تقرير: إيمان كامل
حالة من الغضب انتابت الأوساط القضائية على مدار الأيام القليلة الماضية، وذلك عقب موافقة لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على تعديل قانون اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، بالرغم من رفض جميع القضاة والجهات القضائية الأربع للقانون، وتمسكهم بمبدأ الأقدمية.
وكانت اللجنة التشريعية برئاسة المستشار بهاء أبوشقة قد وافقت على مشروع قانون السلطة القضائية بالمادة ٤٤ الخاصة باختيار رؤساء الهيئات القضائية، المقدم من النائب أحمد حلمى الشريف وكيل اللجنة، حيث نصت المادة على أن يتم التوسع من دائرة الاختيار من بين ٧، ويتم ترشيح ٤ منهم، واختيار أحدهم من قبل رئيس الجمهورية، بعد أن كان القانون ينص على تعيين رئيس الجمهورية من بين ٣ نواب يرشحهم المجلس الأعلى بكل هيئة وجهة قضائية، وذلك وفقا لمبدأ الأقدمية.
التعديل الجديد أشعل فتيل الأزمة، واعتبره القضاة تحديا صارخا من البرلمان للسلطة القضائية، وضربا بآراء شيوخ ورجال القضاء عرض الحائط، مما أثار حفيظة شيوخ محراب العدالة، حيث عقد مجلس الدولة جمعية عمومية لقضاته شيوخاً وشباباً برئاسة المستشار محمد مسعود، لتعلن فيها وبشكل قاطع وبالإجماع رفض مشروع القانون المقترح رفضاً مطلقاً، لأنه ينال من استقلال القضاة، والالتزام بمعيار الأقدمية لمن تختاره الجهة أو الهيئة القضائية معياراً منضبطاً ومستقراً ولد مع نشأة القضاء، وتفويض المجلس الخاص فى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لقرارات الجمعية العمومية لمستشارى المجلس التى تؤكد استقلال القضاء وترعى مصالح الشعب والوطن.
كما أوصت الجمعية العمومية للإحتكام لرئيس الجمهورية لوضع الأمور فى نصابها الصحيح للحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وذلك عملاً لأحكام المادة (١٣٩) من الدستور والتى حددت أن من ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية رعاية مصالح الشعب، كما أوصت الجمعية إنها فى حالة انعقاد دائم لمتابعة ما تسفر عنه الأحداث.
الجدير بالذكر أن نادى قضاة مصر، برئاسة المستشار محمد عبدالحميد، أعلن منذ اللحظة الأولى للأزمة فى بيان رسمى مع أندية القضاة الأقاليم عن رفضهم التام لتعديل القانون واعتبروه انتهاكا للسلطة القضائية واعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات، وطالبوا الرئيس السيسى بالتدخل.
أما نادى قضاة مجلس الدولة، فأعلن موقفه فى بيان يرفض فيه تعديل القانون، وعبّر عن إصراره على الإبقاء على مبدأ الأقدمية وفى حالة انعقاد دائم ومطالبة رئيس الجمهورية لحل الأزمة.
وصرح المستشار محمد عبدالمحسن، رئيس نادى القضاة، فى تصريحات خاصة لـ«المصور» أن رؤساء أندية قضاة الأقاليم يصرون على رفضهم وبالإجماع التعديلات الجديدة لقانون السلطة القضائية لمخالفتها لأحكام الدستور، والتى تعد إهدارا لمبدأ الأقدمية.
كما نوّه رئيس نادى القضاة أن الرئيس السيسى على علم كامل بالأمور، وهو دائماً يشيد باستقلال القضاء.
وعلمت «المصور» أن هناك محاولات من قبل النادى للتواصل مع رئاسة الجمهورية، وفى انتظار عودة الرئيس من جولته بالولايات المتحدة الأمريكية لعرض الموضوع عليه، وإرجاء انعقاد جميعة عمومية طارئة لحين التواصل مع الرئيس السيسي.
