بقلم : عاطف بشاي
اشتهر بعدم قدرته على حفظ الحوار كاملاً .. كان يضيف من عنده جملاً وكلمات تؤدي نفس المعنى المقصود .. ولكن أحد المخرجين أصر على أن يلتزم بالحوار الموجود في السيناريو .. طلب منه ذلك عدة مرات ولكنه فشل . فقال له المخرج في غضب:
جرا إيه يا أستاذ .. مش قلت لك تلتزم بالحوار؟! .. إنت لازم تنفذ الأوامر .. هو أنا طرطور؟!..
فرد بسرعة: لا سمح الله .. ده إنت فوق راسنا كلنا ..
الفقرة السابقة مقتطعة من فصل بعنوان "عبد السلام النابلسي .. شهيد مصلحة الضرائب من كتاب المشهد الأخير .. مبدعون انتهت حياتهم بمأساة .. للكاتب الصحفي المميز "أيمن الحكيم" والحقيقة إنني قبل أن أقرأ ما ذكره الصديق أيمن عن مسألة عدم حفظ النابلسي للحوار تلك .. فقد استلفتني أن حوار الشخصيات المختلفة والمتنوعة التي أداها في الأفلام السينمائية ومن تأليف كتاب عديدين للسيناريو والحوار إلا أن الجمل الحوارية كانت تتسم بصبغة خاصة وأسلوب متشابه في الشكل والمضمون .. ففيها كثير من السجع أو تحوير كاريكاتيري لبعض أبيات الشعر .. وإيقاع لفظي معين .. ممزوجة بطريقة أداء تسبغ شخصيات كثير ما كانت تتصف بالحذلقة وادعاء المثقف وترفعه وغروره .. فسألت المخرج الراحل "عاطف سالم" والذي تعاون معه في عدد من الأفلام فأكد لي أن "النابلسي" لم يكن يكتف بإضافة الأفيهات الضاحكة والتعليقات الساخرة .. ولكنه كان تقريباً يقوم بإعادة كتابة حوار الشخصية التي يؤديها من جديد ذلك إنه كان من عشاق الشعر .. ويحفظ أغلب الشوقيات ويتابع بشغف دواوين "حافظ إبراهيم" و "خليل مطران" .. وكتب شعراً وكان يحث أصدقاءه على سماعه .
قرر النابلسي بعد عشرات من الأفلام الناجحة مع نجوم الخمسينيات أن ينتج فيلماً يكون فيه هو البطل فقد أراد أن يتمرد على دور السنيد .. وكان الفيلم هو "حلاق السيدات" الذي شاركه بطولته "إسماعيل ياسين" و "زينات صدقي" .. ولم يحقق الفيلم نجاحاً يذكر وخسر فيه تحويشة عمره ولكن الأدهى والأمر أنه فوجئ بإنذار يطالبه بضرورة دفع مبلغ (21) ألف جنيه فوراً .. يذكر الصديق "أيمن الحكيم" .. أن "النابلسي" أصبح مهدداً ببيع بيته في مزاد علني .. لكن في تلك الأثناء وصل إلى القاهرة صديقه اللبناني "محمد سلمان" ليتعاقد معه على فيلم يجري تصويره في "لبنان" .. ولمعت في رأس "النابلسي" فكرة إنتحارية .. ففي أيام معدودات باع شقته ومحتوياتها .. وتجمع لديه مبلغ كبير صمم على أن يخرج به من مصر قبل أن يصل إلى خزينة الضرائب .. وهداه تفكيره إلى حيلة شيطانية حين اشترى لعبة أطفال على شكل دب .. ووضع بداخلها ثمن بيته .. وأعطى اللعبة لابنة صديقه "محمد سلمان" الصغيرة (4 سنوات) وكانت الطفلة ستسافر معهما على الطائرة المتجهة إلى بيروت" .. وظل قلب النابلسي يرتفع وينخفض أثناء الرحلة .. وعيناه لا تنزلان عن الدب القابع بين يدي الطفلة..
ونجحت المغامرة .. وأودع النابلسي تحويشة العمر في بنك (إنتراه) .. واستقر به المقام في "لبنان" بعد أن تزوج .. ولكن يبدو أن رئيس مصلحة الضرائب كان قد دعا عليه في لحظة كانت أبواب السماء مفتوحة فيها .. فقد أعلن البنك إفلاسه وضاعت فلوسه عام (1968) .. وكان للخبر وقع سيئ على قلب "النابلسي: فساءت حالته .. ودخل في دوامة المرض الذي أعلن انتصاره على القلب الذي طالما ضحك .. وأضحك الملايين في يوم (6) يوليو عام (1968) ففي ذلك اليوم سكتت نبضاته إلى الأبد..