برهنت أوراق القضية المقيدة برقم 2926 لسنة 2013 كلي شرق القاهرة، والمعروفة إعلاميًا باقتحام السجون والحدود الشرقية، عن تفاصيل تآمر جماعة الإخوان الإرهابية على ثورة 25 يناير، وإسقاط الدولة المصرية لصالح تنفيذ مخطط باتفاق دولي سبق تلك الأحداث بـ6 سنوات، أثبته القضاء في حكمه النهائي الصادر بالمؤبد لمحمد بديع، و10 آخرين، والمشدد 15 سنة لـ8 متهمين.
وكشف القضاء تفاصيل تلك المؤامرة بسند ودليل من عشرات الوثائق والتقارير من الجهات المختلفة، بالإضافة إلى تسجيلات المكالمات الهاتفية بين المتهمين وعناصر خارجية، وفيما بينهم، والتي تمت بإذن من النيابة العامة، فضلًا عن عشرات الشهود من كبار قيادات الدولة السابقين والمعاصرين للأحداث في قطاعات الشرطة والقوات المسلحة ووزارة الخارجية.
بدأ المخطط التآمري الإثاري في التشكل ضمن مخطط دولي لتقسيم مصر والمنطقة العربية لدويلات صغيرة على أساس مذهبي وديني وعرقي، منذ عام 2005 من خلال نشاط منظمات أجنبية تعمل لإثارة الرأي العام المصري ضد نظام الحكم القائم بالبلاد تستهدف تجنيد شباب مصري للاحتجاج والتظاهر، وتدريبهم في بولندا والقاهرة لمواجهة الشرطة والحشد والاحتجاجات.
وتبنت المخابرات الأمريكية، خطوات المؤامرة عبر برنامج "الديموقراطية والحكم الرشيد"، من خلال مؤتمر نظمته بمجموعة الدراسات الأمريكية ببروكسل، أصدرت في ختامه توصيات للحكومة المصرية بضرورة السماح لجماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في الحكم، بعد اتفاق بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية على تنفيذ تلك المؤامرة وعقب إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، كونداليزا رايس عن الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد.
توافقت تلك المخططات مع رغبة التنظيم الدولي الإخواني في السيطرة على الحكم بمشاركة، منتهزة تصريحات "رايس" بـ"أن الخوف من وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة لا يجب أن يكون عائقًا أمام الإصلاحات السياسية بالمنطقة العربية"، وقامت الجماعة بعقد عدة لقاءات بالخارج مع قيادات حركة حماس، وقيادات التنظيم الدولي؛ تناولت خطوات تنسيق العمل المشترك بينهم في كيفية الإعداد المسبق والتحرك لتغيير النظام الحاكم في مصر و تقديم حركة حماس الدعم اللوجستي والعسكري لتنفيذ المخطط.
وكشفت التحقيقات عن ظهور اسم المتوفي محمد مرسي عيسى العياط، بصفته التنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين بالبلاد (عضو مكتب الإرشاد والمسئول عن القسم السياسي بها منذ عام 2009 وحتى يناير 2011) كمسئول عن عقد اللقاءات التنظيمية بين العناصر القيادية للجماعة بالبلاد والعناصر القيادية بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بالخارج، وكذا علاقات الجماعة بالمنظمات الأجنبية والمسلحة بالخارج ومن بينها حركة المقاومة الإسلامية حماس بقطاع غزة؛ حيث عقدت سلسلة لقاءات تنسيقية بالداخل والخارج خلال الفترة من 2005 إلى 2010 رصدتها الأجهزة الأمنية.