كما أوضح المستشار أحمد عبدالرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، عضو مجلس القضاء الأعلى السابق، أن مجلس النواب انتهى بالموافقة على هذا القانون بعد مناقشته فى اللجنة الدستورية والتشريعية ورفضته الهيئات القضائية الأربع على أساس عرف الأقدمية، كما أن الدستور نص على أخذ رأى الهيئات القضائية الأربع لأى تعديل فى قانون السلطة، ورفضت كل الهيئات التعديلات، وأصبح القضاة فى جانب والسلطة التشريعية فى جانب وننتظر رئيس الجمهورية باعتباره الحكم بين السلطات للخروج من هذه الأزمة.
وحول موافقة مجلس النواب على تعديل القانون، فيرى المستشار عبدالرحمن أن ذلك لا يعتبر تحديا، أو اعتداء على السلطة القضائية، وإنما البرلمان يمارس سلطته التشريعية المنصوص عليها فى الدستور، حسب رأيه.
كما رأى عبدالرحمن أن المادة القديمة بقانون السلطة القضائية هى الأنسب، وأن يصير الحال كما هو عليه، حتى يتم تعديل قانون السلطة القضائية كاملاً، وأعتقد أنه ليس هناك نية لحدوث مذبحة قضاة من مجلس النواب وإنما كل ما فى الأمر اختلاف فى وجهات النظر، كما أن هذا التعديل سيمر بمراحل عديدة، وحتى يتم تمريره من عدمه، لابد من إحالته إلى قسم الفتوى والتشريع بمحلس الدولة وإعادة صياغته وإبداء الرأى فيه، سواء كان دستوريا أم لا، ثم يحال لمجلس النواب وحتى يتم تمريره لابد من موافقة ثلثى أعضاء المجلس.
ورأى المستشار عزت خميس، مساعد أول وزير العدل، رئيس لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان السابق، أن رد فعل مجلس القضاء الأعلى ونادى القضاة يعبر عن رغبة جموع القضاة ونتفق معهم فيما أصدروه من بيانات رافضة لتعديل المادة الخاصة بآلية اختيار رؤساء الهيئات القضائية، من قبل مجلس النواب وجموع القضاة الذين يقفون وراء مجلس القضاء بشيوخه الأجلاء، ووراء ناديهم.
وصرح المستشار فؤاء عبدالفتاح، الأمين العام لمجلس الدولة، فى تصريحات خاصة لـ«المصور» أن ما تم الموافقة عليه من قبل مجلس النواب على اختيار رؤساء الهيئات القضائية، فقضاة مجلس الدولة فى جمعيتهم العمومية رفضوه بالإجماع لمخالفته للدستور وحفاظاً على استقلال القضاء.
وأضاف أن السلطة التشريعية لها دور فى سرد القوانين، إلا أن سلطتها فى التشريع ليست طليقة من كل قيد، بل مقيدة بنصوص الدستور الذى ينظم سلطات الدولة بالتوازن فيما بينها، وبالحفاظ على المبادئ الأساسية المقررة فيه، والتى من أهمها مبدأ الفصل بين السلطات ولابد من الحفاظ على معيار الأقدمية لمن تختاره الهيئة أو الجهة القضائية.
كما قال عبدالفتاح إنه فى حالة إذا أصر مجلس النواب على تمرير القوانين، فمن الممكن أن يلجأ مجلس الدولة لرئيس الجمهورية كحكم بين السلطات لنزع فتيل الأزمة والمجلس الخاص صاحب الاختصاص الأصيل لدعوة الرئيس لحل الأزمة.
وقال المستشار محمد ضيف، رئيس دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، نائب رئيس مجلس الدولة، إن هذا الحدث تاريخي، ولابد من وقفة للقضاة للتصدى لهذا الأمر لأنها مصلحة الشعب، فلا يجوز بعد ثورتين أن تسلب إرادة القضاة بقوانين مشبوهة لتقويض سلطة التقاضي.
