كتبت: إيمان البصيلي
ثمانية أشهر وهو يحمل حفيدته الصغيرة ذات السنوات الأربع أسبوعيًا، ويأتي بها في رحلة شاقة من بلدته البعيدة التابعة لمركز مطاي محافظة المنيا، إلى معهد الأورام بشارع القصر العيني لتتلقى جرعات العلاج الكيماوي المخصصة لمرضى سرطان الدم وتبيت ليلتها في المشفى ثم يأتي ليأخذها في الصباح ويعود إلى محافظته على أن يأتي بها في الأسبوع التالي.
يظل الحاج محمد سيد، يدور في هذه الدوامة يومين كل أسبوع إضافة لثلاثة أيام فى نهاية كل شهر يجري فيها التحاليل والأشعة الدورية وأحيانًا أسابيع طويلة إذا تدهورت الحالة الصحية لحفيدته "مي" بالتأكيد هي رحلة شاقة ولكنها الجحيم بالنسبة له خاصة وهو ابن المنيا الذي لا أهل له ولا أصدقاء في القاهرة إضافة إلى أن المشفى لا يسمح بالمبيت مع الطفلة إلا امرأة واحدة فتبيت معها جدتها ويظل الحاج محمد، يبحث عن مأوى له ليبيت ليلته فيقول لـ"الهلال اليوم" "أبوها راجل على أده ومفيش حيلته حاجة وأنا اللي بجري عليها وعلى علاجها وبجيبها كل أسبوع للمعهد عشان الكيماوي.. تقعد زي ما تقعد بفضل معاها أنا وستها لحد ما تخلص ونروح بيها.. ساعات بيحجزوها 15 يوم وساعات شهر.. بس لو في سرير.. لكن لو مفيش بيدوها الجرعة ويقعدوها يومين ويمشونا ويخلونا نيجى تاني بعد أسبوع".
وعن فترة وجوده في القاهرة يقول "في الصيف ببات على الرصيف قدام المعهد باليوم واليومين بس في الشتاء بدور على بيت استضافة أو أي حد بلديات أبات عنده ليلة ولا ليلتين" مضيفًا أن أهالي المرضى عددهم كبير وبيوت الاستضافة التي يخصصها لهم أهل الخير والجمعيات الخيرية عددها قليل ولذلك ليس من السهل إيجاد مكان للمبيت فيها متابعًا أن هناك ثلاثة دور استضافة في محيط منطقة القصر العيني ومستشفى 57357 ولكنها جميعًا مشغولة دائمًا، قائلا "مش من السهل ألاقي مكان في بيت الاستضافة لأن هناك ناس ياما من قنا وأسوان وأسيوط ومطروح ومحافظات بعيدة بيباتوا بالشهور لحد ما ابنهم يخف ويروحوا بيه".
معاناة مبيت الحاج محمد لم تتوقف عنده فقط، بل تصل أحيانا لحفيدته "مي" وزوجته اللتان يبيتان أحيانا على كرسي بحجرة الطوارئ بالمعهد لعدم وجود سرير شاغر لهما ولا يحصلا على غطاء إلا بعد ترك إثباتات شخصية لإدارة المعهد، وأحيانًا أخرى تكون حالة الطفلة متأخرة وتحتاج للحجز بالمستشفى والمتابعة ولكن لعدم وجود سرير شاغر تأخذ الجرعة ويكتب لها الطبيب إذن خروج.
أما منى عبدالرازق أحد أمهات الأطفال المرضي والمقيمة بدار استضافه تابعة لجمعية الأورمان فتقول إنها تأتى إلى مستشفى 57357 بطفلتها "يمنى" ذات العشر سنوات ومريضة بسرطان العظام مرتين كل شهر من محافظة أسوان إلى محافظة القاهرة لكى تتلقى العلاج وأحيانًا يتم احتجازها بالمستشفى لأسبوع أو أكثر وأحيانا ثلاثة أيام فقط وتعود للمنزل متابعة أنها تأتي إلى الدار عندما لا تجد مكانًا شاغرًا بالمستشفى فتبيت بالدار وفي الصباح تذهب مع ابنتها لتلقي جرعات الكيماوي.