وثبت من أوراق القضية - التي فصلت فيها المحكمة بالإدانة - أن أحد المنتمين لحركة حماس نشر تحريضًا على اقتحام السجون المصرية وخطف الضباط والجنود المصريين العاملين بسيناء، وقتلهم زاعمًا أنهم "خونة وعملاء"، وذلك عبر رسالة بعنوان "لقد جاوز الظالمون المصريون المدى وآن للمقاومة أن تقول كلمتها"، مستعرضًا خطواته للتآمر ، واستطردت رسالة التحريض بخطوات تتضمن "فتح بوابة المعبر ليتمكن الفلسطينيون من السفر من وإلى قطاع غزة، وأن المصريين مجبورون على السماح للفلسطينيين بالمرور عبر أراضيها ليقصدوا بلادًا أخرى.. يجب العمل بمقتضي هذا التحذير بعد مهلة محددة وخطف جنود مصريين من مراكزهم في العريش ورفح، واعتقالهم والتحقيق معهم والقصاص منهم كعملاء وجواسيس، وأن الأمر لا يستدعي التأجيل ولا التأخير.
ويأتي عام 2010، بوصفه الإعداد للأحداث اللاحقة، خاصة بعد تولي المدان محمد بديع عبد المجيد سامي، منصب المرشد العام وانتهاج الجماعة الإرهابية توجيهات التنظيم الدولي بمنهج الفكر القطبي (نسبة إلى سيد قطب) المتشدد في تنفيذ مخططاتها السياسية داخل البلاد للاستيلاء على الحكم، واتخاذ العنف والإرهاب وسيلة لتنفيذ أهدافهم تحت ستار الغطاء الديني حتى لو بالتحالف المرحلي مع أعداء الدين الإسلامي لتحقيق أهدافهم، وهو ما يتطابق مع أفكار العناصر الجهادية والتكفيرية بسيناء وكذا أفكار ومنهاج ومصالح حركة حماس.
وبدأت الجماعة الخطوات التنفيذية لإحداث الفوضى في مصر، واتفق مكتب الإرشاد مع التنظيم الدولي للجماعة وقيادات حركة حماس والعناصر البدوية التكفيرية بمعاونة بعض الدول الأجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، وقطر) على تنفيذ مخطط يستهدف إحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في مصر تحقيقًا لأهدافهم بغرض إسقاط الدولة المصرية ومؤسساتها لوضع نظم جديدة بالمنطقة تكون مرتبطة بها وتخدم مصالحها ومصالح الدول الأجنبية ولاستقطاع جزء من الأراضي المصرية بمحافظة شمال سيناء لتوطين الفلسطينيين المقيمين بقطاع غزة.
وأثبتت وثائق القضية - التي فصلت فيها المحكمة - تكليف كتائب "عز الدين القسام" - الجناح العسكري لحركة حماس - بتنفيذ المخطط المتفق عليه مع الجماعة بالتعاون مع ما يسملا بجيش الإسلام بفلسطين، والتوحيد والجهاد، والجماعات التكفيرية بسيناء، في سبيل اجتياح الحدود الشرقية للبلاد واقتحام السجون المصرية لتهريب العناصر التابعة لهم وإحداث الفوضى.
وتولت تلك الجماعات تدريب عناصر الجماعة المسلحة التي ستشارك في إحداث حالة الفوضى وارتكاب أعمال عدائية وعسكرية داخل البلاد، وبدأت جماعة الإخوان تنفيذ ذلك المخطط باستثمار حالة السخط والغضب الشعبي على النظام القائم آنذاك ومراقبة ما تسفر عنه الأحداث للتدخل في الوقت المناسب لإحداث حالة من الفوضى العارمة من خلال الاستعانة بعناصر حركة حماس وتنسيق العمل في كيفية الإعداد المسبق لتنفيذ غرضهم للوصول إلى الحكم.
ورصدت الأجهزة الأمنية، لقاءات أعضاء الجماعة والمسئولين بحركة حماس، وسفر العديد من أعضاء جماعة الإخوان لغزة عبر الأنفاق للحصول على دورات تدريبية عسكرية على فنون القتال وحروب العصابات واستخدام الأسلحة النارية في معسكرات حماس بغزة، ومنها مخيم "الشاطئ".
