السبت 5 اكتوبر 2024

بصراحة عن الإرهاب!

12-4-2017 | 12:03

غصة فى القلب..وغصة فى الحلق بعد مشاهدة ضحايا كنيستى طنطا والإسكندرية.

الضحايا مصريون مسيحيون يحتفلون.. ومصريون مسلمون يحمونهم من رجال ونساء الشرطة. 
وألم يعتصر كل مصرى شريف وغيور.. ويسأل كل منا: لماذا؟!

لماذا كل هذا القتل والإرهاب؟!

والسؤال الدائر..والحائر..بين كل المصريين: ما الذى يدور بذهن الإرهابى وهو ذاهب ليقتل ويموت؟! 
شاهدنا « فيديو « لشاب يتحرك بثبات نحو بوابة الكنيسة.. وفى طرفة عين يفجر نفسه أمام البوابة!

وفى المساء شاهدنا السيد رئيس الجمهورية..ومعه مجلس الدفاع الوطني..يعزون عائلات الضحايا.. ويتوعدون بعقاب المجرمين. 
ويعلن الرئيس عن إنشاء مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب!

وسألت نفسي: ما الذى سيضيفه مجلس جديد لمجتمع يحارب الإرهاب منذ خمس سنوات..نظريا.. ومنذ ثلاث سنوات عمليا؟

هل كان لدينا نقص فى القوانين والتشريعات؟

أبدا..

هل كان لدينا نقص فى كفاءة الأجهزة اﻷمنية والأطقم المتخصصة فى تفكيك الشبكات الإرهابية؟

لا أعتقد..

هل لدينا عجز فى كفاءة المؤسسات الدينية كالأزهر فى نشر الفكر التسامحى أو التنديد بالإرهاب؟

لا أظن..فالشيوخ على المنابر والفضائيات يدينون « قتل النفس التى حرم الله « بغير حق.. ويبشرون بالفكر المعتدل.. « الوسطي» كما يقولون. 

أظن أن الموضوع أبعد من ذلك بكثير..

بنية العقل الإرهابى

هناك أعمال أدبية ونفسية كثيرة كتبت ووصفت العقل الإرهابى «.. لكن أكثرها متعة ودقة فلسفية ذلك العمل الجبار الذى كتبه الفيلسوف الفرنسى « ألبير كامو « بعنوان «المتمرد» « أو « الإنسان المتمرد».

إن « كامو» الذى يبدأ بحثه الفلسفى عن العبث والعدمية.. وعن القتل والانتحار.. يتساءل عن الفرق الجوهرى بين القاتل الذى يقتل بهدف السرقة أو الحب أو الثأر.. وهى كلها جرائم يعاقب عليها القانون.. وبين القاتل الذى يأمر بإلقاء قنابل ذرية على المدنيين بمبررات نبيلة عن القيم النبيلة للإنسانية والديمقراطية.

فالأول قاتل..وغد..فى نظر الناس والقانون..ويستأهل اللعن.

بينما الثانى هو بطل وحام للحضارة ومدافع عن الإنسانية!

إن حروب النازية حصدت أرواح ستين مليونا من البشر كل أنحاء العالم. 

إن هذا « الإفناء» المتعمد للبشرية.. كان مع سبق الإصرار والترصد..من الذين قادوا هذه الحروب التدميرية.. وخرج بعضهم مجللا بأكاليل النصر والمجد.

فالحرب تجد دوما مبررات وذرائع « نبيلة « لتبرير أفعالها الدموية.

لكن لم يسأل أحد عن بنية الانتحاري.. بنية تجد فى إفناء حيوات الآخرين وإفناء حياته تعبير عن نظرة « عدمية « للحياة ذاتها.. فالحياة لا لزوم لها فى مقابل المبدأ والقضية.

والحياة هى « واقع مادى «.. أما القضية فهى « فكرة «..

والارهابي..أو اﻻنتحاري. ينتصر وينحاز دوما للفكرة على حساب الواقع.. والواقع هنا هو « حياته «.

وحياته لن تكتسب قيمتها إلا من الفكرة.. وجوهر الفكرة هو التضحية بالحياة..

وهو لا يضحى بحياته وحده.. وإلا سينعت بالمنتحر.. أو الكافر.. 
إن انتحاره لن يكتسب قيمة.. إلا إذا « سحب « معه حياة الآخرين!

يقول « كامو «: إن القتل والانتحار هما شىء واحد.. إما أن نقبلهما معا.. أو نرفضهما معا.. لقد قدم هتلر عام ١٩٤٥ رؤية تدميرية للعالم.. بينما كان يعد هو ورجاله المجانين.. موتة « تأليهية « لأنفسهم فى عملية انتحار جماعى داخل أوكارهم تحت الأرض «.

الإرهاب موجود فى كل عصر.. وينشأ فى أى بلد..ويزدهر فى أى بيئة اجتماعية..

و لو رجعنا للتاريخ العربى - الإسلامى سنجد فرق الخوارج التى تقتل كلا من لا يقول بكفر على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان.. حتى لو كان مسلما موحدا بالله!

وكان هناك.. أيضا.. مذهب الإسماعيلية وفرقة «الحشاشين» وقائدها «حسن الصباح» الذى أنشأ كتائب الفدائيين «لقتل المخالفين». 

الإرهاب فى العصر الحديث

وعانى الغرب نفسه من الإرهاب، فاﻹرهاب كان موجود ا حتى زمن قريب فى أيرلندا بين البروتسانت والكاثوليك وهو غائر فى التاريخ منذ ثلاثة قرون. 

وكان موجودا فى روسيا القيصرية مع إرهابيى ١٩٠٥ ضد الاستبداد القيصرى.

