وأما الصيداوى الثالث فقد قتل شخصا غير عمرو بن العاص الذى غاب فى تلك الليلة لشكواه من ألم فى بطنه فأمر رجلا من بنى عامر أن يصلى بالناس فلما سجد ضربه بالسيف من ورائه معتقدا أنه عمرو فقتله، فحملوه لمجلس ابن العاص، فبكى معتقدا أن صديقيه قتلا على ومعاوية، وقال: «ليس ذنبى والله ما أردت غيره» فأمر به عمرو فقتل.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة