أكد السفير الدكتور محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق أهمية القمة الثلاثية السابعة بين (مصر - قبرص - اليونان) لأمن واستقرار ورفاهية دول منطقة البحر المتوسط، والتي تستضيفها مصر الثلاثاء المقبل برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومشاركة الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياد، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، موضحًا أن هذه اللقاءات تُعد أداةً فاعلةً لتعزيز التعاون، خاصة في مجالات التنمية والاقتصاد والطاقة.
وقال السفير حجازي، إن القادة سيسعون من خلال القمة إرسال رسالة خير ونماء، ودعوة للاستقرار والبعد عن دعم الإرهاب والتطرّف والعنف، وبحث الاستفادة من هذا التقارب والتواصل لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والاستفادة من ثرواتها لمصلحة شعوب البلدان الثلاثة.
واعتبر أن حرص قادة مصر وقبرص واليونان على انعقاد هذه الاجتماعات -بانتظام وبالتناوب- يؤكد أن هذه الآلية من التعاون تحقق أهداف الأطراف الثلاثة وفِي مقدمتها أمن واستقرار البحر المتوسط، وتهدف لتعزيز علاقات التعاون الأمني والعسكري والمناورات المشتركة وكذلك في مجال الطاقة، منوهًا بأن الرئيس القبرصي كان قد استقبل الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي في سبتمبر الماضي وأجرى مباحثات لتوطيد العلاقات بين البلدين في مجال الدفاع والأمن.
ونوه بأن العلاقات بين مصر وقبرص واليونان قد اكتسبت عمقًا وبعدًا استراتيجيًا، وذلك بفضل دعوة مصر لإنشاء منتدى غاز المتوسط، فضلًا عن أن هذه الآلية الثلاثية أتاحت الفرصة لدراسة سبل التوسع والتطور التدريجي في هذا المجال فصار المنتدى أول منظمة للطاقة في البحر المتوسط بأكمله وليس في الجزء الشرقي منه فحسب.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق قائلًا: "التقارب المصري اليوناني القبرصي فتح آفاقًا جديدة وسوقًا متكاملة للغاز في شرق المتوسط، ذلك كان أحد أهداف مصر في دعوتها لإنشاء هذه السوق للاستفادة من خيرات المنطقة والموارد والخبرات المشتركة لتحقيق النفع والرفاهية للشعوب".
ولفت إلى ما قاله وزير الطاقة اليوناني أن هذا المنتدى، أي هذه السوق المتكاملة للغاز، يُعد إنجازًا يستحق الكفاح من أجله لاسيما أنه يحدد عملية التوفيق بين المصالح المختلفة لدول الإقليم بشكل تتحقق فيه الفوائد المشتركة دون السعي لفرض إرادات أو استغلال ثروات.
ونوه السفير حجازي كذلك إلى أهمية التعاون بين مصر وقبرص واليونان في مجال النفط، حيث تعمل العديد من شركات تلك الدول في تجارة النفط الخام المصري وتشارك بفاعلية في قطاع النفط والغاز المزدهر، خاصة أن اليونان وقبرص أصبحتا مركزًا مهمًا لنقل وتداول الطاقة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الإنتاج والإسالة في شرق المتوسط، وبالتالي يمكن تحديد العديد من الأهداف التي تسعى مصر إليها من خلال آلية التعاون الثلاثي.
ولفت إلى بُعد آخر من خلال هذا التقارب الثلاثي وهو أن مصر عندما تعزز آليات الحوار مع قبرص واليونان فهي تعزز كذلك آليات الحوار مع الاتحاد الأوروبي من خلال التواصل مع أحد الأطر المهمة والمؤثرة في الإطار المتوسطي بمنظومة الكتلة الأوروبية، منوهًا بأن مشروع منتدى شرق المتوسط للغاز يلبي احتياجًا استراتيجيًا ومهمًا لأوروبا من الطاقة.
