الأربعاء 5 يونيو 2024

أربعون عاما من الإبداع.. أحمد فضل شبلول يحصد جائزة الدولة للتفوق في الآداب هذا العام

فن12-7-2019 | 23:51

حصد الشاعر المصري أحمد فضل شبلول جائزة الدولة للتفوق في الآداب هذا العام، والتي أعلنت منذ أيام قليلة، بعد أن تنافس مع 51 كاتبا وأديبا مصريا، وقامت لجنة الفحص الإنتاج الأدبي للمتقدمين باختيار أربعة كتاب من بين هذا العدد، كان شبلول أحد هؤلاء الأربعة، وفي لجنة التصويت، وهي اللجنة العليا بالمجلس الأعلى للثقافة التابع لوزارة الثقافة، تم اختياره مع الشاعر فؤاد طمان ليحصلا على جائزة الدولة للتفوق في الآداب.


وقد سبق لشبلول أن فاز بالجائزة التشجيعية في الآداب عام 2008 عن ديوانه للأطفال "أشجار الشارع أخواتي" حيث تكون التشجيعية عن عمل واحد فقط، بينما جوائز الدولة للتفوق والتقديرية والنيل تكون عن مجمل أعمال الكاتب.


ما بين التشجيعية 2007 والتفوق 2019 صدرت أعمال كثيرة للكاتب أحمد فضل شبلول، فهو لم يكتف بما تم إنتاجه قبل الحصول على التشجيعية وإنما كثف كتاباته وإنتاجه الأدبي الذي بلغ أكثر من ستين كتابا في مجمل رحلته الأدبية التي تنوعت ما بين الشعر والرواية وأدب الأطفال وأدب الرحلات والأدب الرقمي والمعاجم والصحافة الأدبية أو الصحافة الثقافية، والمشاركة في الندوات والملتقيات والمؤتمرات في مصر وخارجها، كما عمل محررا أدبيا في مجلة العربي بالكويت، ومسئولا ثقافيا لدى إحدى القنوات الفضائية، ورئيسا للقسم الثقافي في ميدل إيست أونلاين. كما شارك في التحكيم في مسابقات أدبية داخل مصر وخارجها، وترجمت بعض أعماله إلى عدد من اللغات، وأعدت عن أعماله أطروحات علمية داخل بعض الجامعات المصرية والعربية.


نسأله ما بين 2007 و2019 ماذا حدث لكي تحصد جائزة الدولة للتفوق في الآداب، وتقتنصها من بين 51 متقدما لها، فيجيب أنه لم يكن له حق الترشح لجائزة أعلى من التشجيعية إلا بعد مرور خمس سنوات حسب قانون جوائز الدولة، وفي عام 2010 سافرت للعمل في مجلة "العربي" بالكويت، وعدت بعد ست سنوات، ولم أفكر سوى في مواصلة إبداعي الشعري، فأصدرت أكثر ديوان للأطفال والكبار، وأصبح رصيدي للأطفال خمسة دواوين شعرية آخرها ديوان "أحب الحياة" الذي صدر عن دار الهلال بالقاهرة، وقصة "ملكة الفواكه" التي صدرت ضمن مطبوعات مجلة العربي الصغير، قبل توقف هدية العربي الصغير، وبلغ رصيدي في مجال شعر الكبار 13 ديوانا شعريا آخرها ديوان "اختبئي في صدري" الذي صدر عام 2017 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.


وفي هذه السنوات أيضا قررت قصيدة لي على تلاميذ المدارس السعودية وهي قصيدة "كتابي نهر معلومات" والمنشورة في ديوان "أشجار الشارع أخواتي".


وفي هذه السنوات أيضا دخلت عالم الرواية وأصدرت روايتي الأولى "رئيس التحرير" أعقبها رواية "الماء العاشق" ثم رواية "اللون العاشق".


كان هناك حراك ثقافي ومشاركات متعددة الأمر الذي دعا مجلس إدارة اتيليه الإسكندرية لأن يرشحني للحصول على جائزة الدولة للتفوق في العام الماضي، ولكنني لم أحصل عليها، فأعاد الاتيليه ترشيحي مرة أخرى هذا العام فحصلت عليها والحمد لله.


