بقلم – جمال أسعد
هل الديانات تتصارع أم تتكامل؟ عندما خلق الله آدم لم يحدد له ديانة بذاتها لكى يؤمن بها، ولكن الله قد تعامل مع آدم بالمستوى الإدراكى الذى يمكن لآدم أن يستوعبه وهو ببساطة كان الأمر لا تأكل يا آدم من هذه الشجرة|، كما أنه ومن حكمة الله الأزلية التى يدرك فيها ماهية الإنسان (آدم) وكيف أنه سيتطور فهماً وإدراكاً وثقافةً وعلماً. فكان من الطبيعى أن يتطور هذا الأمر إلى أن يرسل له الرسل والأنبياء والرسالات والأديان.
لم يحدد الله سبحانه وتعالى عقيدة محددة بذاتها يلزم بها الإنسان وإن كانت هناك وحدانية الدين التى تتمثل فى فكرة الألوهية التى اعتنقها الإنسان فى كل زمان وكل مكان، وإن اختلفت هذه الفكرة من شكل إلى آخر، ولكن النتيجة هى ذاتها النتيجة، التى جعلت الإنسان يؤمن بالإله الواحد القادر الخالق. حيث كانت إرادة الله بتلك التعددية حتى تتماشى مع الأفكار والرؤى والفلسفات والعقائد الموروثة والمتوارثة عبر الزمن، وفى إطار فكرة الألوهية. يقول الإنجيل “من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم”. أى أن الذين لم تصل إليهم الرسالات والأديان فناموسهم الخاص هو ما سيتم التعامل معهم على أساسه. ويقول القرآن “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة”. أى أن الله هو الذى جعل لكل من البشر تلك الشرعة وهذا المنهاج. والأهم أن الله هو وحده دون غيره الذى سيحاسب الجميع بكل تعددهم وعقائدهم. “إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد”. كما أنه إذا كان كل صاحب دين يؤمن أنه ودينه هو الحقيقة وأنه سينال الآخرة فهذا طبيعى وهذا حقه، ولكن فليعلم الجميع أن الآخر الدينى من حقه أيضاً أن يؤمن بذات الإيمان. وهنا يقول القرآن” :ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً”، ويقول الإنجيل: “كل أمة تصنع البر هى مقبولة عند الله”، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذه البغضاء وذلك الصراع؟ لا شك فإن الصراعات الدينية لا علاقة لها البتة بالقيم والمبادئ والأخلاقيات والمقاصد العليا للأديان. فبالرغم من الاختلاف المشروع والمبرر بين الأديان ولكنه لا يجب أن يصل هذا الاختلاف إلى رفض الآخر الإنسان. حيث إن الله هو الذى خلق الإنسان وميزه على سائر الخليقة، وفى ذات الوقت هو الذى أراد هذه التعددية. إذن هذا الصراع هو نتيجة لأفكار دينية غير سليمة نتيجة لتفاسير واجتهادات وتأويلات بشرية تقبل الصواب والخطأ ناهيك عن وجود تلك المصالح الذاتية والحزبية التى تتمسح فى الدين وتحول الدين لصالح السياسى. كما أن هذه الصراعات لم تكن بين الأديان ولكنها كانت بين أبناء الدين الواحد، فهناك الصراع بين السنة والشيعة بل يوجد الآن بين السنة والسنة فداعش تقتل أهل السنة، وهو يقول إنه سنى. وكان ولازال هناك صراع بين الكاثوليك وبين البروتستانت، ذلك الصراع الذى وصل إلى حرب استمرت ثلاثين عاماً من ١٦١٨ إلى ١٦٤٨ وراح ضحيتها ملايين من البشر. ودليل ذلك الصراع القائم حتى الآن كلام القس الأرثوذكسى الذى هاجم البروتستانت فى ميت غمر وقال إن مسيح البروتستانت غير مسيح الأرثوذكس.
وكل إن دل على شىء فهو يدل على تحويل العقائد الدينية إلى نوع من المتاجرة ورفض الآخر حتى ولو لأسباب لم تقرها الأديان ففى القرآن “وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”وفى الإنجيل “أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم”.