ورأى أن هذا التعاون الثلاثي في شرق المتوسط يأتي في توقيت مهم تشهد فيه المنطقة تهديدات متعددة وقلاقل، ويتيح للدول الثلاث تبادل الرأي لتقديم إسناد للحل السياسي بشأن القضايا المطروحة على الساحة سواء كانت قضايا تتعلق بالمنطقة العربية مثل القضية الفلسطينية والنزاعات في سوريا وليبيا، أو ما يتعلق بقضايا منطقة المتوسط من الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى القضية القبرصية وملف التعاون مع الاتحاد الأوروبي.
ولفت السفير محمد حجازي إلى وجود أبعاد متعددة لآلية الحوار الثلاثي المصري القبرصي اليوناني، كونه فرصة للتشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية ويُعد كذلك أداة للاتفاق على المشروعات التنموية وإزالة المعوقات، حيث إن القادة الثلاث، منذ القمة الأولى بالقاهرة في نوفمبر 2014 وحتى القمة السادسة في أكتوبر 2018 بجزيرة كريت اليونانية، اتفقوا على العديد من المشروعات وعلى العمل معًا لإزالة المعوقات وتنفيذ مشروع منتدى شرق المتوسط للغاز.
وشدد على أهمية استمرار المناورات العسكرية بين الدول الثلاث؛ لحماية مصادر الطاقة وفِي نفس الوقت تعزيز آليات التعاون الأمني والدفاعي ومواجهة المخاطر المُحدقة بالإقليم وعلى رأسها خطر الإرهاب.
ورأى أن هذا التعاون المُشترك يؤسس لتعاون مهم في مجال السياحة والنقل، مؤكدًا ضرورة انعقاد اللجنة الثلاثية للسياحة والنقل على نحو منتظم كما تم الاتفاق عليه في القمم الماضية بشأن المشروعات المشتركة والتي شملت عدة مجالات منها الزراعة والاستزراع السمكي والسياحة والطاقة والنقل البحري.
واعتبر السفير حجازي أن ما تم الاتفاق عليه في القمة السابقة عام 2018 بجزيرة كريت نحو إنشاء سكرتارية تنفيذية لهذه الآلية مقرها قبرص أصبح أمرًا ضروريًا وعاجلًا حتى تتم متابعة وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
وذكر السفير حجازي بما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي أن هذا التعاون يُعد آلية وكيانًا دائمًا منفتحًا بين البلدان الثلاثة، فهو تعبير عن الرغبة في إنشاء نواة لتعاون أكبر في حوض البحر المتوسط وبين المنطقة وشركائها الأوروبيين، وأن آلية التعاون الثلاثية أو منتدى المتوسط للغاز من الممكن أن يستقطبا دولًا أخرى؛ فهو إطار ومنتدى غير موجه ضد أحد بل على العكس هو أداة من أدوات تحقيق الاستقرار الإقليمي المنفتح على كل البلدان الراغبة في تحقيق أمن واستقرار البحر المتوسط.
كما نوه إلى أهمية التذكير بالروابط الثقافية والحضارية والتراثية التي جمعت مصر دومًا بأبنائها من الجاليات القبرصية واليونانية، مشيرًا إلى مبادرة الرئيس السيسي "العودة إلى الجذور" التي تهدف في المقام الأول إلى تكريم تلك الثقافات الأجنبية والمجتمعات التي عاشت على أرض مصر لعشرات السنين وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع وأسهموا في إثرائه بثقافتهم وبتنوعهم الحضاري، خاصة في الإسكندرية والمدن الساحلية.
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق إنه من خلال هذا التواصل الثقافي والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، والاستفادة من الموارد والخيرات المشتركة، فقد قدمت مصر وقبرص واليونان نموذجًا جديدًا لأمن المتوسط الذي كان دائمًا منبعًا للحضارة وأساسًا للعلم والمعرفة تشاركت فيه الثقافات المصرية واليونانية والقبرصية معًا لصياغة جزء مهم من تاريخ البشرية، وأسهموا إسهامات كبرى في مسار الحضارة الإنسانية.
يذكر أن مصر تستضيف الثلاثاء المقبل القمة المصرية القبرصية اليونانية السابعة، والتي عقدت نسختها الأولى في نوفمبر 2014 بالقاهرة، ونسختها الأخيرة في أكتوبر من العام الماضي بجزيرة كريت اليونانية.