واتضحت صور الاتفاق بين جماعة الإخوان الإرهابية وحماس على تبعات إسقاط النظام المصري من خلال لقاءين رصدتهما الأجهزة الأمنية خلال 2010 أولهما في لبنان على هامش المشاركة في ملتقى دعم المقاومة العربي بالعاصمة بيروت، واجتماع آخر في نوفمبر بالعاصمة السورية دمشق.
وكشفت أوراق القضية عن وثيقة تمثل تحريات أحد ضباط قطاع الأمن الوطني التي أكدت المؤامرة على الدولة المصرية في طور التنفيذ من الجماعة، والتي دعمتها تسجيلات المحادثات الهاتفية التي حصل على إذن بها، بين المتوفى محمد مرسي، مع عضو التنظيم أحمد عبد العاطي، والذي كان متواجدًا في تركيا آن ذاك، حول لقاء شخص أسماه رقم (1) قبل إجراء المكالمة بيوم وسأله مرسي عما إذا كان هو ذات الشخص الذي اِلتقى به في مصر فأجابه عبد العاطي بأنه ليس هو ذاته بل أنه رئيسه، وقرر له عبد العاطي انزعاج بعض الأشخاص بالخارج، وسأله مرسي عن السيناريو المحتمل فأجابه عبد العاطي أنهم حددوا عشرة مطالب فإذا لم يتم الاستجابة لها سيحدث السيناريو الكبير وأن الناس ستستجيب لهم لكونهم القوة الأكبر وسيكون هناك تحرك من ثلاث دول ستتولى تحريك الأمور، وطالبه بضرورة أن يكون الأشخاص المتفق معهم سلفًا في صدارة المشهد عند حدوثه، ورد عليه مرسي أنهم ما زالوا يدرسون الأمر وسيصلون إلى قرار، وأبدى محمد مرسي تخوفه من انتقال الجماعة إلى مراحل غير مخطط لها جيدًا وأن الجماعة حاليًا في مرحلة أسلمة المجتمع والتي تسبق مرحلة التمكين ثم الوثب على السلطة، فأكد له عبد العاطي أن التغيير قادم لا محالة، واستفسر منه محمد مرسي عما إذا كانت المخابرات التي يتعاملون معها لديها معلومات عن حادث كنيسة القديسين والجهات القائمة على تنفيذه فاستبعد عبد العاطي ذلك الأمر.
كما أبدى مرسى له قلقه من كون المخابرات التي يتعاملون معها على علاقة بجماعات أخرى غيرهم بمصر فقرر له أحمد عبد العاطي أنه حتى وإن وجدت تلك العلاقة فلن تكون بنفس الثقل الذي يجمع علاقتهم بها، وسأله مرسي عن القوة التي تستطيع فتح قنوات اتصال مباشر مع ما أسماه (قوة عبر الأطلنطي) فأخبره عبد العاطي بأن دولة تركيا هي القادرة على ذلك لكون هذا الأمر يعزز من موقفها بالمنطقة، وأشار إلى لقائه السابق برجب (والذي أكدت التحريات أن المعني هو رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي آنذاك) وطلب منه مرسي تدبير موعد للقائه أيضاً، كما أكد عبد العاطي أن دولة قطر ترغب في أن يكون لها دور مرسوم وأنها تملك المال والإعلام وأنهم سوف يساهمون فيما سيحدث في مصر كما ساهموا فيما حدث في تونس.
وفي يوم 25 يناير شبت مظاهرات احتجاجية بمختلف المواقع الحيوية بالقاهرة والعديد من المحافظات ضمت مختلف القوى السياسية من أحزاب المعارضة، تطالب بالقضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين ورفع الحد الأدنى للأجور وضبط الأسعار ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية وإلغاء قانون الطوارئ وحل مجلس الشعب وإجراء انتخابات نزيهة وتحقيق الديموقراطية وتنحي القيادة السياسية وعدم توريث الحكم.
