الجمعة 24 مايو 2024

بصدور التكليفات من الخارج تعود تفجيرات الإخوان إلى دلتا مصر

5-4-2017 | 13:37

بقلم –  العميد خالد عكاشة

العملية الإرهابية الأحدث، التى وقعت فى أطراف مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية بقلب دلتا مصر، تثير الانتباه حول توقيتها وسرعة تبنى تنظيم «لواء الثورة» لها بعد ساعات من وقوعها. العملية نفذت بزرع عبوة ناسفة شديدة الانفجار فى “دراجة بخارية” وضعت أمام السور الخارجى لمركز التدريب التابع لمديرية أمن الغربية، حيث يتلقى فيه الضباط والأفراد دورات التدريب الأمنى المختلفة التخصصات، وحرص المنفذون أن تكون العبوة بالقرب من مسار خروج المتدربين حتى توقع أكبر قدر من الخسائر البشرية فيهم، وفى المدنيين أيضا الذين يتصادف وجودهم بالمكان، فالموقع الشرطى يقع وسط شارع سكنى يشهد ترددا اعتياديا للمواطنين من أجل قضاء حوائجهم. وعليه سقط بالفعل جراء التفجير ما يقارب الـ ٢٠ مصابا ١٣ منهم من رجال الشرطة، والـ ٧ الباقون من المدنيين وبينهم سيدة، وأثناء كتابة تلك السطور كان أحد المصابين قد فارق الحياة جراء إصابته البالغة وهناك ٣ آخرون فى حالة خطرة.

 

الصور الإخبارية التى تم بثها من موقع الحادث، وآثار التفجير التى بدت على دراجة بخارية توحى مبدئيا، بأن العبوة تم زراعتها بالدراجة التى تفحمت تماما، والأقرب للمنطق أن يكون التنظيم قد نجح فى “تفخيخ الدراجة البخارية” ومن ثم دفعها للوقوف بين السيارات الموجودة فى منطقة الانتظار بالشارع، فالدراجة منطقيا هى الأرخص فى التكلفة وربما يلجأ أعضاء التنظيم إلى سرقتها، وهذا الأمر أسهل كثيرا من استخدام سيارة. آثار الشظايا التى ظهرت فى أحد المقاطع المصورة لمكان الحادث على جدار مبنى مركز التدريب وأحد أعمدة الإضاءة بالشارع، تظهر بأن العبوة كانت محشوة بكمية كبيرة من «كرات الحديد الصلب» الشبيه والمستخدم فى صناعة «الرولمان بلي»، وهو الذى ينتشر على نطاق واسع جراء التفجير ليحدث إصابات قاتلة فيمن تصيبه إحدى تلك الكرات الصلبة والملتهبة.

البيان الذى سارع التنظيم الإرهابى “لواء الثورة” فى إصداره بعد ساعات محدودة من تنفيذ العملية، على غير ما هو معتاد من التنظيمات الإرهابية التى تفضل معظمها التريث لأيام قبل إصدار تبنيها وتأكيد وقوفها خلف عمل إرهابي، يوحى بأن التنظيم كان متلهفا لوضع اسمه على مائدة الأحداث سريعا، وهذا متوقع بالنظر إلى انتماء التنظيم إلى شبكة التنظيمات الإرهابية المسلحة التى تديرها اللجان النوعية لتنظيم الإخوان، والتى أصدرت منذ أسابيع بيانا حذرت فيه من دعوة البعض «قيادات جماعة الإخوان»، إلى انتهاج مسار المراجعات الفكرية والتنظيمية وتقييم نتائج المرحلة الماضية من عمر الجماعة، وأن خيار «العنف المسلح» هو الخيار الحتمى والاستراتيجى لتلك المجموعات التى كان يديرها قبلا القيادى وعضو مكتب الإرشاد «محمد كمال»، وهو الذى قضى نحبه برصاص الأمن فى إحدى المداهمات الأمنية التى استهدفت «غرفة العمليات»، التى اتخذها كمال كمركز عمليات رئيسى يدير منه نشاط التنظيمات الإخوانية التى قدمت نفسها بالعديد من الأسماء المستعارة، مثل أجناد مصر وكتائب حلوان والعقاب الثورى واللجان الثورية والمقاومة الشعبية، ليبقى التنظيمان الأكثر قدرة واحترافية هما (لواء الثورة، حسم) وهما من تبنيا العديد من العمليات الإرهابية التى غلب عليها الطابع الاحترافي. تنظيم «لواء الثورة» الذى نفذ تلك العملية الأخيرة، سبق له أن نفذ عملية شديدة الخطورة والجرأة حين قيامه باغتيال الشهيد «العميد عادل رجائي» أسفل منزله فى أكتوبر ٢٠١٦م. ونشر بعدها «مقطع فيديو» مصورا لعملية الاغتيال أظهرت قدرات تنفيذ لأشخاص تم تدريبهم بعناية فضلا عن إخراج احترافى لهذا المقطع، وقبل تلك العملية كانت هناك عملية إطلاق نيران مكثفة نفذها التنظيم فى “كمين العجيزي” بالقرب من مدينة السادات بالمنوفية، استهدفت اغتيال القوة الشرطية المتواجدة بالنقطة الأمنية وذهب ضحيتها شرطيان وإصابة ٣ آخرين ومدنيين، وقعت تلك العملية التى كانت بطاقة تعارف ما بين التنظيم وأجهزة الأمن فى أغسطس ٢٠١٦م، وأعلن حينها التنظيم أن تنفيذه لها جاء باختيار تاريخ يتزامن مع ذكرى «فض اعتصام رابعة».