وقد كتب الاتيليه مبررات ترشيح شبلول وإصراره عليه قائلا: يعد الشاعر أحمد فضل شبلول من أنشط شعراء جيله تأليفا ومشاركة في المؤتمرات والندوات والملتقيات الأدبية والثقافية داخل مصر وخارجها، وفاز بجائزة الدولة التشجيعية في شعر الأطفال عام 2007 عن ديوانه الأول للأطفال "أشجار الشارع أخواتي" وأعقبه بخمسة دواوين شعرية للأطفال، آخرها ديوان "أحب الحياة" الذي صدر عن دار الهلال 2017 فضلا عن كتبه ودراساته الأخرى في مجال أدب الأطفال ومنها "تكنولوجيا أدب الأطفال" وهو البحث الفائز بجائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 1999 ثم طبعه في كتاب بعد ذلك صدر عام 2000 بالإضافة إلى كتابه الذي أصبح مرجعا في شعر الطفولة "جماليات النص الشعري للأطفال" وكتابه "أدب الأطفال في الوطن العربي .. قضايا وآراء" ومعجمه "معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين" وغيرها من الإصدارات سواء في مجال الطفولة أو في مجال الكتابات الأدبية العامة من شعر ودراسات أدبية ونقدية، وأدب رحلات.


كما اختير أحمد فضل شبلول عضوا في اللجنة العلمية الدائمة لمؤتمر "ثقافة الطفل بين الواقع وتحديات المستقبل" بسلطنة عمان. واختير من قبل مُحكمًا في عدد من المسابقات والجوائز المحلية والعربية في أدب الأطفال وصحافتهم، ومنها "جائزة نادي دبي للصحافة".


كما أعدت رسائل علمية ما بين ماجستير ودكتوراه عن أدب أحمد فضل شبلول آخرها رسالة الماجستير للطالبة السعودية فاطمة القرني بكلية الآداب جامعة الطائف السعودية "بنية العلامات في أدب الأطفال عند أحمد فضل شبلول".


وأخيرا ولج الشاعر أحمد فضل شبلول عالم الرواية فأصدر روايته الأولى "رئيس التحرير .. أهواء السيرة الذاتية" التي تركت أثرا كبيرا فور صدورها وكتب عنها أكثر من 30 ناقدا وكاتبا وأديبا من أنحاء الوطن العربي، وأصدر عنها الناقد المغربي البروفيسور مصطفى شميعة كتابا بعنوان "رئيس التحرير .. سيرة الرواية ورواية السيرة .. دراسات في ضوء مفاهيم النقد الحديث" يضم معظم ما كُتب عن تلك الرواية، فاختار عشر دراسات قيمة وعشر مقالات مهمة وخمس حوارات مرجعية حول الرواية أجريت مع مؤلفها أحمد فضل شبلول في منابر إعلامية مختلفة. 


يقول الناقد المغربي عن رواية "رئيس التحرير": "يمكن القول إن رواية "رئيس التحرير" هي رواية فضح للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، رواية رئيس تحرير الوعي العربي، من قبضة الخوف والارتزاق، الخوف من الأنظمة الفاسدة والارتزاق بالمبادئ والاسترزاق بالمواقف. نحن أمام عمل سردي يحيل على الكثير من الأحداث والتفاصيل، يحكي عن حرقة الكاتب الصحفي بطريقة تسائل الذات من جهة قدرتها على أن تكون في مستوى رئيس تحرير للوعي الصحفي العربي، وليس فقط رئيس تحرير مجلة ورقية. إنها بامتياز رواية لتحرير الوعي الصحفي من الكتابات الضالة المشوشة على وعينا الجمعي، وهي وإن كانت أهواء، فهي أضواء منيرة في زمن الغبن والظلام".


ثم أصدر شبلول روايته الثانية "الماء العاشق" 2018، ثم روايته "اللون العاشق .. محمود سعيد" في العام نفسه.

وفي مجال الشعر أصدر أحمد فضل شبلول خلال مسيرته الشعرية 13 ديوانا شعريا آخرها ديوان "أختبئي في صدري" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017.


