بقلم: د عباس شومان
المستحق للحضانة قد تعتريه بعض العوارض التى تسقط حقه فى المطالبة بحضانة الطفل، لعدم صلاحيته للقيام بأعباء الحضانة وهو فى حالته تلك، وهذه العوارض إن كانت قبل استحقاق الحضانة تسقط حقه فى المطالبة بها، وإن كانت بعد مباشرته للكفالة تسقط حقه فى الاستمرار فى كفالة الطفل، وهذه العوارض بعضها متفق عليه بين الفقهاء والبعض الآخر مختلف فيه بين الفقهاء، فقد سبق فى المقال السابق ذكر جملة من الشروط الواجب توافرها فى حاضن الطفل من أهل الاستحقاق.
وهذه الشروط بعضها يشترك فيه النساء والرجال، كالتكليف، وعدم الفسق، والإسلام، والقدرة على رعاية المحضون، وعدم السفه، وأمن مكان الحضانة، وبعضها خاص بالنساء كعدم ردة الحاضنة، وكونها ذات رحم محرم من المحضون، وألا تمتنع عن إرضاع المحضون..، وبعضها خاص بالرجال من أهل الحضانة ككونه محرما إن كانت المحضونة أنثى، وأن يكون عنده من النساء من تصلح لرعاية المحضون، فإن اختل شرط من الشروط المطلوبة فى الحاضنة أو الحاضن، سقط حق من اختل شرطه منهما، إن كان الشرط متفقا عليه بلا خلاف، وعند مشترطه إن كان شرطا خلافيا، فمثلا إذا جُنت الحاضنة أو الحاضن، وكذا إذا فقد أحدهما القدرة على رعاية المحضون لمرض مزمن أقعده، وكذا إذا سجن فى قضية ونحو ذلك، سقط الحق فى الحضانة بلا خلاف بين الفقهاء، وكذا إن ارتدت الحاضنة أو الحاضن، كما يسقط حق الحاضنة أو الحاضن بفقد مكان الحضانة للأمن المشروط لاستحقاقها ككون منزل الحاضنة آيلا للسقوط، أو تعرضه لسطو من المجرمين وقطاع الطرق، أو كان قريبا من مكان به معارك حربية، وكذا إن أقام مع الحاضنة من يكره أهل المحضون كون المحضون معه، كما لو كانت الحضانة للخالة لسقوط حق الأم بزواجها، فجاءت أم المحضون بزوجها لتقيم مع أختها الحاضنة، ونحو ذلك مما يتعارض مع الشروط التى شرطها الفقهاء لاستحقاق الحضانة بداية، لأن شروط الاستحقاق يشترط استمرارها بغير اختلال طوال مدة الحضانة.
وهناك أيضا أمور تسقط بها الحضانة كما لو اختلعت الحاضنة من زوجها على أن يكون بدل الخلع هو إسقاط حقها فى حضانة الطفل، وما ذهب إليه الحنفية ومن وافقهم بأن الخلع على إسقاط الحضانة تثبت به الفرقة بين الزوجين، ولا يسقط به حق الحضانة بل تثبت لها الحضانة لأنها لا تملك ما لا يحق لها إذ الحضانة حق للصغير على ما مر بيانه وليس لها، ويثبت للزوج مهر المثل بدلا عن بطلان الشرط، وهو انتقال حق الحضانة له، ولأن ما ذكره المالكية من صحة الخلع على سقوط حقها فى الحضانة وإن كان مشروطا عندهم بعدم لحوق الضرر بالصبى لا يحقق المقصود من الحضانة، لأن لحقوق الضرر لا يمكن ضبطه، فكل صبى بأُمه متعلق، ومعنى هذا أنه لا ينبغى تصحيح الخلع على إسقاط حضانتها لطفلها لتضرره، كما أن قولهم بأن الحضانة تنتقل لا إلى الأب ولكن إلى من يليها فى حق الحضانة وهو أمها يترتب عليه عدم تحقق مقصود الزوج من بدل الخلع، فهو إذا اشترط سقوط حضانتها بدلا لخلعها، فهو فى الغالب يرى أنها غير صالحة للحضانة، وإذا لم يرض بحضانتها ففى الغالب لا يرضى بحضانة أمها.