ورصدت الأجهزة الأمنية يومي 26، 27 يناير اتصالات بين حركة حماس الفلسطينية وبدو سيناء ودخول بعض العناصر المنتمية لحماس إلى سيناء عبر الأنفاق بين غزة والحدود المصرية، والاتفاق مع البدو يوم 27 يناير على إمدادهم بالسلاح والذخائر مقابل قيامهم بتهريب عناصرهم من السجون.
وبالفعل قام البدو بتهيئة المناخ لقدوم العناصر الفلسطينية بضرب قسم شرطة الشيخ زويد والمناطق المحيطة بالأنفاق الحدودية بالقذائف حتي لا تقترب قوات حرس الحدود أو الشرطة منها وتم تهريب الأسلحة والذخائر والألغام والمفرقعات من غزة للبدو، كما قامت كتائب عز الدين القسام بنشاط عسكري بالجهة الأخرى من الحدود حتي لا تتدخل قوات حرس الحدود.
وفي ذات التوقيت، تربصت جماعة الإخوان بالموقف وراقبت الأحداث انتظارًا للوقت المناسب لتنقض على الأحداث وتدفع بعناصرها في الميادين وتُحول المظاهرات السلمية إلى مصادمات دامية مع رجال الشرطة تنفيذًا لمخططهم في نشر الفوضى واتفاقهم مع هيئة المكتب السياسي لحركة حماس وقيادات التنظيم الدولي، وصولًا إلى يوم الجمعة 28 يناير "جمعة الغضب" لتحقيق هذا الغرض بتصعيد العمليات التخريبية إلى مختلف مرافق الدولة.
وشملت شهادات الضباط أنه خلال إيداع المقبوض عليهم من قيادات جماعة الإخوان للسجون، تنفيذًا لقرار وزير الداخلية، قال المتهم عصام العريان "أنه رئيس الجمهورية القادم وأنهم لن يمكثوا بالسجن سوي أيام معدودة.. إحنا مش هنطول عليكم كلها 24 أو 48 ساعة ونخرج"، كما قرر المتهم حمدي حسن لضابط الأمن الوطني أنهم لن يبقوا في السجن إلا ليوم واحد وسيغادرونه في اليوم التالي على الأكثر، وأنهم سيمضون ليلتهم في تشكيل الحكومة وسيقومون بإلغاء مباحث أمن الدولة.
وتزامنًا مع الأحداث خلال يناير 2011 وقبل تخلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن السلطة، أوردت أوراق القضية ما ثبت من اتصالات بين قيادات حركة حماس وجماعة الإخوان الإرهابية، وبالتنسيق مع قيادات الجماعة في عدد من الدول العربية والأوربية، حول إجراءات تصعيد داخل مصر، وإفشال أي حوار ينشأ بين السلطة والمعارضة.
وأثبتت وثائق القضية أن جماعة الإخوان نظمت تواجدها في الشوارع خلال وقت المليونيات بنحو 45- 50%، وفي الأوقات العادية 60% صباحًا، و70% ليلًا، والمستشفى الميداني دعماً وأطباء وصيادلة 80%، والخدمات والإعاشة بنسبة 70%، بالإضافة إلى مجموعات لإجهاض أي هجوم من خارج الميدان.
وفي ذلك الوقت، حركت حركة حماس مجموعاتها الإرهابية المسلحة على الحدود المصرية مع قطاع غزة، وانتشرت عناصر لكتائب القسام على طول محور فيلاديلفيا، لتأمين عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى الأراضي المصرية من قطاع غزة، وقاموا بإمداد البدو والعناصر الجهادية بجبل الحلال (شمالي مدينة العريش) بالسلاح والذخائر وقذائف الأر بي جي، لمواجهة الأمن المصري ومحاولة السيطرة عليه وارتكاب الجرائم التي أدانتها المحكمة بعقوبات للمدانين فيها، وصولًا إلى اقتحام منطقة سجون أبو زعبل، ووادي النطرون، لتهريب المسجونين وإحداث تلفيات وسرقة محتويات السجون، وذلك باستخدام الأسلحة النارية واللوادر لفتح البوابات الرئيسية.