وقد كتب الكثير من النقاد والدارسين والشعراء عن مسيرة الشاعر أحمد فضل شبلول الشعرية فقال الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل في كتابه "تحولات الشعرية العربية":


إن في قصيدة شبلول نفسا آخر هو الذي يمثل العصب الحسَّاس لشعر شبلول كله، وهو يتمثل في هذا التماهي بين الفنان والمكان، بحيث يصبح جمالياته هي التي تشكل وعيه، وتحدد مفردات تصوره للكون، فالإسكندرية ليست بالنسبة لفضل شبلول مجرد مكان للميلاد أو الإقامة، ولكنها وعاء روحه وجسد شعره ومجلى حياته.


إن الحس الوضيء والمشهد المتوسطي المفتوح على جمال الفضاء يمثلان الخلفية التشكيلية المنسكبة في كلمات الشاعر، والمحددة لإطار وعي قارئه بعالمه، بحيث لا تقوم أية صعوبة لحنية أو دلالية في اندماج هذين الأفقين في حضن واحد مفعم ببهجة التحرر، وحينئذ تتحقق شعرية فضل شبلول في أجمل تجلياتها الإبداعية.


وكتب عنه الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة في كتابه "أصوات شعرية مقتحمة" قائلا:

لم يكن أحمد فضل شبلول ـ في يوم من الأيام ـ مجرد واحد من أصوات الإسكندرية الشعرية المقتحمة‏، وإنما كان ـ بالإضافة الي ذلك ـ واحدا من أبرز الدارسين والباحثين ـ في جيله ـ لواقعها الأدبي والثقافي‏، قبل أن يتجاوز هذه الدائرة الجغرافية الضيقة‏، لتصبح اهتماماته وشواغله باتساع العالم العربي كله‏.‏


من هنا فإن إبداع أحمد فضل شبلول في مجموعاته الشعرية‏:‏ مسافر إلى الله‏ (1980)‏ ويضيع البحر‏(1985)‏ والطائر والشباك المفتوح‏ (1998)‏ وتغريد الطائر الآلي‏ (1999)‏ والمجموعة المشتركة‏ 'عصفوران في البحر يحترقان‏ (1986)‏ والشعر الذي كتبه للأطفال في مجموعتيه‏:‏ أشجار الشارع أخواتي‏ (1994)‏ وحديث الشمس والقمر‏ (1997)‏.


يوازي هذا الإبداع الشعري ويجاوره دراساته الأدبية والنقدية عن أصوات من الشعر المعاصر، وقضايا الحداثة في الشعر والقصة القصيرة، وجماليات النص الشعري للأطفال، وأدباء الإنترنت أدباء المستقبل، ومن أوراق الدكتور هدَّارة، وأصوات سعودية في القصة القصيرة، ونظرات في شعر غازي القصيبي، وأدب الأطفال في الوطن العربي، بالإضافة إلي جهوده في المعجمية العربية التي تمثلت ـ حتى الآن ـ في إصدار معجم الدهر، ومعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين، ومعجم أوائل الأشياء المبسط‏.‏ وفي ختام القائمة يجيء كتابه‏:‏ بيريه الحكيم يتحدث، وهو تبسيط لبعض أعمال توفيق الحكيم للأطفال‏.‏


هذا الإنجاز الإبداعي والبحثي الذي حققه أحمد فضل شبلول في عقدين متتابعين من الزمان ـ إذا اعتبرنا عام‏1980‏ بداية الانطلاق الحقيقية لصوته مع صدور مجموعته الشعرية الأولي ـ يكشف عن مدى الجهد والجلد والدأب والمعاناة في مسيرته‏، وعن كدحه المستمر في دوائر متداخلة من الانشغال الإبداعي والبحثي‏، والعودة من هذا الكدح بصيد وفير يفوق بكثير ما حققه أي من أبناء جيله ـ في الإسكندرية أو في غيرها ـ خلال هذه الحقبة من الزمان"‏.‏


