قال فضيلة الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية: "إن اختلاف علماء الأمة المحمدية خاصة في الفروع والمسائل الاجتهادية ميزة كبيرة، ونعمة عظيمة؛ رحمة من الله تعالى لها، وسعة في أمر حياتها وآخرتها، وسهولة في شئون معاشها وارتياشها".
وأضاف د. عاشور -في كلمته بالمؤتمر العالمي للإفتاء الذي بدأت فعالياته اليوم- أن الوقوف على قواعد إدارة الخلاف الفقهي والعمل بها سمات حضارية تساعد العلماء المتخصصين في التعامل مع واقع الأمة المعاصر؛ حيث نشأ عن غياب ذلك جماعات التطرف والإرهاب والتيارات المتشددة التي تُضَيِّق على الناس دينهم ودنياهم.
وعن المعيار للاختلاف الفقهي المحمود وغيره من الاختلاف المذموم أوضح فضيلته أن الأول يبني ولا يهدم، ويجمِّع ولا يُفَرِّق، ويُعَمِّر ولا يُدَمِّر، ويجعلنا نرتقي في إدارة اختلافاتنا بما فيه مصلحة الإنسان بمراعاة أحواله من حيث القوة والضعف.
ولفت الدكتور مجدي عاشور النظر إلى أن الاختلاف في الفروع والمسائل الظنية سنة كونية وضرورة حياتية وإرادة شرعية، وهو منقول ومشهور منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملا وتقريرًا، ومأثور عن الصحابة والتابعين وعلماء الأمة على مر العصور.
وأضاف أن الخلاف المعتد به هو الذي يصدر من المتخصصين في علوم الشريعة ويستند إلى الأدلة والقواعد، وينبني على أصول الاجتهاد ومدارك الأحكام، وهذا النوع يندرج تحته ما لا يحصى من المسائل.
وأوضح د. عاشور أن المجتهدين لم يروا أنفسهم مصدرًا من مصادر التشريع، ومن ثَمَّ لم يُقدِّسهم أحدٌ أو يرفعهم عن البشريَّة، فَضْلًا عن أنهم بناءٌ متكامل مع مَنْ سبَقَهم، فلا يَدَّعون التفرد أو الانعزال أو التعالي أو الخروج عن المنهج أو المدرسية التي تربوا عليها.
وعن دور المناظرات والمؤلفات في إدارة الخلاف الفقهي أكد فضيلته أنها قد مثلت أرضًا خصبة لتكوين الملكات وبناء الأفكار، ومجالًا واسعًا لتمرين طلاب العلم على التفقه ومراتب الأدلة وإيراد الحجج والبراهين، والتحلي بأدب العلماء وأخلاقهم في الاتفاق والاختلاف والمناظرة، والوقوف على معرفة طرق الفقه ومآخذ الأحكام والأدلة، واستعمال الأقيسة والفروق الفقهية.
ولفت د. عاشور النظر إلى أن الاختيار الفقهي والتلفيق وتغيير المسلك تعد من أهم الإجراءات التي قررها الفقهاء في إدارة الخلاف الفقهي في مجال التقليد والإفتاء والحكم القضائي في مرحلة ما قبل الفصل في الدعاوى.
وأضاف أن لولي الأمر في جانب السياسة الشرعيَّة سلطة تقييد الخلاف الفقهي ورفعه بالاختيار من بين الآراء والمذاهب المتنوعة فيما يراه محققًا للمصلحة سواء من حيث الفعل أو الترك، أو ما يتعلق بشخص الفاعل وصفته أو بزمانه أو بمكانه، ثم إلزام الكافة بهذا الاختيار وفقًا لمقتضى الصلاحية التي خولها إياه الشرع الشريف، ومن ثَمَّ يصبح نافذًا، واجبًا في العمل، رافعًا للخلاف في عين واقعته؛ امتثالًا لا اعتقادًا من جهة المخالف.
واختتم فضيلته كلمته قائلًا: "إن الفقهاء قد صاغوا آلية منظمة لإدارة الخلاف الفقهي من خلال وضع عدة قواعد أصولية وفقهية تناولت مبحثي الاجتهاد والتقليد ومتعلقاتهما وأحكام كلٍّ منهما من شانها حفظ صفوفهم من تبادل دعاوى الاضطراب والفوضى جراء تغير الاجتهاد في المسائل، كما قرروا عدة قواعد في خصوص الخلاف الفقهي ضابطة لإجراءاته ومسائله ومقاصده".