"عبدالرازق" تقول إنها في البداية كانت تحرص على إنهاء العلاج سريعًا والعودة لأسرتها ولكن مع تكرار الأمر وجدت أنها لن تتمكن من تحمل مشقة وتكاليف السفر بشكل مستمر من أسوان إلى القاهرة ولذلك تلجأ أحيانا للحصول على خطاب من المستشفى للدار لكي تبيت لديهم خاصة إذا كانت حالة طفلتها تستدعي ذلك.
منال محمد، من المتطوعات لعمل الطعام لأحد بيوت الاستضافة، تقول إن هناك الكثير من المرضى وذويهم يأتون من محافظات بعيدة لتلقي العلاج وحالتهم الاقتصادية والصحية لا تمكنهم من السفر والمجيء إلى المستشفى بشكل دوري فيقرروا المكوث في دور الاستضافة لحين تحسن حالة ذويهم مضيفة أن هناك بيوت استضافة تابعة للجمعيات الأهلية وهناك بيوت أخرى فتحها أهل الخير لتقديم الطعام ومكان للمبيت لذوي المرضى، خاصة أهالي محافظات الصعيد وجنوب مصر.
وتابعت "وجود مستشفى لعلاج الأورام بمحافظات الصعيد سيخفف العبء عن كاهل أسر الكثير من المرضى الذين يتكبدون عناء السفر ونفقاته للمجيء إلى القاهرة وتلقي العلاج ومعظمهم يبيت أمام المستشفى لأنه لا مكان له بالقاهرة".
أما شيرين المصري، مدير دار الأمل، لاستضافه مرضى الأورام، قالت إن الدار تابعة لمؤسسة الأبناء المخلصين، وتقوم على تبرعات أهل الخير، مضيفه أن هناك اتفاق بين الدار و معهد الأورام ومستشفى 57357 على تحويل الحالات التي تأتى من المحافظات البعيدة لتلقي العلاج وليس لها مأوى في القاهرة أو قدرة على المبيت فى أحد الفنادق فيأتون إلى الدار بخطاب التحويل من المستشفى ومحدد به فترة إقامتهم فى الدار بناء على فترة تلقيهم للعلاج.
"المصري" قالت إن كل طفل مسموح له بمرافق واحد فقط ويجب أن تكون امرأة لأن الدار مخصص للسيدات فقط مضيفه أن هناك دور أخرى تابعة لبعض الجمعيات كجمعية الأورمان ويكون بها جزء مخصص للسيدات وجزء للرجال.
"المقيمين بالدار لهم إقامة وتنقلات كاملة" هذا ما قالته المصري، مضيفة أن هناك وسيلة نقل خاصة بالدار تأخذ المرضى وذويهم كل صباح لتلقي العلاج في المستشفى ثم تعود لتأخذهم مرة أخرى للعودة للدار.
وعن النظام الغذائي لهم قالت "المستشفى مدينا تعليمات نسير عليها ففي الصباح لابد أن يتناول الأطفال كوب اللبن مع الفول والجبن أو البيض وفي المساء لابد من كوب الزبادي مع الجبن أو البيض أما وجبة الغداء فلابد أن تحتوى على لحوم أو أسماك وخضار"، مضيفة أن كل هذه الخدمات تقدم مجانًا للمرضى وذويهم.
مدير دار الأمل قالت "إن الدار يحرص من وقت لآخر على الترفيه عن الأطفال وإقامة الحفلات والأنشطة الترفيهية لكى نخفف عنهم رحلة العلاج وندخل عليهم السرور، مضيفه أنه رغم كثرة المرضى الذين يتلقون العلاج في مستشفى 57357 ومعهد الأورام إلا أن عدد دور الاستضافة مازال محدودًا ولكن بالتنسيق مع المستشفى والمعهد اللذان لديهما قائمة بدور الاستضافة الموجودة نحاول مساعدة أكبر عدد من المرضى".