46 عاما مضت على انتصار أكتوبر المجيد، تلك الحرب التي
تكاتفت فيها جميع أسلحة القوات المسلحة وتناغمت في تأدية مهامها، فهي كما يصفها
العسكريون "حرب الأسلحة المشتركة"، ومن بينها كان سلاح المهندسين
العسكريين الذي ساهم في بداية في بناء قواعد للصواريخ المضادة للطائرات ثم عمل
فتحات بالساتر الترابي لعبور قناة السويس.
وقال
اللواء مهندس عصام عبد الحليم المستشار بمعهد المهندسين العسكريين وأحد أبطال حرب
أكتوبر، إن انتصار أكتوبر المجيد ظهر فيه الذكاء المصري والمهارة، حيث أن الأسلحة والمعدات
العسكرية التي كانت لدى العدو الإسرائيلي كلها كانت حديثة، أما سلاح القوات
المصرية والعسكرية كان من أسلحة حارب بها الاتحاد السوفييتي خلال الحرب
العالمية الثانية في أوائل الأربعينيات.
وأضاف "عبد الحليم" في
حديثه لـ"الهلال اليوم"، أن فارق عمر الأسلحة وصل إلى 40 عاما وكان كبيرا،
إلا أن القوات المصرية عوضت هذا الفارق بتدريبها ومهاراتها وروحها القتالية، مؤكدا
أن هناك ثلاثة عوامل أدت لنجاح مصر في حرب أكتوبر؛ "أولها" الوحدة الوطنية التي تجلت
تماما خلال سنوات الاستعداد للحرب فلم يكن هناك فارقا بين مسلم أو مسيحي.
وأكد أن "العامل الثاني" هو التدريب الجاد للقوات في الشهور السابقة للحرب، و"العامل الثالث" هي روح الأبوة والعلاقة الحازمة بين الضباط والجنود المشاركين في الحرب، فرغم
أن بعض الجنود كان أكبر سنا من الضباط لكن العلاقة بينهما كانت نموذجا للاتحاد والحزم.
وتخرج عبد
الحليم في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1968 وثم الكلية الفنية العسكرية عام
1969، وشارك في حرب أكتوبر برتبة رائد في كتيبة الفرقة 19 مشاة.
وعن دور سلاح
المهندسين العسكريين في حرب أكتوبر، أكد عبد الحليم أن هذا السلاح كان له دور كبير منذ حرب الاستنزاف، حيث كان العدو الإسرائيلي يشن غارات بطائراته على كل أنحاء
جمهورية مصر العربية، فأرادت مصر بناء قواعد صواريخ مضادة للطائرات غرب القناة؛ لقطع يد إسرائيل، وتم ذلك بمشاركة سلاح المهندسين العسكريين وشركات القطاع المدني التي أنشأت هذه القواعد بخرسانة مسلحة.
وأكد أنه
مع زيادة عدد القواعد أصبح الأسبوع الأخير من شهر يونيو عام 1970 هو أسبوع تساقط
طائرات الفانتوم الإسرائيلية، وفي 30 يونيو 1970 كانت ذروة الطائرات التي تم
إسقاطها فأصبح هذا اليوم هو عيد الدفاع الجوي، مضيفا أنه في بداية خدمته كان
التدريب على عبور القناة في منطقة الخطاطبة على النيل، فأتقنت القوات عملية
العبور.
وتابع: "نجاح السيطرة المصرية على سيناء كان نتيجة تشارك جميع القوات "الجوية والبحرية
والمشاة والمدرعات"، مضيفا أن سلاح المهندسين العسكريين ساهم في النجاح في
عبور القناة وإنشاء رؤوس الكباري بعمق 15 كيلو في سيناء".
وأضاف: "طوال فترة الاستعداد لحرب أكتوبر في السنوات الست بعد نكسة 1967، تعاونت القوات
المسلحة عبر سلاح المهندسين العسكريين مع شركات القطاع العام لإنشاء
"براطيم" والتي كانت عبارة عن متوازي مستطيلات من المعدن يحمل على
سيارات "لوري" تسمح بعبور القوات المصرية على قناة السويس، كما شارك
المهندسون العسكريون في تعديل صفات السيارات اللواري لتحميل هذه البراطيم".
وأوضح أن
سلاح المهندسين ساهم أيضا في بناء شبكة طرق و"مدقات" غرب قناة السويس بالتعاون مع
شركات القطاع العام، فوصلت الطرق الطولية والعرضية إلى نحو ألفي كيلو أي ضعف
المسافة بين الإسكندرية وأسوان لكي تحركها القوات المصرية غرب القناة للعبور.
وأشار إلى
أنه تم تعلية الساتر الترابي غرب القناة ليكون أعلى من الساتر الترابي شرق القناة
الذي أنشأته إسرائيل، مؤكدا أن الهدف من هذه التعلية هو أن تسيطر القوات المصرية
تكتيكيا ومعنويا، وهذا كله ساهم فيه المهندسين العسكريين خلال فترة التمهيد للحرب.
وخلال
الحرب كان دور هذا السلاح بارزا في عملية العبور، حسبما يؤكد عبد الحليم، قائلا" "عبور المشاة بالقوارب كان لا بد أن يتبعه عبور الدبابات للقناة على الكباري
العائمة والمعديات، وكان لا بد من عمل فتحات في الساتر الترابي بمدافع المياه، حسب
فكرة اللواء باقي زكي يوسف من خبرته في بناء السد العالي".
وأضاف: "هذه الطريقة نجحت في عبور أربع فرق مشاة من الخمس التي شاركت في عبور القناة والتي
كانت أمام الساتر الترابي بطبيعة رملية، أما النقطة الخامسة في القطاع الجنوبي من
قناة السويس قرب مدينة السويس في مواجهة الفرقة 19 مشاة، كانت أرض طفلية طينية فلم
تنجح مدافع المياه في فتح الثغرات في الساتر في 6 أكتوبر".
وأوضح أن
المشاة نجحوا في عبور الساتر في هذه النقطة ويؤدوا مهمتهم بنجاح في عمق سيناء بنحو
15 كيلو، مضيفا "كنت حينها قائد سرية في كتيبة مهندسين الفرقة 19، وفجر يوم 7
أكتوبر كُلفت أن أخرج بسريتي وأفتح الساتر الترابي باستخدام المفرقعات بمواجهة
الكوبري الذي ستعبر عليه الدبابات، وقام أيضا رئيس مهندسين الفرقة المقدم فاروق
علي المليجي باستخدام المفرقعات في عمل فتحة باستخدام المفرقعات أمام الكوبري الذي
ستعبر عليه المدفعية، ونجحت الدبابات والمدفعية في اللحاق بمشاة الفرقة 19 في 7
أكتوبر".
ووجه
رسالة للشعب المصري، قائلا: "لا تقلقوا من العمليات الإرهابية، لأن الشعب المصري
تعرض لهذه الأعمال في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات واستمرت لسنوات حتى
تم القضاء عليه، وسننجح الآن في دحر الإرهاب".
وأكد أن روح حرب أكتوبر لا تزال تتجسد في المشروعات التنموية التي تنفذها الدولة في الوقت الحالي، والتعاون بين القطاع المدني والقطاع العسكري متمثلا في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإداراتها، مثمنا جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في متابعة تنفيذ المشروعات التنموية القومية وبناء مصر الحديثة.