وقال عنه الناقد الراحل الكبير الدكتور محمد زكي العشماوي في كتابه "شعراء الإسكندرية وتجاربهم الإبداعية": ألخص رؤيتي في ديوان "شمس أخرى بحر آخر" للشاعر أحمد فضل شبلول في كلمات فأقول لقارئ هذا الديوان: حسبك أن تقرأ قصيدة أو قصيدتين حتى تشعر أنك في حضرة شاعر مرهف الحس، رحب الخيال، خفيف الظل، صافي النبعة، صادق النبرة، ولأنه كذلك تراه يتنكَّب السبل المطروقة والقوالب المألوفة. يترفَّع عن المبتذل في اللون واللحن، وفي المبنى والمعنى، لا يتصنع ولا يتكلف أو يهوِّل عليك بالضجيج والصخب. بل هو شاعر يبثّ شعوره بالحياة بثًّا أشبه ما يكون برذاذ المطر يتساقط في سُكنة الليل على البقاع العطشى فيؤنسها ولا يزعجها ويحييها ولا يجرفها".


ويقول عنه الشاعر الكبير أحمد سويلم: "حينما نتحدث عن شبلول، فنحن أمام روافد كثيرة لطاقته الإبداعية، وأحسبه الشاعر الوحيد الذي تحيز إلى مخاطبة الحاسوب، وحاول أن يتحاور مع الأرقام، ويقرِّب لنا هذا العالم الغامض الجاف في صورة إبداعية متفردة. ولكنه على الرغم من ذلك يخبئ في داخله شعوره بالتوجس والخوف من هذا الجهاز المتوحش الذي يمكنه أن يجمِّد مشاعر الإنسان بما يحمله من الجليد والحديد".


وقال الناقد الكبير الراحل الدكتور محمد مصطفى هدارة عن ديوان "ويضيع البحر": "تابعت خطى الشاعر أحمد فضل شبلول في كتابات سابقة، وعندما جاءني ديوانه (ويضيع البحر) وأقبلت عليه اقرأ ما فيه، استبان لي أمر على جانب كبير من الأهمية، وهو ظهور البحر لأول مرة في ديوان متخصص ينعش عقل الشاعر ووجدانه وقلبه، بحيث نقول إن أثر البحر عندما نحاول أن نفتش عنه في القصة السكندرية وفي الشعر السكندري نراه قد بدا شامخا، قويا، في هذا الديوان. فهذا الديوان كله، من أوله إلى آخره، كتب في عشق الإسكندرية، في عشق حضارتها، في عشق تاريخها، في عشق حبات رمالها، في عشق شاطئها وبحرها، في عشق كل ذرة فيها".


ويقول عنه الناقد الدكتور السعيد الورقي أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة الإسكندرية: "قدم أحمد فضل شبلول في ديوانيه الأولين شعرا له عمق الفكر وبساطة التوصيل‏، مصحوبا ـ إلى حد ما ـ ببعض الابتكارات في الصياغة التي جاءت نتيجة امتزاج الشاعر لديه بالكون‏، وسعيه إلى أن يكون خالق رموزه وصوره‏، ونتيجة لاتحاد التجربة الروحية والميتافيزيقية والكيانية والمادية ـ وهكذا عرفنا شبلول شاعرا يحدث أثرا بلا ضوضاء ـ ويتابع شبلول الطائر، وجدانيته الحسية في ديوانه الجديد "تغريد الطائر الآلي" ولكن من خلال مفردات كونية جديدة تنهل من علوم الكمبيوتر والطبيعة والكيمياء والفضاء وسائر العلوم المادية الأخرى،‏ إلي جانب الطبيعة والإنسان،‏ فكأنه بهذا يقدم الطبيعة إزاء المعرفة‏، والفن في مقابل المادة التكنولوجية‏".‏


لهذه الأسباب يرشح مجلس إدارة اتيليه الإسكندرية بكل اعتزاز الشاعر والأديب السكندري أحمد فضل شبلول للحصول على جائزة الدولة للتفوق عام 2019.


نتوقف عند دخولك عالم الرواية ونسألك عن الرواية الأخيرة "اللون العاشق"، ما الذي دفعك لكتابتها وخاصة أنك تتناول فيها عالم الفنان التشكيلي محمود سعيد الذي ينتمى مثلك إلى الإسكندرية؟.


