برغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثامن من الشهر الجاري إلغاء محادثاته مع طالبان، وسواء استبقيت القوات الأمريكية على الأراضي الأفغانية أم تمت إعادتها، فإن للاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" ترتيباتها الخاصة للعمل في هذا الميدان تفاديًا لفقدان التأثير فيه.
وأوردت دورية "فورين بوليسي" الأمريكية عن قيادات في الاستخبارات المركزية تأكيدهم وجود خطط بديلة إذا ما قررت الإدارة الأمريكية الانسحاب الكامل من أفغانستان بحلول العام القادم.
وتتمثل تلك الخطة -بحسب المصادر الاستخبارية الأمريكية التي لم تكشف فورين بوليسي عنها- في بناء ارتباطات مع قوى محلية أفغانية تعمل كوكيل للاستخبارات المركزية في عدد من المناطق المهمة في أفغانستان مثل غازني وباكتيا وخوست وهو الإقليم الذي استطاعت فيه الاستخبارات الأمريكية بناء قوة مسلحة من السكان المحليين تتألف من 6500 فرد وتدريبهم لدعم القوات الأفغانية في مناطق التماس الحدودي مع باكستان والتي تشكل المناطق الثلاث السابق الإشارة إليها معظم امتداداتها البرية.
وتدعم استخبارات الولايات المتحدة قوات مكافحة الإرهاب الأفغانية بالتمويل والتدريب اللازم برواتب مغرية وهو ما يضعها على رأس قائمة الرواتب العليا في أفغانستان؛ تقديرًا لخطورة التهديدات التي يواجهونها وهم يقومون بواجبهم.
وفي الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري ستنطلق الانتخابات العامة والرئاسية في أفغانستان وهو ما يعتبره المراقبون أمرًا مرهونًا بمدى إمكانية التوصل إلى اتفاقات بين حركة طالبان المسلحة ورئيس أفغانستان أشرف غني المُصر على المضي قدمًا في إجراء الانتخابات وتعزيز العملية الديمقراطية في البلاد، وفي المقابل تطالب طالبان بأن تكون شريكًا في حكومة انتقالية كمقدمه لإجراء أية انتخابات وهو ما يرفضه الرئيس غني.
وتعد إعادة القوات الأمريكية من أفغانستان هي إحدى الوعود الانتخابية التي قطعها ترامب على نفسه في حملة ترشحه الرئاسية في عام 2016 وهو الرجل الذي يستعد الآن لانتخابات قادمة في 2020، وتعد تلك القضية من القضايا المؤثرة على توجهات الرأي العام الأمريكي نظرًا لارتفاع عدد القتلى الأمريكيين على الأراضي الأفغانية إلى 2400 قتيل منذ بدء العمليات هناك في عام 2001.
وتشير التقارير الصادرة عن وكالة الأمن القومي الأفغانية إلى أن الجيش والشرطة الأفغانية قد خسرا أعدادًا كبيرة في مواجهات مع جماعات الإرهاب والعنف المسلح وفي صدارتها القاعدة وتنظيم "داعش" الإرهابي وطالبان على الأراضي الأفغانية.
وأشارت التقارير الأمنية كذلك إلى أن هجمات المسلحين المتشددين اتسمت بطابع المبادأة وطالت البنى التحتية لمراكز تدريب وأكاديميات الشرطة في أفغانستان بنفس القدر من العنف الذي تشهده ساحات الاشتباك الفعلي بين القوات الأفغانية وأولئك المسلحين في مناطق القبائل المحتمين بها في شرق أفغانستان.
ويرى عسكريون أمريكيون سبق لهم العمل في أفغانستان أن وتيرة العنف في هذا البلد لم تهدأ طيلة الأعوام الـ 18 التي أعقبت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وقيام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بمحاربة القاعدة في أفغانستان في عقر دارها بقيادة الولايات المتحدة.
وكشف تقرير إحصائي مؤلف من 270 صفحة أصدرته الاستخبارات الأفغانية عن وقوع 6445 هجومًا إرهابيًا من مختلف المستويات في أفغانستان خلال الفترة من أول مارس 2019 وحتى نهاية مايو وذلك بارتفاع نسبته 9 في المائة عن عدد عمليات الهجوم التي وقعت في الفترة المناظرة من العام 2018.
وطال نصف تلك العمليات الإرهابية في أفغانستان خمسة أقاليم وهي (هلمند وبادغيس وفارياب وحيرات وفرح) وذلك من أصل 34 إقليمًا تتكون منها أفغانستان.
ويقون المراقبون وصناع القرار في كابول إن بدون الدعم العسكري والمالي الذي تتلقاه الحكومة الأفغانية فلن يكون بمقدورها الصمود في معركة المواجهة مع منظمات الإرهاب، وفي المقابل يشدد المانحون على أهمية تدقيق أوجه إنفاق أموال الدعم العسكري الذي تتلقاه كابول وترشيدها من خلال شبكة قادرة على كشف الفساد وملاحقته وبما يضمن تحقيق تلك المساعدات للهدف المرجو منها في رفع كفاءة قوات مكافحة الإرهاب من الجيش والشرطة الأفغانية.
ووفقًا لتقارير صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) شهد عام 2018 نحو 192 واقعة اعتداء إرهابي على المدارس في أفغانستان وفي مقدمتها مدارس تعليم الفتيات وذلك بارتفاع عن عدد الهجمات المسجل في العام 2017 وكان 68 هجمة، كما شهد 2018 إغلاق نحو 1000 مدرسة كان معظمها لتعليم الفتيات في أفغانستان بسبب أنشطة الإرهاب التي استهدفتها.
ونوهت التقارير الدولية إلى ارتفاع وتيرة إغلاق المدارس والجامعات في أفغانستان خلال العام الجاري وهو ما يعتبره الخبراء وسيلة جديدة تعتمدها منظمات الإرهاب في أفغانستان لفرض مشروعها الهدام في مواجهة "مشروعات التنوير وبناء الدولة" التي يسعى المجتمع الدولي إلى بنائها في أفغانستان.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة فهناك سبعة أقاليم في أفغانستان لا تتلقى فيه الفتيات تعليمًا على الإطلاق في 50 في المائة على الأقل من أحيائها وهو ما زاد من مستوى تسرب الفتيات الأفغانيات من التعليم إلى 6ر2 مليون فتاه بحسب الإحصاءات الرسمية، وتؤشر الأقاليم ذات الالتحاق الأقل أو المنعدم للفتيات بالدراسة في الوقت ذاته على مستوى هيمنة التنظيمات الإرهابية في تلك الأقاليم وهو ما تؤكده علاقات الارتباط الطردي بين نفوذ تلك التنظيمات وعدد المتسربات من التعليم في تلك المناطق.