كتبت: يارا حلمي
مسرعا يذهب الرجل بزوجته إلى المستشفى، ممنيا نفسه بحضور ولي العهد، ذلك الذي يطلقون عليه «الحدث السعيد»، وعلى أحر من الجمر يقف الزوج على باب غرفة العمليات، يرتل كل ما يعرفه من آيات، وأدعية؛ من أجل أن يمن الله على زوجته بإنجاب الطفل المنتظر منذ 9 أشهر.
وفجأة تنفرج أبواب غرفة العمليات، ويخرج الطبيب بخطوات ثقيلة؛ ليخبر الزوج بأنه صار أبا، وقبل لحظة واحدة من قفزة الفرح التي فكر هذا الأب أن يعبر بها عن سعادته، يستوقفه الطبيب، ليغتال فرحته تماما، بخبر سخيف: «ابنك محتاج حضانة فورا»، ويرد الأب مشدوها: «وماله يا دكتور، أرجوك اعمل اللي تقدر عليه»، فيرد الطبيب وقد تملكته حالة عجيبة من الجشع المغلف بالعنجهية، والغرور: «تعالى ورايا»!!
وعلى أثر ذلك ينفرد الطبيب بالأب المسكين؛ ليعرض عليه أسعار الحضانات في المستشفى، وهنا يفيق الأب من الصدمة، ليجد نفسه مطالبا بدفع مبلغ، يتجاوز بكثير جدا قدراته المادية، وعندها يبدأ البحث عن البديل، وطرح الأسئلة: «مش ممكن ننقله حضانة في مستشفى حكومي؟»، وظاهريا لا يمانع الطبيب، لكنه يضع العراقيل قائلا: «أعتقد مش هتلاقي، حضانة فيها أكسجين خالية، في أي مستشفى حكومي، وكمان علشان تنقل الطفل من غير مضاعفات، لازم يكون في سيارة إسعاف».
وتنسد منافذ الهواء في رئتي الأب، ويجد نفسه يجيب، وقد اختنق صوته: «خلاص اللي تشوفه يا دكتور دخله الحضانة وأمري لله»، وتنتفخ أوداج الطبيب فرحا بالنصر، وهو يقول لهذا الأب: «ادفع قيمة أسبوع تحت الحساب، لحد لما نشوف هنحتاج كام يوم»، ويلملم الأب شتات نفسه، بحثا عن كل قرش يملكه، وكل شخص يمكن أن يقرضه، وهو يدعو الله، ألا يزيد الأمر عن هذا الأسبوع.
يتكرر هذا السيناريو العجيب، يوميا عشرات، وربما مئات المرات؛ في ظل انخفاض أعداد الحضانات بالمستشفيات، الحكومية على مستوى الجمهورية، وهو ما يدفع المستشفيات الخاصة، إلى التعامل مع الأمر على أنه بينزنس تجارة، وليس خدمة تقدم لمريض، وتصل أسعار الليلة الواحدة في الحضانة إلى 1000 جنيه، ببعض الأماكن.
مأساة واقعية
ويحكي أحمد عز الدين، والد الطفلة رهف، البالغة 6 أشهر، معاناته في البحث عن حضَّانة لطفلته التي ولدت غير مكتملة النمو، قائلا: « كشف الطبيب عن ضرورة وضع ابنتي في الحضَّانة بأسرع وقت، وصدمني بأنها ستموت دونها، فتواصلت مع عشرات المستشفيات الحكومية، بالقاهرة، والجيزة، ولم أتمكن من توفير مكان لابنتي في إحداها، وفوجئت بالممرضة تقول: «لا ترهق نفسك بالبحث في المستشفيات الحكومية، وتوجه لمستشفى خاص، وإلا ستفقد طفلتك».
وأضاف لـ«الهلال اليوم»: «طبيب النساء ساعدني بإرشادي إلى أكثر من مستشفى خاص، وبالفعل وجدت حضَّانة يمكن وضع ابنتي بها، لكن اكتشفت أن تكاليف الليلة الواحدة 700 جنيه، وقال الطبيب إنها تحتاج لنحو شهر، أي أن المطلوب سداده 21 ألف جنيه، فحاولت البحث في مكان آخر، لأجد أسعار مرتفعة عن ذلك، فقررت نقلها إليها».
ويواصل والد رهف: «توجهنا إلى المستشفى، وكانت الصدمة الأكبر بضرورة دفع 50% من كامل المبلغ، وقت دخول الطفلة، وتمكنت من سداد المطلوب، لكن فكرت هل كان المستشفى سيرفض استقبال طفلتي، إذا لم أتمكن من الدفع فورا؟».
50 % عجز
ويقول الدكتور عوض الفقي، استشاري طب الأطفال، وحديثي الولادة إن محافظات مصر جميعها لا توجد بها حضانات كافية لاستقبال الأطفال المبتسرين، مضيفا أن السبب الأول في قلة عدد الحضَّانات، هو تكلفة تجهيزها، التي تتراوح ما بين ٣٠٠ إلى ٦٠٠ ألف جنيه، للحضانة الواحدة.
وكشف الفقي لـ«الهلال اليوم»، عن أن النقص في الحضَّانات بمصر، يتجاوز 50٪، وهو ما يتم حسابه عن طريق مقارنة عدد الحضَّانات الموجودة، بمتوسط الاحتياج، وتابع: «عدد الحضَّانات لا يغطي نصف عدد الحالات التي تحتاجها، ولا توجد في أي من مستشفيات المحافظات، حضَّانات تكفي أطفالها، وهو أمر يستلزم التوقف عنده، ومناقشة قيادة الدولة له، وتخصيص ميزانية لتغييره».
مسؤولية الدولة
من جانبه، أكد الدكتور أحمد سيف الدين، استشاري أمراض النساء والتوليد، أن توفير الحضانات لحماية الأطفال من الموت، مسؤولية الدولة في المقام الأول، مشدد على أنها أحد أهم مسؤوليات الدولة على الإطلاق؛ لأنها لا تتعلق فقط بالصحة، أو بالحياة، وإنما ترتبط بالمستقبل بشكل مباشر.
وأوضح لـ«الهلال اليوم» أن مصر تحتل مركزا متقدما، في ترتيب الدول ذات الكثافة العالية لوفيات الأطفال حديثي الولادة؛ جراء نقص الإمكانات المادية، ثم عدم وجود تمريض مؤهل.
وعن أسعار الحضَّانات، قال سيف الدين إن نقابة الأطباء لها دور في تحديد أسعار الحضانات بالمستشفيات الخاصة، لافتا إلى أن دورها غير مفعّل في الوقت الحالي.