الأربعاء 5 يونيو 2024

مكاتب «بير السلم».. باب سري للإتجار بالنساء وسوق عكاظ جديد بمصر

10-4-2017 | 16:34

تحقيق: رباب الأهواني

 

"لشركة كبرى متخصصة في الاستثمار العقاري والسياحي، مطلوب فوراً سكرتيرة حسنة المظهر، لا نشترط الخبرة ولا المؤهل، فرصة لحديثي التخرج والطلبة، براتب شهري 6 آلاف جنيه! "

 

"صاحب شركة سياحية يطلب سكرتيرة للعمل معه، مؤهل عالي أو متوسط، ولا يهم الخبرة، حديثة التخرج براتب شهري 8 آلاف جنيه!"

هكذا كانت البداية،عندما لفت انتباه "الهلال اليوم" إحدى إعلانات مكاتب التوظيف على الإنترنت، لتثير الشكوك والتساؤلات حول ماهيّة تلك الوظيفة، التي لا تشترط مؤهلاً علمياً أو خبرة، ودفعنا كل ذلك إلى ضرورة البحث والتحقيق وراء تلك المكاتب والنشاط الخفي الذي تقوم به، خاصةً بعد وقوع العديد من الضحايا، وهو ما أثبتته "الهلال اليوم" من خلال مهاتفة عدد من المكاتب التي تطلب هذا النوع من الأعمال، واشتركت جميعها في انتقاء الفتيات الجميلات في سن الشباب وخاصة من 18 إلى 32 سنة، وتركزت جرائمها في ممارسة "الحب الحرام"، إما للأهواء الشخصية لأصحاب شركات ومستثمرين ورجال أعمال، أو ضمن شبكات دعارة محلية أو دولية، وذلك ضمن إحدى أشهر مظاهر الاستغلال الجسدي والاتجار بالنساء.

 

كل ذلك رفضه حقوقيون وقانونيون ومهتمون بقضايا المرأة، ضمن استطلاع للرأي أجرته "الهلال اليوم" وأجاب عن، ماذا تعني سكرتيرة خاصة؟، وما العقوبات المقررة قانوناً بحق جريمة الاتجار بالنساء؟

 

معنى سكرتيرة خاصة

وبالبحث على الإنترنت، ظهر لنا تعريف يوضح أن هناك شروط خاصة يجب توافرها في السكرتيرة التنفيذية، أو المسماه بالسكرتيرة الخاصة، وهي اكتساب التحصيل العلمي في مجال السكرتارية، والثقافة، كذلك الإلمام باللوائح والنظم المعمول بها، وتأتي اللغة كشرط ثالث؛ فلابد أن تمتلك القدرة على التحدث والكتابة بلغة البلد التي تعمل فيها.

 

ولا تقتصر شروط تلك الوظيفة على المؤهلات العلمية فقط، بل هناك مواصفات عملية أيضاً، تتمثل في القدرة على الإلمام بجميع النظم الإدارية، والمرونة في تكوين العلاقات الشخصية والعملية، بالإضافة إلى الإلمام بالأنظمة والمعلومات التشريعية والإدارية المعمول بها.

 

وبمقارنة هذا التعريف بإعلانات الوظائف، اتضح أنه لا يوجد ثمّة علاقة بينهما؛ فكل ما يربط بينهما هو التسمية فقط، لكن أحدهما يشترط المهارة والخبرة العلمية والعملية، والأخرى تهمل كل هذه الجوانب، وتركز فقط على الجوانب الشكلية كحسن المظهر وغيره.

 

محادثة هاتفية

قررنا مهاتفة أحد المعلنين لنستوضح أكثر عن طبيعة هذه الوظيفة التي يصل راتبها لأكثر من 15 ألف جنيه شهرياً دون أدنى شروط.

في البداية، طلبنا الحصول على فرصة العمل كـ "سكرتيرة خاصة" المعلن عنها، فدار هذا الحوار:"اسمك ايه؟ كام سنة؟ مؤهلك؟ آنسه ولا مدام؟"، فكان الرد:" ليلى، 24 سنة، بكالوريوس إعلام، مش محجبة وآنسة." فباغتني برده :" آسف جداً، مش عايز آنسه، عايز مدام."، فسألته:" إيه مشكلة حضرتك في الآنسه أوالمدام، أنا عندي الخبرة والمهارة الكافية في العمل، وأمتلك شهادات من أماكن مرموقه." فكان الرد:" أنا مش محتاج الخبرة ولا الشهادات، أنا عايز واحدة ست في حياتي وإنتي آنسه متنفعيش!"