ما دفعني إلى كتابة رواية "اللون العاشق" هو حبي للفنون التشكيلية والرسم على وجه التحديد. وحبي للوحة "بنات البحري" التي شاهدتها منذ صغري في أكثر من معرض تشكيلي في الإسكندرية، وخاصة في متحف الفنون الجميلة بمحرم بك الذي كنت أتردد عليه كثيرا أثناء ذهابي لمكتبة البلدية الملحقة به واستعارتي للكتب أو أثناء إرجاعي للكتب التي استعيرها أسبوعيا من المكتبة القريبة من منزلي أسرتي في شارع الإسكندراني بمحرم بك.


 وكم تمنيت أن ألتقى صاحب اللوحة ولكن علمت أنه توفي في عام 1964 (كان عمري وقتها 11 سنة) فحفظت اسمه وبدأت أطالع المزيد من لوحاته وخاصة اللوحة الكبيرة "حفل افتتاح قناة السويس" التي شاهدتها في أكثر من مكان، منها قلعة قايتباي. ثم شهدت الأصل أخيرا في متحف محمود سعيد بجناكليس. ويبدو أن رغبة الكتابة عن محمود سعيد كانت محفورة بداخلي إلى أن وجدت الفرصة للخروج أخيرا في صورة روائية هي "اللون العاشق" والتي لم تشف غليلي في الكتابة عن هذا الفنان، لأنني توقفت عند العام 1935 أثناء إبداعه لوحة "بنات بحري" فقررت استكمال الكتابة عن الفنان وأعماله في جزء ثان حمل عنوان "وقائع الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" وقد انتهيت منه مؤخرا.


ويؤكد شبلول أن الرواية لم تشغله عن كتابة الشعر وأنه حصل مؤخرا على منحة التفرغ من وزارة الثقافة لكتابة ديوان شعر بعنوان "هوامش على دفتر العقل"  حيث لاحظ دخول العلم والتكنولوجيا في كل مناحي حياتنا بطريقة غير مسبوقة، وتحكمت شبكة الإنترنت في مفاصل تلك الحياة، وجلبت معها عصرا جديدا اتفق على تسميته بعصر "الحداثة الرقمية" وأعلن المفكرون والعلماء المعاصرون نهاية عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة، لتتسيد الحداثة الرقمية المشهد العالمي. 


وتستجيب صنوف الإبداع لعصر العلم والتكنولوجيا ومعطيات الحداثة الرقمية، ويلوح في الآفاق اتجاه جديد يختلف عن اتجاه الإبداع السابق في وصف المخترعات الحديثة الذي كان يتناول الظاهرة من الخارج ولا يقترب منها ولا يرصد وقعها على المشاعر الإنسانية.


أما الاتجاه الجديد؛ وخاصة الاتجاه الشعري الذي ندعو إليه فهو يدخل إلى قلب المنجز – أو الظاهرة العلمية – ويحاول أن يسبر أغواره ويرصد مشاعر الإنسان وانفعالاته تجاهه، وكيفية تفاعله معه، وهل يتقبله وجدانه كواقع حياتي يتعايش معه، أم يرفضه ويقاومه، وهل هذا المنجز سيحط ُّمن قيمة الإنسان أم سيعلِّي من إنسانيته؟


إن خطوات التكنولوجيا الجديدة تتسلل إلى حياتنا اليومية وتتحكم في إيقاعها وتختصر مدراج الزمن؛ هذا الزمن الذي هو أشد العناصر الحياتية وقعا على النفس البشرية، كما أنها تسهم في التصور العقلي البشري لواقعه ومستقبله على ضوء التجارب الجديدة.


ومن هنا فإنني أتطلع إلى الإسهام بتجربة شعرية جديدة ومغايرة من خلال ديوان شعر تتمحور قصائده حول هذا المفهوم، اخترت له عنوانا مبدئيا هو "هوامش على دفتر العقل" يحاول أن يجسد تلك العلاقة بين الإنسان والعلم والتكنولوجيا، ويرصد تحولات الإنسان ومشاعره وعلاقته مع الآخرين من خلال تلك العلاقة.