بقليل من الجهد وعمليات البحث والربط حول انتماء هذا التنظيم الإرهابي، نجد “لواء الثورة” كتنظيم مسلح إرهابى يقدم عبر منصاته الإعلامية بشبكات التواصل الاجتماعي، العديد من الأدلة حول علاقة التنظيم بجماعة الإخوان، سواء من خلال الإصدارات التى يبثها أو الخطاب الذى يتبناه التنظيم الارهابى والقضايا التى يتحرك صوبها، وهى جميعها غير منقطعة الصلة بذات ما تتبناه جماعة الإخوان.خلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها قدم «لواء الثورة» أكثر من دليل على العلاقة التى تجمعه بجماعة الإخوان، أخطرها وأبرزها على الإطلاق الإصدار المرئى الثالث الذى حمل عنوان «فرسان الجنة»، حيث ظهرت فيه أسماء لأربعة من شباب الإخوان كانت الجماعة قد اتهمت قوات الأمن بتصفيتهم واعترفت بانتسابهم إليها.الشباب الأربعة، هم: «حسن جلال طالب بكلية شريعة وقانون جامعة الأزهر، وأحمد محفوظ طالب بكلية العلوم جامعة الأزهر، ورجب أحمد على طالب بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وعبد الله هلال طالب بكلية الهندسة جامعة الأزهر». فى ذلك المقطع المصور أدلى كل من رجب على وعبد الله هلال بوصيتهم التى وجهاها لأهاليهم، حيث رددوا بعض الأحاديث والآيات عن فضل الشهداء والحور العين، كما طالبوا ذويهم بعدم الحزن عليهم، بينما ظهر فى الفيديو نفسه كل من حسن جلال وأحمد محفوظ أثناء إعدادهم للمتفجرات، حيث كانت الحركة قد ذكرت فى وقت سابق أنهم من وحدة ما يسمى بـ «الهندسة والتصنيع” داخل تنظيم «لواء الثورة». فى حين أنه فى وقت سابق لاصدار هذا المقطع بمعرفة «لواء الثورة»، كانت الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان تشن حملة دعائية ضد وزارة الداخلية تتهمها بالقبض على تلك العناصر وخضوعهم لما أطلق عليه «الاختفاء القسري»، وتناقلت قنوات الجماعة ومواقعها أنباء عن الجنازات الضخمة لهم، وظهرت والدة حسن جلال على (قناة وطن) المملوكة رسميا للجماعة وتبث من أسطنبول، كما ظهر على نفس القناة والد عبد الله هلال حيث وجها عبرهما اتهامات لوزارة الداخلية.

