"نشيد للحفاظ على البطء " هذا ما اختاره الشاعر عبدالرحمن مقلد عنوانا لديوانه الأول وكأنه بذلك يصف تجربته مع الشعر فما بين ديوانه الأول والثاني ست سنوات، ولكن بالرغم من ضألة إنتاجه الشعري والذي صدر منه ديوانين حتى الآن " نشيد للحفاظ على البطء" و"مساكين يعملون في البحر" إلا أنه استطاع أن يفرض اسمه بقوة كأحد أهم كتاب قصيدة التفعيلة الشباب، فاز ديوانه الأول بجائزة المسابقة الأدبية المركزية دورة نجيب محفوظ، كما فاز بجائزة المكتب الثقافى المصرى فى باريس لأفضل قصيدة عربية.
في حواره مع "الهلال اليوم " تحدث مقلد عن انحيازه للشعر ورؤيته لقصيدة النثر وأهم التحديات التي تواجه القصيدة الفصيحى، ومسابقة أمير الشعراء وكيف يراها، وعن مشاريعه المستقبلية، اليكم نص الحوار :
الفترة ما بين ديوانك الأول والثاني كبيرة جدًا، فهل هناك علاقة ما بين ذلك واسم ديوانك الأول "نشيد للحفاظ على البطء"؟
لا أعرف إن كنتُ أنا الكسول، أم أن الشعر يحتاج للمزيد من الوقت، فى التفكير فى النص قبل كتابته، ثم تجويده بعد كتابته، كما تجب أن تكون هناك مسافات زمنية بين النص والآخر لكى لا تتشابه النصوص.
بالنسبة لى الشعر أمر شاق، ليس فى الكتابة أبدًا، ولكن فى المتابعة والقراءة والدأب والابتعاد عن خطأ الآخرين، وإيجاد نسيج فنى خاص ورائق، كل هذا أمر يستلزم وقتا فى التفكير.
لا يغيب الشعر عن رأسى طول الوقت، وأنا أعمل وأنا أسير وأنا مع الأصدقاء، حتى وأنا نائم، فى كل هذه الأحيان أفكر وأستشرف وأستعد لساعة القنص.
كما أن الفترة التى كنت أكتب فيها الديوان الثانى تزامنت مع اندلاع ثورة يناير، وهى أخذت منا وقتًا فى العمل العام أكثر من العمل الشعرى.
هل ترى أن الشعراء "مساكين يعملون في البحر"؟
إذا فهمنا الفعل "يعملون" بمعنى "يحرثون"، فهم بالطبع كأوديسيوس الذى اختار أن يزرع حقلًا من الماء ويحرثه ويزرعه ملحًا، أفضل من أن يذهب إلى الحرب والقتال، هم من أهل البحر الذين دارت حولهم أول قصيدة فى الديوان "يعملون فى البحر" لأنهم "يَحتَمونَ من الذِكْرَياتِ بقَرع رُؤوسِهمُ فى الحِجَارِ.. وإفِراغِ أَعيُنِهم فى الصِحَافِ ليَأكُلها الانتِظَارُ.. وتَنعَدمُ الرُؤيةُ المَخمَلِيَّةُ للغَدِ".
لماذا رهانك الدائم على قصيدة التفعيلة؟
ليس لى رهانٌ على قصيدة بعينها، رهانى على الشعر فقط، حتى لو بلغة الإشارة، أكتب قصائد غير موزونة وقصائد موزونة، ما يهمنى أن يكون النص الذى كتبته شعرًا، وليس مجرد خواطر بلهاء كالتى يكتبها الكثيرون باسم قصيدة النثر وهى بريئة منها.
ديوانى الأول والثانى من قصيدة التفعيلة، ولكنها نصوص قرأها الجميع، ولم يشعروا بطنين موسيقى أو زعيق، حرصت دائما على ضبط "التون" الموسيقى، وأظن أنى نجحت لحد ما (لكى أكون متواضعًا) فى ذلك، واستفدت من الوزن العروضى فى خلق غنائية صافية شجنية تأسر من يقرأها، ولا تخرجه عن معنى النص ولا مقصوده وتجعله يلهث خلف الموسيقى فقط، وهذا من أبرز عيوب القصيدة التفعلية وعملت على تفاديه.
أظن ألا أحد سيستطيع تقطيع قصيدتى عروضيا وهو يقرأ، ولن تكون نصوصى مادة سهلة لتعلم العروض، وهذا أعتبره نجاحا.
كيف ترى قصيدة النثر؟ ولماذا اتجه أغلب الشعراء الشباب إليها؟
أرى قصيدة النثر، نصًا عربيًا راسخًا عمره من عمر قصيدة التفعلية، وتجربته واسعة كتجربة الشعر الحر، وشعراؤه رواد وكبار.