كما تسقط بالانتقال من بلد الحضانة فمكان الحضانة هو المكان الذى يقيم فيه المحضون مع حاضنته أو حاضنه مدة الحضانة، وهنا مسألتان الأولى: مكان الحضانة وقت قيام الزوجية، وما فى حكمها، فلا يخلو إما أن يكون الولد بين والديه فى زوجية مستقرة فمكان الحضانة حيث يقيمان وهو فى حضانتهما، وإما أن يكون فى حضانة أحدهما أو غيرهما، لانفصال والديه بانتهاء زوجيتهما بسبب من أسباب انتهاء الزوجية، فمكان الحضانة أيضا هو حيث يقيمان سواء أكان الطلاق رجعيًّا أم بائنًا إلى أن تنتهى العدة، لأن المعتدة فى الطلاق الرجعى فى حكم الزوجية، والبائن لا تخرج من بيتها مدة العدة فإذا انتقضت العدة، فمكان الحضانة هو مكان إقامة والد الطفل، حيث إن والد الطفل له الحق فى رؤية الطفل وقت الحضانة، ولا يتمكن من ذلك إن كان الطفل ببلد بعيد عن إقامته، كما أن الوالد هو الذى يؤدب الطفل ويقومه وهذا يقتضى أن يكون تحت ناظريه ليرى كيف يشب، وهذا لا خلاف عليه بين الفقهاء.
المسألة الثانية: أثر سفر أحد الأبوين بعد انقضاء العدة على الحضانة. فلا يخلو إما أن يكون مريد السفر هو الحاضن، وإما يكون الأب أو الولى، كما لا يخلو أن يكون السفر بعيدا أو قريبا، وكذلك إما يكون السفر نقلة وإقامة وإما أن يكون سفرا قصيرا كسفر التجارة والزيارة ونحو ذلك، ويختلف الفقهاء حول تأثير السفر على الحضانة فى الصور السابقة، فهم يتفقون على حق الأب فى السفر بالمحضون إن كان حق الحضانة له، ويختلفون فيما عدا ذلك على النحو التالى: حيث يرى الحنفية: أن الأم إن كانت هى الحاضنة فلها الحق فى السفر بالمحضون كالأب ولا تسقط حضانتها وذلك فى الصور التالية:
الصورة الأولى: الخروج إلى بلد قريب. إذا كان سفرها إلى بلدة قريبة لا يمتنع معها إمكانية رؤية الأب للمحضون والعودة فى نفس اليوم، بشرط أن يكون المكان الذى خرجت إليه ليس بأقل من بلد الحضانة حتى لا تتأثر أخلاق الصبى سلبا بذلك.
الصورة الثانية: الخروج إلى بلد بعيد بشروط، إذا سافرت إلى مكان بعيد فإنه يشترط لبقاء حضانتها ثلاثة شروط: الأول: أن يكون البلد الذى سافرت إليه هو موطنها الأصلي. الثانى: إلا يكون هذا البلد دار حرب للمسلمين. الثالث: أن يكون الأب قد عقد نكاحه عليها فى هذا البلد.
كما تسقط الحضانة بزواج الحاضنة، فإذا كانت الحضانة للمرأة ولم تكن الحاضنة زوجة لأبى المحضون، فقد سبق القول بأن الفقهاء يختلفون حول اشتراط كونها خالية عن الزوج لاستحقاقها الحضانة، وترتب على ذلك اختلافهم هنا حول سقوط حضانتها إن تزوجت، ومحل الخلاف بين الفقهاء فى سقوط حق الحاضنة بالزواج: إذا رضى الزوج الذى تزوجت به ببقائها حاضنة للطفل، أما إذا رفض حضانتها للطفل، فلا خلاف حول سقوط حضانتها برفضه هذا، لأنه له الحق فى منعها من الحضانة، فهو بالنكاح يملك منافعها، والحضانة تقتطع جزءًا منها، فلا تملكها بغير إذنه.
عودة حق الحضانة بعد سقوطه
يختلف الفقهاء فى عودة حق الحضانة لمن سقط عنه بزوال السبب المسقط له، كما لو كان سبب سقوط حق الحضانة فقد شرطا من شروط استحقاقها كالردة، أو عدم القدرة على رعاية المحضون لكثرة الأسفار أو الأعمال المانعة من الرعاية للمحضون، أو السجن للحاضن، أو الابتلاء بمرض مقعد للحاضن أو مؤذ للطفل، أو أصبح بيت الحضانة غير آمن، أو أقامت الحاضنة بالمحضون فى بيت زوج الأم عند من أسقط حضانتها بالزواج، ثم تغيّر الحال فعاد الشرط إلى فاقده، فأسلم المرتد أو المرتدة قبل القتل، أو أصبح العاجز عن رعاية الطفل لسفر أو عمل أو مرض، قادرا على ذلك بإقامته وترك الأسفار، أو تغيرت طبيعة عمله فلم يصبح العمل عائقا عن الرعاية، أو أطلق سراح السجين، أو شفى المريض، أو أصبح بيت الحضانة آمنا بإصلاح خلله، أو انتهاء خطر قطاع الطريق حوله، أو انتهاء الحرب الدائرة بالقرب منه، أو انتقلت الحاضنة من البيت، الذى يكره أهل المحضين إقامة الحاضن فيه، أو انتهت زوجية الحاضنة، التى أسقطت حضانتها بالزواج ونحو ذلك من الأمور، التى كانت سببا فى سقوط حق الحضانة.