الأربعاء 29 مايو 2024

اختلاف ثقافة الجمهور عن الماضى أحد الأسباب .. من المسئول عن اختفاء الأعمال الاستعراضية؟!

11-4-2017 | 09:29

تحقيق: عمرو والي

أحدثت الأعمال الاستعراضية تأثيراً حيوياً فى التراث الفني المصري، وساهمت فى تطوير الرقص والغناء، وأخرجت للساحة السينمائية والدرامية كبار المبدعين على كافة المستويات، وخلال الآونة الأخيرة توارى هذا النوع من الفن بما أصبح يثير الكثير من علامات الاستفهام، لاسيما مع تخصيص ميزانيات ضخمة من جانب المنتجين لأعمالهم خاصة فى الدراما التليفزيونية ... «الكواكب» حاولت التعرف على أسباب غياب فن الاستعراض فى الوقت الراهن والمسئول عن ذلك وكيفية النهوض به ودور الجمهور في فرض نموذج فنى أو تهميشه وتجاهله كل ذلك من خلال المتخصصين عبر السطور القادمة.

مكونات أساسية

المنتج عصام شعبان يقول: إن الأعمال الاستعراضية فى مختلف دول العالم حالياً تمر بأزمة، حيث تواري هذا الشكل قليلاً، حتى أن السينما الأمريكية تراجعت عن تقديم مثل هذه النوعية من الأعمال، وذلك جراء التكاليف الإنتاجية الباهظة، والتي تفوق الميزانيات الحالية للمسلسلات أو الأفلام لارتباطها وتشعبها بعناصر مختلفة من ديكور، وملابس، وإضاءة، وتصميم رقصات، وهي تكلفة فى النهاية قد لايستطيع المنتج تحصيلها عند العرض.

وأوضح شعبان أن العمل الاستعراضي يكون قائماً علي الغناء والاستعراض بشكل رئيسي فى الأحداث كالسيناريو والحوار، وأن يكون وجوده مبرراً، ولا تستقيم الأحداث بدونه، وهي عوامل من الصعب توافرها فى عمل واحد، بالتزامن مع ندرة الفنانات اللاتي يجدن هذه المهارة من رقص وغناء معاً.

وأضاف شعبان أن انتشار الفيديو كليب، والبرامج الغنائية، والقنوات الغنائية أثر بشكل كبير علي هذا النوع من الأعمال، وأصاب المشاهد بالتشبع وبالتالي فإن تقديم فكرة مبتكرة ومبهرة يظل عائقاً فى ظل الثورة التكنولوجية المتجددة يومياً، وإيقاع العصر السريع، وانتشار وسائل الترفيه المختلفة.

وأوضح شعبان أن ثقافة السينما والدراما لدى الجمهور المصري باتت مختلفة عن الماضي والمزاج العام للشارع المصري أصبح متغيراً باستمرار، وقد لا يتفق مع طبيعة تلك الأعمال، ولكن يظل ظهور عمل استعراضي بالمعني المعروف أمراً قائماً بشرط إذا اختلفت الظروف الحالية، فى ظل ارتفاع الأجور، والمواد الخام وغيرها من الأساسيات اللازمة لتقديم عمل فني، مع الوضع فى الاعتبار أن الأزمة تزداد صعوبة حال تسويق العمل بمزيد من الدعاية وماشابه.

مخاوف القرصنة

المنتج محمود شميس يرى إن إيقاع العصر اختلف، والدخول فى تجربة تقديم عمل استعراضي حالياً مخاطرة غير محسوبة العواقب لاسيما وأن ثقافة الجيل الذى نشأ وتربى على أعمال غنائية واستعراضية لكبار النجوم يختلف تماماً عن الجيل الحالي، لافتاً إلى أن مثل هذه النوعية تحتاج وقتاً طويلاً فى الإعداد لبروفات الأغاني والفرق الاستعراضية، وساعات متواصلة من التدريب، ووجود بطل وبطلة لهما مواصفات خاصة ويتحملان مسئولية عمل متكامل.

وأضاف شميس أن خوف المنتج نفسه من استعادة أمواله التي قام بصرفها على إنتاج هذا العمل خاصة مع القرصنة المستمرة والمتكررة لأي عمل فني جديد، فى الوقت الحالي سواء فى السينما أو التليفزيون أو الألبومات الغنائية تظل إشكالية يجب وضعها فى الإعتبار.

التجديد والتطوير

ويشير المخرج وائل فهمي عبد الحميد، إلى إن فكرة الاستعراض بشكل عام فى السينما أو الدراما فقدت جاذبيتها وجمهورها لأنها مرتبطة بنوعية الفنانات اللاتي يقدمنها، لافتاً إلى أن الأمر يعتمد فى الدرجة الأولى على اللياقة البدنية للنجمات، بالإضافة إلى الفنان الشامل الذى يستطيع أن يرقص ويغني، موضحا أنه بفقدان صفة الإتقان فى التجهيز، وثقة المنتج الذي يضخ أمواله لخدمة العمل فقد العمل الاستعراضي أهميته، خاصة أنه يحتاج إلى وقت ومجهود كبير فى التحضير لهذا العمل وفقاً للمعايير الخاصة به والتي تختلف عن أي عمل فني آخر.

