قال
خبراء سياسيون إن هناك عدة محاور للتحرك المصري لمواجهة أزمة سد النهضة بعد تعثر المفاوضات،
وإعلان الحكومة المصرية وصول هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، موضحين أن أول هذه المحاور
هو تفعيل إعلان المبادئ والذي نص على وجود وسيط في حالة النزاع أو عدم الوصول لاتفاق.
وأكدوا
أنه يجب التمسك بتفعيل المادتين الخامسة والعاشرة من اتفاق المبادئ بشأن سد النهضة،
وأن مصر حرصت على التفاوض المباشر في هذه الأزمة إلا أن الجانب الإثيوبي كان متعنتا،
موضحين أن دخول وسيط رابع أو عرض الأمر أمام مجلس الأمن أو مجلس السلم والأمن الأفريقي
هي كلها حلول مقترحة قد تلجأ لها الحكومة المصرية.
وتنص
المادة الخامسة من إعلان المبادئ، الموقع بين قادة مصر وإثيوبيا والسودان في مارس
2015، على مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، عبر تنفيذ توصيات لجنة الخبراء
الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات
الموصي بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع.
والاتفاق
على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات
المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد، وكذلك قواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي
يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر، وإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة
تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
وجاء
نص المادة العاشرة من الإعلان والخاصة بمبدأ التسوية السلمية للمنازعات، بأن تقوم الدول
الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات
أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات
أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء
الدول أو رئيس الحكومة.
التمسك
بتفعيل اتفاق المبادئ
من
جانبها، قالت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية، إن التمسك باتفاق المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا
بشأن سد النهضة في الوقت الراهن هو أمر ضروري بعد فشل المفاوضات في هذه الأزمة في ظل
التعنت الإثيوبي.
وأوضحت
في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أنه يجب تفعيل مواد الاتفاق وخاصة المادتين
5 و10، حيث تنص المادة الخامسة على مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، والمادة
العاشرة على مبدأ التسوية السلمية للمنازعات وإحالة الأمر إلى الوساطة في حالة فشل
المفاوضات في الوصول إلى اتفاق.
وأشارت
إلى مصر يمكنها التحرك أمام مجلس السلم والأمن الإفريقي أو مجلس الأمن الدولي لأن هذه
القضية خطر يهدد حياة المصريين، إلى جانب التعاون مع منظمات المجتمع المدني العالمية
المعنية بقضايا الأمن الإنساني، مضيفة إن شروط البناء تتنافى مع الأمن الإنساني لشعبي
السودان ومصر.
وأكدت
أهمية دعم السودان في إجراء دراسات فنية مرتبطة بتأسيس سد النهضة وخاصة في ما يتعلق
بجفاف نهري "عطبرة" و"القاش" والتأثير الإستراتيجي على السودان،
موضحة أن إثيوبيا تجاوزت القانون الدولي في ما يتعلق بحقوق الدول المتشاطئة على نهر
دولي واحد، ومشيرة إلى أن اللجوء إلى القانون الدولي هو أحد محاور التحرك في الوقت
الراهن.
دخول
وسيط أحد الحلول
ومن
جانبه، قال الدكتور رمضان قرني، خبير الشئون الأفريقية، إن المصريين ينظرون لنهر النيل
تاريخيا على أنه أصل الحضارة ، فإذا كان نهر النيل يمثل لإثيوبيا مصدر للتنمية والطاقة،
فهو أصل الحياة في مصر، مشيرا إلى أنه حينما تحددت حصة مصر بنهر النيل عبر الاتفاقيات
التاريخية الموقعة كانت واضحة بشكل كبير ضمن اتفاقيات وقعت مع الدول ومنها إثيوبيا
مع الإمبراطور منليك.
وأضاف
في تصريح لـ"الهلال اليوم"، إن رفض إثيوبيا للاتفاقيات التاريخية هو حديث
مغالط ويخالف الواقع التاريخي، فضلا عن أن هناك مبدأ في الاتحاد الأفريقي وهو موروثية
هذه الاتفاقيات التي تمت في الفترة الاستعمارية وخاصة اتفاقيات الحدود، والتشكيك في
هذه الاتفاقيات يفتح بابا من الجدل داخل القارة بأكملها.
وأكد
أن حصول مصر على حصة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، كان عندما بلغ عدد سكان مصر
حينها قرابة 40 مليون نسمة لكن الآن فالعدد يقارب مائة مليون نسمة ومن ثم دخلت مصر
مرحلة الفقر المائي، والتقليل من هذه الحصة هو أمر في غاية الخطورة لذلك أكدت مصر أن
قضية مياه النيل هي حياة ووجود.
وأشار
إلى أن مصر بدأت المفاوضات بروح التعاون والعدالة والقواعد القانونية والأعراف الدولية
المنظمة للأنهار الدولية، وكان الحرص المصري أن تكون المفاوضات مباشرة مع الطرفين الإثيوبي
والسوداني ولم تكن هناك رغبة في خروج المفاوضات عن هذه الأطراف، مضيفا إن إثيوبيا شرعت
في بناء سد النهضة تحت عدة مسميات في 2011.
وأضاف
إن هذه الفترة كانت مصر تعاني من حالة غياب الدولة، كما أن توقف المفاوضات والمباحثات
جاء في الفترة التي تعيشها السودان منذ أكتوبر 2018 حتى اللحظة الراهنة، مشيرا إلى
أن هذه التوقيتات تؤكد عدم وجود حسن نية لدى الجانب الإثيوبي، فيما أكدت مصر مرارا
مبادئ حسن النية وروح التعاون وهو ما نص عليه اتفاق المبادئ.
وأكد
أن المادة الخامسة من اتفاق المبادئ تتناول عن عملية إدارة السد، إلا أن الطرف الإثيوبي
قدم رؤى مخالفة عما تم الاتفاق عليه في 2015، مشيرا إلى أن البيان المصري أمام البرلمان
وعقب المفاوضات يوضح أننا أمام أفق مسدود من المفاوضات مع الطرف الإثيوبي.
وأشار
الخبير السياسي إلى أنه بالرغم من ذلك لا تزال مصر في مرحلة المفاوضات ولم تنسحب منها،
ولا تزال تعلي قواعد القانون الدولي، ولا زال أمامنا ثلاث آليات تتحرك بصددها مصر،
مضيفا إن الآلية الأولى هي الدعوى لاجتماع تساعي لوزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة
مخابرات الدول الثلاث.
وتابع
أن هذا الاجتماع ربما يكون خطوة للدعوة إلى قمة رئاسية في الفترة المقبلة، لأن القضية
هي قضية سياسية وليست فنية، مضيفا إن الآلية الثانية وهي وفقا لاتفاق المبادئ والمادة
العاشرة دخول وسيط رابع، في ظل التصريحات الأمريكية بالدعوة لروح التعاون في المفاوضات
وترحيب مصر بهذا الطرح، واحتمالية دخول الطرف الأمريكي كوسيط، والذي قد يكون أحد حلول
الأزمة إذا فشلت الحلول المباشرة.
وقال
إن الطرح الدولي للقضية أمام مجلس الأمن وعرض مدى إضرار هذه الأزمة بحياة المواطنين
والأمن الإقليمي المصري والشرق الأوسط وحوض النيل ككل هو الآلية الثالثة، مؤكدا أن
الطرف الإثيوبي لا زال يؤكد أن هناك مفاوضات، ومن المهم تفعيل الآلية السياسية ما قد
يؤدي للوصول إلى توافقات وتفاهمات جديدة احتراما لاتفاق المبادئ الموقع في 2015.