على هذه الأرضية وعلى تلك المبادئ واسترشادا بهذه القيم السامية سيزور قداسة البابا فرنسيس الثانى بابا الفاتيكان مصر فى نهاية الشهر الحالى، وسيقابل الرئيس السيسى وقداسة البابا تواضروس وفضيلة الإمام الأكبر، وأنا أعتبر أن مقابلة الإمام الأكبر هى التى يجب أن نتوقف أمامها كثيراً. لماذا؟ لأنه كان هناك حوار ما بين الأزهر والفاتيكان وهذا شىء جيد وحميد. ولكن فى عام ٢٠٠٨ كان البابا بندكتوس السادس عشر قد ألقى محاضرة وأساء فيها إلى الإسلام وإلى الرسول الشىء الذى جعل الأزهر بل العالم الإسلامى يأخذ موقفاً إذ ذاك، وقد تم وقف الحوار بين الأزهر والفاتيكان، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ لا شك أن ظهور وتصاعد الإرهاب الذى يدعى أنه المعبر عن الإسلام ووصول هذا الإرهاب لحد السيطرة على أرض سورية وعراقية وإعلان ما يسمى بالدولة الإسلامية. بل ووصول هذا الإرهاب إلى كل العالم تقريباً، الشىء الذى صاحب ذلك ظهور ما يسمى بالإسلاموفوبيا وهو العداء ضد الإسلام ووصفه بالإرهاب. حتى وجدنا ظهور جماعات شعبوية ترفض الإسلام والمسلمين، وآخرها قرار ترامب بمنع دخول رعايا ست دول إسلامية إلى أمريكا إضافة لظهور بعض الجماعات فى أوربا التى تدعو إلى طرد الجاليات الإسلامية. تواكب مع ذلك قدوم البابا فرنسيس وهو شخصية من أمريكا اللاتينية، وهو قد تأثر بلاهوت التحرير، إضافة إلى شخصيته المتواضعة والتى ترفض أى مظاهر لا تتسق مع قيمة التواضع المسيحى. كما أنه هو من طالب باستضافة المهاجرين نتيجة للحروب فى الكنائس باعتبار أن هذا هو عمل دينى وأخلاقى فى المقام الأول. إضافة إلى رفضه أن ينعت الإسلام بالإرهاب حيث إن الإرهاب لا دين ولا وطن له. كل هذا جعل ومهد لإعادة العلاقات بين الفاتيكان والأزهر، فكانت زيارة شيخ الأزهر للفاتيكان العام الماضى. كما أن هذه الزيارة تأتى على أرضية إعلان موقف الأزهر فى مؤتمر المواطنة والحريات الذى رفض تعبير الأقليات أو أهل الذمة، على أن يكون بديلاً لذلك المواطنة التى تساوى بين البشر ولا تفرق بينهم لأى سبب كان.
فالزيارة ستكون فاتحة لتأكيد التمسك بالقيم والمبادئ الدينية التى لا ترفض الآخر الإنسان. وقد أكدت الكنيسة الكاثوليكية هذا المبدأ حين عُقد المجمع الفاتيكانى الثانى ١٩٦٢ إلى ١٩٦٥ الذى أقر بقبول الآخر الدينى، حيث إن الذى سيحاسب الجميع هو الله. كما أن استقبال الرئيس السيسى للبابا سيؤكد على رفض الإرهاب بكل أشكاله وأساليبه ورفض ربط هذا الإرهاب بأى دين من الأديان,
حيث إن مصر وباعتراف الجميع تقوم الآن بهذا الدور المحورى والرئيسى فى محاربة الإرهاب ليس نيابة عن نفسها ولكن نيابة عن العالم كله. كما أننا نتمنى أن تكون مقابلة البابا فرنسيس والبابا تواضروس ليست مقابلة شكلية بروتوكولية ولكن أن تكون مقابلة تؤسس وتصل إلى حوارات مسيحية تقرب ولا تبعد.. توحد ولا تفرق. فلن يكون هناك حوار حقيقى مسيحى - إسلامى دون أن يكون هناك حوار حقيقى مسيحى - مسيحى، وإلا نكون نضيع الوقت خاصة ونحن فى ظروف عالمية ومحلية، وفى ضوء تحديات خطيرة تحيط بالجميع. ولا شك فإن إقامة قداس للبابا فى استاد القاهرة هو تقليد بابوى يتم فى كل زياراته لأى بلد ولكن كونه أن يكون فى الاستاد فهذا يحمل دلالات لا تخفى على أحد فى مصر بلد الحضارة والتاريخ، مصر التى قبلت الآخر بكل أديانه ومنطلقاته وعقائده. مصر بلد التدين التى استقبلت الأديان والرسالات والرسل والأنبياء. حمى الله مصر وشعبها العظيم.