وأضاف عبد الحميد أنه مع تركيز الأعمال الفنية فى السينما والدراما على رصد الواقع واشكالياته فقط في أطر بعيدة عن الاستعراض، أدي إلى ابتعاده عن سلم الأولويات.

وأكد عبد الحميد أن السر في نجاح الفوازير التي قدمها والده الراحل المخرج فهمي عبد الحميد على مدار 15 عامًا، يكمن في أنَّه كان حريصًا على التجديد والتطوير فيها كل عام، والاقتراب من أفكار ومشاكل البسطاء، وذلك حتى لا يقع في فخ التكرار، حتي لا يمل منها الجمهور، وينصرف عنها وعنه، لافتاً إلى أن الاستعراض بالأساس عمل شاق، ويحتاج إلى فنان مخلص له كما كان الحال مع شيريهان ونيللي، اللتين أخلصتا له، فكان نصيبهما الاستحواذ على حب الجمهور والنقاد.

فقدان الحماس

فيما أكد الموسيقار حلمي بكر أنه لا يوجد من يؤمن بهذا الفن ويتميز فيه وفي كل عناصره، خلال الوقت الراهن، مما يعيق ظهوره، خصوصا أن نجوم الغناء لا يتحمسون له، فى ظل التركيز علي الفيديوكليب، والانتشار الواسع للفضائيات.

وأضاف بكر أنه على مستوى الألحان نجد أن ثمة فارقا كبيرا بين تلحين أغنية عادية وتلحين استعراض، وهو ما لا يتوافر إلا نادرا، بالإضافة إلى أنه لايوجد فنان على وجه الأرض قد يغامر بأمواله لعمل لا يؤمن به فى الأساس.

كوادر شابة

ويتساءل الناقد الفني طارق الشناوي قائلاً: إنه قبل السعي لبحث تنفيذ عمل استعراضي، يجب طرح تساؤل فى غاية الأهمية، وهو من من النجمات فى الساحة حالياً قادرة علي تقديم مثل هذا اللون من الفن الغائب منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن العدد محدود للغاية، خاصة أن من أهم المواصفات هو القدرة على الغناء والرقص، فى قالب درامي سواء فى السينما أو التليفزيون، موضحاً أن الفنانة شريهان أعلنت عن عودتها مرة أخرى للساحة بعمل فني، وقد يكون بداية لعودة هذا الشكل الفني، من فنانة ظلت غائبة لفترة طويلة.

وأضاف الشناوي أن مصر مليئة بالكوادر الفنية من إخراج وتصوير وموسيقي وديكور، لافتاً إلى أن مخرجين مثل طارق العريان، وشريف عرفة، وهادي الباجوري، ساندرا نشأت يمتلكون الحس الفني العالي الذي يمكنهم من تقديم الاستعراض بشكل مميز، لافتا إلى أن أيمن بهجت قمر على مستوى الكتابة قادر على تقديم عمل فني من هذا النوع خاصة أنه يكتب مؤلف الأغاني، لافتاً إلى أن الأعمال الاستعراضية تصدى لها قديماً كتاب من الطراز القدير مثل عبد السلام أمين، وصلاح جاهين، وغيرهما، أما على مستوى الموسيقي فهناك الكثير ممن لديهم الموهبة فى تقديم ألحان واستعراضات راقصة، ولكن يبقي وجود المنتج المتحمس للاستعراض، والرغبة الحقيقية من صناع أي عمل كتابة واخراج وتمثيل فى تقديم عمل حقيقي يواكب العصر الراهن وجمهوره.

وأوضح الشناوي أن روبي ودنيا سمير غانم، إذا فقدتا بعض الوزن، قادرتان على تقديم هذا اللون خاصة وأن لهما تجارب سابقة فى الغناء وإصدار أغاني خاصة بهما لاقت نجاحاً بين الجمهور، مشدداً على أننا نفتقد هذا اللون بشكل واضح، منذ أن قدمت نيللي وشريهان أعمالهما الشهيرة.

وأشار الشناوي إلى أن التكلفة المادية المرتفعة تظل عقبة، لاسيما مع فترات التحضير الطويلة التي تحتاجها هذه الأعمال من تدريب على الرقص والغناء والدراما القوية الجاذبة، كذلك أجور العازفين، والتقنيات الصوتية، إضافة إلى عامل هام للغاية وهو تغير نمط المتلّقي فالجمهور أصبح يشاهد أفلاماً من كل أنحاء العالم على الإنترنت، عكس الماضي فلم يكن سوى الإذاعة أو التليفزيون فقط.