ما لم تضعه جماعة الإخوان فى الحسبان، أن البيان الصادر عن وزارة الداخلية فى ٨ مارس الماضى والذى أعلنت فيه: «مقتل أحد عناصر الحراك المسلح التابع لجماعة الإخوان الإرهابية بدائرة مركز أبو صوير بالإسماعيلية عقب تبادل لإطلاق النيران معه». أن هذا كان على خلفية أن قطاع الأمن الوطنى تمكن من تحديد مكان اختباء أحد عناصر الحراك المسلح التابع لجماعة الإخوان، ويدعى «حسن محمد جلال مصطفى» طالب بكلية شريعة وقانون جامعة الأزهر المطلوب ضبطه وإحضاره فى (القضية رقم ٧٢٤/٢٠١٦ حصر أمن دولة عليا) الخاصة بتحركات تنظيمين إرهابيين هما (حسم، ولواء الثورة)، وذلك بإحدى المزارع بمنطقة جمعية السلام دائرة مركز أبو صوير الإسماعيلية، وأن العنصر الإخوانى بادر بإطلاق الأعيرة النارية تجاه قوات الأمن مما دفعها للتعامل معه، وقد أسفر ذلك عن مصرعه. الذى أوقع جماعة الاخوان فى فخ قاتل حول ارتباط هؤلاء بالنشاط الإرهابي، أنها بعد حملتها الدعائية حول اختفاء بعض من شبابها اختفاء قسريا واغتيالهم بمعرفة الداخلية، جاءتها المفاجأة القاسية فيما قام به تنظيم»لواء الثورة”، حيث أصدر بيانا فى ١٢ مارس ينعى فيه من أسماهم بـ”رجاله الأبطال» ليتبين أنهم نفس الشباب الذين نعتتهم جماعة الإخوان عبر آلتها الإعلامية.

بالعودة إلى “محمد كمال” القيادى الإخوانى وعضو مكتب إرشاد الجماعة، حيث ظهر اسمه منفردا وبشكل يحمل دلالة ارتباط عضوى لا يخفى على أحد، عندما جاء فى بيان تنظيم «لواء الثورة» الصادر فى تبنى عملية اغتيال الشهيد العميد عادل رجائي، وهو نصاً: “لقد حذرنا وأنذرنا مرارا أن الجرائم التى يقوم بها النظام المجرم بصورة يومية، تجاه المصريين على امتداد أرض الكنانة وآخرها اغتيال الدكتور محمد كمال، وعدة جرائم أخرى متتالية لن تمر أبدا دونما عقاب أو قصاص”. البيان ومن قبله العملية الإرهابية نفذت بعد ٢٠ يوما من حادثة مقتل «محمد كمال”، ويمكن من خلالها اعتبار أن أجهزة الأمن المصرية قد وجهت ضربات قاصمة للجماعة، حيث توصلت بعدها إلى معلومات هامة حول ما يسمى “اللجان النوعية لجماعة الإخوان»، التى كانت تدير عبر العمل الإرهابى استهداف المصالح العامة للمواطنين والشخصيات الأمنية والعسكرية التابعة لسلطات الدولة. وفى هذا لا يجوز إغفال أن “محمد كمال” كان أحد طرفى أزمة الإخوان الداخلية، التى حاول الجميع احتواءها أو إخفاءها عن الساحة الداخلية لجماعة الإخوان، عندما قال عنها الطرفان إنها إدارية تنظيمية أكبر من كونها فكرية واستراتيجية. لكن الأمر سرعان ما أفصح عن نفسه وحقيقته فى ١٦ ديسمبر ٢٠١٥م، عندما بعث “محمد كمال”برسالة صوتية قدم فيه شهادته على أبعاد الأزمة، قال فيها موجها حديثه للشباب: “أؤكد لكم أن المفتاح بأيديكم، حراككم الثوري، وعملكم الناجز الدؤوب الذى تعودناه منكم مع الانضباط بمحددات الشرع، هو القاطرة الحقيقية التى تنهى الخلاف وتوحد القلوب”. حينها تأكد معظم المراقبين من داخل الجماعة وخارجها أن خيار استخدام العنف قد أفصح عن نفسه، وأن المجموعات التابعة لمحمد كمال ستبدأ فصلا جديدا من أعمال العنف واستخدام السلاح بصورة مفتوحة ضد أهداف متنوعة داخل الدولة، وما تأكد منه الجميع أيضا وقبلهم أجهزة الأمن المصرية أن هذا الجناح قد استطاع الحصول على الضوء الأخضر من التنظيم الدولى بالخارج، حيث وضع التنظيم الدولى أحد كوادره كحلقة اتصال ما بين مكتب الإرشاد الدولي، وما بين تلك المجموعات التابعة للجان النوعية فى داخل مصر، وعبر تلك الحلقة من الاتصالات يبدو جليا أن هناك تكليفات جديدة قد وصلت إلى تنظيم «لواء الثورة» بالنزول للبدء فى فصل جديد، يستلزم الانتباه إلى أنه سيختار فيه أهدافا جديدة وفى مناطق جديدة غير متوقعة بالمرة، وهذا سيضع عبئا أكبر على أجهزة الأمن، لكنه مما يستدعى العمل على إجهاضه فى الفترة القادمة، قبل أن يدخل تنظيم “حسم» على الخط هو الآخر لاسيما وهو يتلقى التكليفات من نفس المصدر ليبدأ فى نشاط مواز لما قام به «لواء الثورة».