مرور قرن ونصف على افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية، بعد إزالة الحاجز عند السويس وتدفق مياه البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، ليجعل مصر أول بلد حفر قناة عبر أراضيه بهدف تنشيط التجارة العالمية، نظرا لموقعها الجغرافي الفريد.
وتعتبر القناة أقصر الطرق بين الشرق والغرب، فهي قناة ملاحية دولية هامة تربط بين البحرين الأبيض المتوسط عند بور سعيد، والأحمر عند السويس، كما تعتبر الملاحة فيها الأكثر أمانا والأوفر وقتا بالمقارنة بالقنوات الملاحية الأخرى.
وبعد مرور 146 عاما، سجل التاريخ مرة أخرى قيام أحفاد من حفروا قناة السويس بالسخرة عام 1869، بإنشاء قناة جديدة موازية عام 2015 بطول ازدواج قدره 72 كيلومترا ، باكتتاب مصري خالص من الكيلو 60 إلى الكيلو 95 ( ترقيم القناة )، لتعظيم الاستفادة من القناة وتفريعاتها الحالية، وتحقيق أكبر نسبة من الازدواجية لتسيير السفن في الاتجاهين دون توقف في مناطق انتظار داخل القناة، مما يقلل زمن عبور السفن المارة، ويزيد من قدرة قناة السويس الاستيعابية لمرور السفن، وذلك في ظل النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية في المستقبل.
وإنشاء قناة السويس وقناة السويس الجديدة وارتباطهما بمشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، رفع درجة الثقة في القناة كأفضل ممر ملاحي عالمي وقلل من قيمة التفكير في قنوات بديلة تنافسية بالعالم والمنطقة ، كما رفع درجة الثقة في استعداد مصر لإنجاح مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، مما ينعكس على زيادة الدخل القومي المصري من العملات الأجنبية ، فضلا عن إتاحة عدد هائل من فرص العمل للشباب المصري وخلق مجتمعات عمرانية جديدة.
وترجع فكرة ربط البحر المتوسط مع البحر الأحمر عن طريق قناة، إلى 40 قرنا مضت ، بحسب ما أشارت إليه الدراسات التاريخية بدءا من عصر الفراعنة ومرورا بالعصر الإسلامي وحتى تم حفرها، فأول قناة اصطناعية على سطح الكوكب حفرها الفراعنة لتربط بين نهر النيل والبحر الأحمر، حيث أظهر النقش الموجود في قبر رجل الدولة ويني الذي عاش خلال الأسرة السادسة من المملكة القديمة (2407-2260 قبل الميلاد ) الكثير عن القناة المصرية وأسباب إنشائها، ومازال الدارسون مختلفين حول ما إذا كانت المجاري المائية المذكورة في هذه النقوش تجري بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر أم لا.
وجاءت أول الجهود المبذولة لبناء قناة حديثة، من قبل حملة نابليون بونابرت على مصر، الذي أمل في أن يسبب المشروع مشكلة مدمرة للتجارة الإنجليزية، وقد بدأ هذا المشروع في عام 1799 من قبل تشارلز لوبير، ولكن سوء الحسابات قدرت أن الفرق في المستوى بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر كبير جدا (قدر أن البحر الأحمر أعلى بنحو عشرة أمتار من البحر الأبيض المتوسط) ، وبالتالي فإن حفر القناة يجعل مياه البحر الأحمر تتدفق إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي عام 1833، جاء مجموعة من العلماء الفرنسيين المعروفة باسم "سان سيمون " إلى القاهرة وأبدت اهتماما خاصا بمشروع قناة السويس ، بالرغم مما سبق من أسباب توقف المشروع ، وفي عام 1835 قتل الطاعون عددا كبيرا من المجموعة فعاد معظم المهندسين إلى فرنسا وتركوا وراءهم العديد من المتحمسين للمشروع ، ومن بينهم كان فرديناند ديليسبس (الذي أصبح فيما بعد نائب القنصل الفرنسي في الإسكندرية) والمهندس الفرنسى لينان دى بلفون.
وفي باريس قامت مجموعة سان سيمون بإنشاء رابطة عام 1846 لدراسة إمكانية حفر قناة السويس مرة أخرى، وفي عام 1847 أكد بوردالو أنه لا يوجد فرق حقيقي في المستوى بين البحرين المتوسط والأحمر، ووضع لينان دى بلفون التقرير الفني، ولكن مع الأسف كان هناك قدر كبير من المعارضة البريطانية لهذا المشروع ، كما أن محمد علي حاكم مصر إنذاك كان مريضا في هذا الوقت وكان أقل تحمسا.