غياب المهارة

وفى نفس السياق ترى الناقدة الفنية خيرية البشلاوي أن تقديم الاستعراض فى الأعمال الفنية يخضع لرغبة المنتج والشركة المنتجة فى المقام الأول، مشيرة فى نفس الوقت إلى أن المال أو الإنتاج ليس هو العامل الرئيسي فى غياب هذا النوع، خاصة وأنه فى النهاية يعد صناعة كاملة قائمة بذاتها من تصميم رقصات، ومطربين ومطربات، وعروض، وغناء، ودراما تستطيع أن تعبر عن أفكار تتضمن هذا الإطار حتي ينصهر فى قالب واحد يمكن أن يخرج عملاً ذات قيمة فنية عالية وينجح بجدارة لدى الجمهور، في النهاية هو أمر بالغ الصعوبة فى الوقت الراهن، ويحتاج إلى صبر ومثابرة ممن يرغب فى تقديمه إن وجد.

وأضافت البشلاوي إلى أن الاستعراض بشكله الحقيقي غاب عن السينما لفترات طويلة، كما أن الأعمال التي تم تقديم الاستعراض فيها خلال العقد الأخير لا تكاد تتخطي أصابع اليد الواحدة، فما هو الشكل أو الرؤية التي قد يتحملها فى تقديم عمل درامي مكون من 30 حلقة علي سبيل المثال؟، وهناك نقطة هامة وهي عدم تحقيق هذا النوع من الأعمال للنجاح الجماهيري الواسع، وهو ما يفسر إحجام المنتجين عنه.

وأكدت البشلاوي أن السينما فى هوليود وبوليوود قدمتا النموذج والمستوى الاحترافي فى أبهر صوره على كافة المستويات من رقص وغناء وتنظيم واستعراض وفكرة وإضاءة، يجب طرح تساؤل هام هل يمكن أن نقترب من هذا المستوى؟ أعتقد أن الإجابة «لا»، وبالتالي هناك حالة من الجفاف الفني نحتاج لإحيائها فكرة جذابة، وتدريب مستمر حتي يتم تقديم عمل يحترم فكر المتلقى، ويثرى وجدانه، ويحقق له الإبهار.

طفرة تكنولوجية

وترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن الأعمال الاستعراضية في حاجة إلى إمكانات تكنولوجية وخبرات كبيرة غير متوافرة في مصر. كذلك يجب أن يبدأ الاستعراض اليوم من حيث انتهى الآخرون، فلا يمكن تجاهل الطفرة التي حدثت في العروض الاستعراضية في العالم خاصة الولايات المتحدة والهند، وأوروبا.

وأضافت موريس أن هناك أعمالاً فنية سواء مسرحيات أو أفلاماً أو مسلسلات موجودة لدى منتجين كثر، تحتاج إلى تمويل لترى النور، ولكن الظروف المالية لا تسمح بذلك، مشيرة إلى أن عدم تنفيذها هو السبب الرئيسى في انصراف المؤلفين عن خوض تجربة الكتابة الاستعراضية لأن الكاتب لا يريد أن يضيع وقته في أعمال لن يراها، موضحةً أن الجمهور حاول خلال السنتين الماضيتين تصنيف مسلسلات على أنها أعمال استعراضية أو مشابهة مثل «نيللي وشريهان» لدنيا وإيمي سمير غانم.

توحيد الجهود

وفي نفس السياق قال الدكتور سميح شعلان، عميد المعهد العالي للفنون الشعبية سابقاً، إن الأعمال الاستعراضية اختفت جراء الظروف الإنتاجية السيئة التي تمر بها، لاسيما وأنها تحتاج إلى تكاليف باهظة أكبر مما هو مخصص الآن للاعمال الفنية بشكل عام، لأن وجود عناصر الموسيقي والحركة والأداء والصوت والرقص والديكور والإكسسوارات والأزياء، كلها تشكل أعباء إضافية كبيرة على المنتج، بالإضافة إلى أجور الفنانين التي وصلت إلى أرقام فلكية.

وأضاف شعلان أن فكرة إنتاج العمل الاستعراضي تتطلب فى الوقت الحالي التعاون بين أكثر من قطاع، منها وزارات الثقافة والآثار والشباب والرياضة للابتعاد عن الأفلام المستهلكة والمكررة، خاصة أن هناك الكثير من الاستعراضات يمكن أن تعبر بشكل متميز عن تاريخ وتراث فني عريق لمصر، لافتاً إلى أن غياب المؤلفين المتخصصين فى كتابة هذا النوع تمثل أحد الأسباب الهامة فى اختفاء فن الاستعراض، خاصة وأن الكتاب أًصبحت اختياراتهم محدودة فيما يتعلق بالأنواع الدرامية المختلفة.

وأوضح شعلان أن إحياء الأعمال الاستعراضي من جديد يحتاج إلى أن يكون البناء الدرامي كله قائمًا على الاستعراض حتى لا ينفر الجمهور منه، فلابد أن يكون العمل متماسكًا ويعتمد على أشكال متنوعة من الفنون من رقص فردي وجماعي، بحيث يكون هناك توازن في الغناء والرقص والتمثيل المحترف.