 

كررنا التجربة مع معلن آخر بشأن نفس الوظيفة، ليتم سؤالي مجدداً:"اسمك؟ عمرك؟ مؤهلك؟ آنسه أم مدام؟ محجبة ولا لاء؟وهل سبق لكي العمل في السكرتارية؟"، أجبنا:"رنا، 26 سنة، بكالوريوس إعلام، لا أرتدي الحجاب، واشتغلت قبل كده في العلاقات العامة." فكان الرد:" تمام يا"رنا"، المواعيد من 9 صباحاً لـ 5 مساء براتب شهري 8 آلاف جنيه، لكن قبل كل ده إرسلي لي صورة طولية لكي، وبناء عليها سأشرحلك التفاصيل أكثر." فسألت:" هل يوفر العمل فرصة للسفر خارج مصر؟" فرد بقوله:" ابعتيلي صورتك الأول، لو كنتي حلوة هسفرك ياحبيب قلبي، لكن لو وحشه هتفضلي هنا مع الناس الفقرا!"

 

الكثير من الفتيات والنساء وقعن ضحايا لمثل هذه الإعلانات الواهية التي تستغل فقر البعض واحتياجهن للعمل تارة، وصغر عمرهن وسذاجتهن تارة أخرى، الكثيرات تعرّضن للابتزاز بصورهن الشخصية بعد تركيبها على صور عارية، وأخريات فقدن عذريتهن بعد تخديرهن، وهناك من أعجبتها الفكرة وقررت الغوص في التجربة بعد إغرائها بالمال، الغريب أن هذه الإعلانات لم تقتصر على أصحاب الأعمال والشركات من الرجال فقط، بل وصلت إلى الاستغلال من قبل نساء عربيات يعرضن المال مقابل ممارسة السحاق.

 

مصر تحصد المركز الثاني في قائمة الاتجار بالنساء!

ووفقاً لتقارير منظمات الدفاع عن حقوق المرأة العالمية، جاءت مصر في المركز الثاني، بعد أفغانستان في التحرّش الجنسي بالنساء بنسبة 64%، كما احتلت مصر المركز الثاني في قائمة الاتجار بالنساء بحسب تقرير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان.

 

الدكتور حافظ أبو سعده، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، قال:" إن توظيف النساء عن طريق الاحتيال واستغلالهم جنسياً أو تسخيرهم في ممارسة البغاء، هو لون من ألوان الإتجار بالبشر، مشيراً إلى هناك اتهامات من وزارة الخارجية الأمريكية لمصر باعتبارها دولة مرور للاتجار بالنساء من "أوزباكستان ومولدوفا وأوكرانيا وروسيا، وغيرها من دول شرق أوروبا" لنقلهن إلى إسرائيل عبر سيناء بهدف الاستغلال الجنسي."

 

وعن قانون مكافحة الاتجار بالبشر،الذي يعتبر استغلال النساء للعمل في الدعارة أحد ألوانه، قال:" إن هناك اقتراحات بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 64 لسنة 2010، لتكون الأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، بدلاً من السجن المشدد وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام شنقاً في بعض الحالات.

 

الدكتور مجدي عبد الفتاح، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، قال:" إن شركات إلحاق العمالة المصرية بالداخل والخارج تفتقر إلى الرقابة، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الشركات الغير مرخصة التي تستغل النساء باعتبارهن الفئة الأضعف في المجتمع، لافتاً إلى دور المجلس القومي للإعلام بضرورة تشديد الرقابة على جميع وسائل الإعلام وتحرّي الدقة فيما ينشر من مواد إعلانية، بالإضافة إلى دور وزارة القوى العاملة."

 

ومن جهته، قال هيثم سعد الدين، المتحدث باسم وزارة القوى العاملة:"إن الوزارة تقوم بحملات تفتيش على جميع شركات التوظيف المرخصة وتقوم بإخطار وزارة الداخلية في حال اكتشاف أي أعمال مشبوهة، مضيفاً:" أنه في حالة ثبوت صحة الشكاوى يتم إغلاق هذه الشركات فوراً."