كما اعتبر ضيف أن ما حدث من مجلس النواب يعد تحديا منه للقضاة، والهدف منه أشخاص بعينهم حتى يتم استبعادهم عن رئاسة الهيئات القضائية، فلو كان مجلس النواب حريصا على مصلحة الأمة ويريد تعديل القانون، لكان عدّل ما رأه مجلس الدولة، ونحن مصرين على الإبقاء على مبدأ الأقدمية والحفاظ على استقلال القضاء.
وقال المستشار الدكتور ماجد كامل، نائب رئيس مجلس الدولة، إن الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة تعد أول جمعية رسمية لهيئة قضائية، وذلك للتصدى لما اتخذه مجلس النواب من قرار بالموافقة على تعديل المادة الخاصة باختيار رؤساء الهيئات القضائية بقانون السلطة القضائية، واعتبر أن هذا التعديل مشبوه، ويحمل وراءه نية لتفكيك الدولة، والعودة إلى عصر أسوأ من عصر ترزية القوانين، على حد قوله.
وأشار كامل إلى أن قانون السلطة القضائية فى حاجة ملحة للتعديل الكامل والجذري، وكذلك قانون الإجراءات الجنائية والعقوبات وقوانين الهيئات القضائية والاستثمار، ولكن البرلمان ينشغل بقوانين خفض سن القضاة، واختيار رؤساء الهيئات القضائية، ولو انهدمت السلطة القضائية ستهدم معها الدولة، وإذا أصر مجلس النواب على تمرير القانون سنقع فى أزمة دستورية.
واعتبر المستشار أحمد عبدالحميد، نائب رئيس مجلس الدولة، أن تمرير مجلس النواب لقانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية يشوبه الريبة فى هذا التوقيت، ولكن يصر مجلس الدولة على الإبقاء على المادة القديمة بقانون السلطة القضائية حفاظاً على استقلال القضاء وليس دفاعاً عن شخص يتولى رئاسة مجلس الدولة.
ورأى المستشار الدكتور أحمد منيب، نائب رئيس مجلس الدولة، أنه ليس هناك تصادم بين السلطات، ولكن هناك مبدأ استقلال السلطة القضائية المنبثق من الدستور، فعضو الهيئة القضائية غير قابل للعزل ولا يملك الرئيس عزله إلا بموافقة المجلس الأعلى لكل هيئة.
وأضاف منيب أن قضاة مجلس الدولة بالإجماع مصرون على مبدأ استقلال القضاء وحرية كل جهة قضائية فى اختيار رئيسها، أما إذا استمرت هذه الأزمة، وأصر مجلس النواب على تمرير القانون، فعلى رئيس الجمهورية التدخل لإنهاء الأزمة باعتباره الحكم بين السلطات.
كما صرح مصدر قضائى رفيع المستوى بمجلس الدولة، رفض الإفصاح عن اسمه، أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة فى انعقاد دائم لإنهاء تلك الأزمة وما حدث من البرلمان يعد انتهاكا للقانون، فلما ينشغل مجلس النواب بإشعال أزمة مع القضاة فى حين يتغافل عن عدة قوانين تمس المواطن المصرى كقانون التموين الذى لم يعدل منذ عام ٧٨، ونحن نعانى من غلاء الأسعار الآن.
وذكر أن هناك حزمة تشريعات عفا عليها الزمن، ولم تلتفت إليها أية سلطة، والسلطة القضائية هى من أخرجت مجلس النواب للنور، وأعتقد أن هناك لهجة تحد من البرلمان لاستهداف قضاة بعينهم سيتولون رئاسة بعض الهيئات القضائية فى الحركة القادمة وما بعدها، لكن مجلس الدولة مصر على الإبقاء على نص المادة القديم.