أكثر ما أكره من أمر متعلق بقصيدة النثر، هى ترويج بعض الشعراء الذين يكتبوها لإحساس المظلومية، وهو ما يظلم هذه القصيدة، ويخرجها كثيرا من مناطق الإبداع إلى مناطق الدفاع عن وجودها، وهى موجودة وراسخة ولا يستطيع أحد الآن أن يقصيها، كما لا يستطيع أحد أن يقصى النص التفعيلى أو العامودى.
يبدو أن الشكل أهلكنا دائما وأبعدنا عن التمتع بالنص، وخلق عداوات ونزاعات فيما لا يمكن أن نتنازع فيه وهو الشعر والفن عموما، كل النصوص تتجاور وهذا ليس شعارات أو كلاما أجوف، ولكنها تتجاور لدى أنا على الأقل، وأستطيع قراءتها كلها بالمتعة ذاتها، بالطبع إذا استبعدنا الخواطر واليوميات والقصص التى يكتبها البعض ويلحقونها عنوة بقصيدة النثر.
نحن الآن في عصر الرواية لا الشعر، فما ردك على أصحاب هذا الرأى؟
نحن فى زمن شعرى عربى بامتياز، نحن أمام طوفان شعرى لا يستطيع أن يستوعبه أحد، طوفان شعرى عارم ومتنوع ومختلف وطليعى ومعبر عن المآسى والزمن الذى نعيشه، طالع مثلا الكتابة الشبابية فى سوريا والعراق لتعرف أن الشعر هو ديوان العرب، ديوان المأساة والموت والمقتلة التى نعيشها.
وللأسف أكثر ما نعانيه هو غياب النقاد القادرين على قراءة المشهد الشعرى العربى ومتابعته.
إلى أي مدى تؤثر المناهج التعليمية في تلقي القصيدة؟
الحالة التعليمة فى مصر لا تخلق طالبًا مبدعا أو طليعيا أو شخصًا مختلفًا قابلًا للجديد ومتطلعًا للمستقبل، ولا حتى قادرًا على القراءة.. نحن نعيش فى بؤس كامل، انظر لحال تعليم اللغة العربية الآن، حتى مدرسيها لا يستطيعون الكتابة ولا القراءة بها فما بالك بالطلاب.
ما التحديات التي تواجه القصيدة الفصيحة، من وجهة نظرك؟
أكثر ما يهدد القصيدة العربية، هو ما يهدد العرب أنفسهم، تدهور حال اللغة العربية هو انهيار للهوية العربية.. تسييد نص متأخر عقليًا وخطاب سلفى رجعى هو هدم للوطن.. عدم الإيمان بالتطلع للغد والمغامرة وغياب آثار الفنون الحديثة فى تربية أذوقنا هو السقوط نفسه.
كيف ترى مسابقة أمير الشعراء؟ ولماذا لم تشارك فيها؟
أراها مسابقة متأخرة عقليًا وهزلية ودعائية فارغة، تُسيد نصًا تافهًا أجوف، يغيب عنه العمق، وكأنه مكتوب وفق وصفة معينة للفوز والصعود فى المسابقة، وليس نصًا حقيقيًا مبدعا.
لا أقول أن الشعراء الذين شاركوا فيها كذلك، ولكنهم للأسف يضطرون للكتابة على النمط الذى تريده المسابقة، ولو شاركوا بنصوصهم الحقيقية لما فازوا أو تأهلوا أصلا، وهم فى الأغلب يعرفون ذلك ولكن المادة التى توفرها الجائزة مغرية بالطبع فى وسط ما نعانيه، ولا ألوم من يشارك فيها أبدًا على ذلك.
فى السنة التى تخرجت فيها من الجامعة أرسلت نصًا تفعليًا للمشاركة في "أمير الشعراء" ووافقوا فى البداية، ثم لم يرسلوا لى الدعوة، وحمدت الله على ذلك لكى لا أوصم بوصم هذه المسابقة، وهو وصم لا يليق بى.
وما توقعاتك للمتسابق المصري "حسن عامر"؟
أتمنى لحسن عامر كل الخير،
بعيدًا عن المسابقة، وبعيدًا عن الأخوية التى تجمعنا، أتمنى ألا تظلم هذه المسابقة حسن عامر، وتحصره فى نطاقها الضيق وسمعتها.
حسن شاعر مهم وموهوب للغاية، ويمتلك كتابةً حقيقةً ونضجًا جيدًا ظهر فى ديوانه الجديد "أكتب بالدم الأسود"، وأنا أثق أنه يعى جيدًا أن المسابقة هذه ليست آخر الدنيا، وأن ما قدم فيها ليس أهم نصوصه، أو أكثر أصالة، خاصة وأن لديه نصا جديرا بأن يضعه على خارطة الشعر العربى الحقيقى بين أقرانه من الشعراء الشباب.
استغرقت كتابتك للديوان الثاني 6 سنوات، فمتى نقرأ ديوانك الثالث، وما هي مشاريعك المستقبلية؟
أظن أننى لن أتأخر هذه المرة كثيرا، فلدى مشاريع جاهزة، أعمل فيها، ليس مهمًا الوقت أو الكم، والأهم أن تخرج التجارب كما أتمنى.