وفي عام 1854، نجح الدبلوماسي الفرنسي المهندس فرديناند ماري ديليسبس في حشد اهتمام نائب الوالي سعيد باشا للمشروع ، وفي عام 1858 تشكلت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وحصلت على امتياز لحفر قناة وتشغيلها لمدة 99 عاما على أن ترجع ملكيتها بعد ذلك إلى الحكومة المصرية.
وتأسست الشركة على أنها مؤسسة مصرية خاصة ويملك معظم أسهمها مستثمرون مصريون وفرنسيون، وفي عام 1875 قامت الحكومة البريطانية بشراء أسهم الحكومة المصرية.
وأشارت الدراسة التجريبية بضرورة إزالة 2,613 مليون قدم مكعب من التراب، بما فيها 600 مليون من اليابسة ، و2,013 مليون تكريك من المياه، ومجموع تقديرات التكلفة الأصلية هي 200 مليون فرنك.
وعندما واجهت الشركة مشاكل مالية للتمويل، اشترى الخديوي سعيد باشا 44% من الشركة للإبقاء على تشغيلها ، ومع ذلك كان البريطانيون والأتراك يشعرون بالقلق من هذا المشروع ورتبوا لوقفه ولو لفترة قصيرة، حتى تدخل نابليون الثالث وبدأ حفر القناة بالفعل في 25 أبريل لعام 1859.
ومع تولي الخديوي إسماعيل عرش مصر خلفا لسعيد باشا توقف العمل من جديد، فلجأ فرديناند ديلسبس مرة أخرى لنابليون ، وتشكلت لجنة دولية قامت بمواجهة المشاكلات وفي غضون ثلاث سنوات اكتملت القناة في يوم 17 نوفمبر 1869 حيث أزيل الحاجز عند السويس وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر وافتتحت قناة السويس للملاحة العالمية.
واستغرق حفر 160 كيلومترا على طول المجرى المائي للقناة 10 سنوات مؤلمة وتطلب جهدا شاقا من قبل العمال المصريين الذين تم استدعاؤهم بمعدل ٢٠ ألفا كل عشرة أشهر من بين طبقة الفلاحين.
وبعد الانتهاء من قناة السويس، أقيم في بورسعيد احتفال كبير استمر لأسابيع ، حضره ستة آلاف متفرج ولفيف من رؤساء الدول، من بينهم الإمبراطور اوجينى وإمبراطور النمسا وأمير ويلز وأمير بروسيا وأمير هولندا، ودخلت قافلتان من السفن في القناة من المداخل الجنوبية والشمالية، والتقتا في الإسماعيلية.
وافتتحت القناة لسفن جميع الدول دون تمييز، في السلم والحرب، ومع ذلك فقد اعتبرت بريطانيا القناة ضرورية لصون قوتها البحرية ومصالحها الاستعمارية، وبالتالي فإن أحكام المعاهدة الإنجلومصرية الموقعة في عام 1936 ، سمحت لبريطانيا بالحفاظ على قوة دفاعية على طول منطقة قناة السويس، ولكن القوميين في مصر طالبوا مرارا وتكرارا بإخلاء بريطانيا من منطقة قناة السويس، وفي عام 1954 وقعت الدولتان على اتفاق يأخذ سبع سنوات ليحل محل معاهدة 1936 وينص على الانسحاب التدريجي لجميع القوات البريطانية.
واستمرت القناة تحت سيطرة البريطانية إلى أن أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميمها في عام 1956 ، ومنذ ذلك الحين تديرها هيئة قناة السويس ، التي تعتمد سياسات تسويقية مرنة لتشجيع السّفن على العبور وجذب عملاء جدد ، وفي إطار التزامها بتقديم أفضل الخدمات لتلبية احتياجات السفن والناقلات العابرة خلالها تقدم الهيئة العديد من الخدمات الإلكترونية ، ومنها خدمة مياه الشرب والترسانات والحجز الإلكتروني والخطوط الطويلة والمناقصات الإلكترونية.
وقد أغلقت قناة السويس أمام الملاحة مرتين في الفترة المعاصرة، كان الإغلاق الأول وجيزا وذلك بعد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على لمصر في عام 1956 ،وكان الدافع الرئيسي للغزو هو تأميم المجرى المائي للقناة، وأعيد فتحها عام 1957، أما الإغلاق الثاني فوقع بعد حرب يونيو 1967 مع إسرائيل واستمر حتى عام 1975 ، عندما وقعت مصر وإسرائيل اتفاق فك الاشتباك الثاني.