وتواجد الإرهاب مع الأنظمة الفاشية والنازية التى آمنت بنقاء العرق الآرى على ماعداه من أجناس..
وتواجد فى أمريكا مع الماكارثية بداية الخمسينيات وتسلط فكرة العداء للشيوعية التى أطلقها السيناتور « ماكارثى « والتى أضطهد بسببها فنانون وكتاب وصحفيون وأدباء.. بسبب فكرة فى عقل رجل « مجنون «.
وتواجد مع انفصاليى الباسك على الحدود الأسبانية الفرنسية.. ومع انفصاليى كورسيكا..
وفى رواندا وبوروندي..وفى الشيشان..

وانتعش فى السبعينيات الإرهاب اليسارى الذى كان ينطلق من فكرة نبيلة هى تحرير الناس من الاستغلال الرأسمالى: أكسيون ديركت فى فرنسا.. ومنظمة بادر - ماينهوف فى ألمانيا.. ومنظمة الجيش الأحمر الياباني.. 

وهم القتل النبيل

المهم.. الإرهابى هو شخص لديه سبب قوى للانتحار والموت..تختفى وراء فعله «العدمي» فكرة أخرى يعتقد بنبلها: أن يقتل الآخر معه!

بصراحة: هدف الإرهابى من القتل والانتحار.. هى لفت النظر.. وجذب الانتباه لقضيته..

وفى حالات أقل.. يكون للانتقام من المجتمع الذى لا يولى قضيته أى اعتبار أو احترام..

إنه يقتل ليظهر.. يقتل لينتقم.. يقتل للفت الانتباه لوهم فى ذهنه هو عن نبل قضية « زائفة» 

والمجتمع لن يتحرر من تأثير الإرهاب إلا بترسيخ مفهوم أن أى قتل للأبرياء..ليس سوى جريمة بشعة.. منكرة..مهما كان الشعار الذى يبررها. 

مفهوم الجهاد فى الإسلام

يقول المستشرق « هاملتون جب « أن مفهوم « الجهاد « هو مفهوم مركزى فى العقيدة الإسلامية.

وهو مفهوم يلقى كثيرًا من الإطراء والتحفيز والشحن والتجييش فى التراث الإسلامي: الجهاد فى سبيل الله.

تم إعلاء هذا المفهوم فى بدايات نشر الدعوة الإسلامية..خصوصا بعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين إلى المدينة.

وقد ارتبط آنذاك بحفز المسلمين على التصدى لأذى المشركين البدنى فى الغزوات المتعددة التى واجهها المسلمون. 
أو لانتزاع المسلمين المهاجرين لحقوقهم المسلوبة فى مكة من خلال الخروج لقوافل التجار المشركين أثناء عبورها بطرق التجارة. 

وبقى مفهوم « الجهاد « والفتح مع الخلفاء الراشدين.. رضى الله عنهم.. واستمر مع الدولة الأموية.

ويرى المستشرق البريطانى « هاملتون جب» أن مفهوم الجهاد.. والفتح.. كان مفهوما مركزيا للدولة الأموية.. رغم كونها قد تحولت لملك عضود.. وخالفت مبدأ الشورى الذى ميز فترة الخلفاء الراشدين.

فقد تحول الحكم والسلطة لوراثة صريحة لقبيلة بنى أمية.

ويثير مفهوم الجهاد..حتى هذه اللحظة.. خيال المسلم العادي. وتزكى الآيات القرآنية وبطولات التاريخ المثل الأعلى «الجهادى».

والإشكالية فى عصرنا هى تحديد مفهوم الجهاد.

فالجهاد فى الذهن الشعبى الإسلامى هو جهاد ضد الكافر والمشرك.

والسؤال الذى سيطرح نفسه بسرعة على أى عقل مسلم: من هو الكافر فى عصرنا؟

والإجابة التلقائية التى يعطيها مشايخ التكفير لتلاميذهم الجهاديين: أن كل شخص غير مسلم.. « كافر «!

وسيكون فى مفهومهم أحيانا هو: « الغرب « المسيحى: كافر!

وسيكون فى أحيان ثانية.. الغرب الشيوعي: كافر!

وسيكون.. تارة ثالثة.. الحاكم من المسلمين الموالى للكفار: فهو: كافر!

وسيكون.. تارة رابعة.. المسلم الذى يعين الحاكم الظالم: كافر!

وسيكون.. تارة خامسة.. أتباع الملة الأخرى من المسلمين الشيعة أو السنة: كافر!

وهكذا..

منظومة عقلية مترابطة مبنية على مفهوم « الجهاد « فى الإسلام..الذى تحول.. منذ فجر الاسلام.. لمثل أعلى لكل مسلم.. وهو قمة المثل والإيثار الإنسانى والتضحية بالنفس!

والأزهر مطالب أن يبدأ من هنا: ماهو مفهوم الجهاد فى عصرنا؟

هل هو الآخر المختلف عنا فى الدين أوالعقيدة أوالمذهب. أم هو المعتدى علينا فى الوطن؟
هل الجهاد يكون لفرض العقيدة أو المذهب.. أم للدفاع عن النفس والعرض والوطن؟ 

إن جهد المؤسسة الدينية.. والعلماء..يجب أن يكون واضحا دون مواربة أو التواء فى الإجابة على السؤال: من هو الآخر المقصود بالجهاد فى سبيل الله فى عصرنا؟

ولماذا اعتبر الرسول العظيم.. صلى الله عليه وسلم.. أن جهاد النفس وتهذيبها بالفضائل.. هو الجهاد الأكبر؟!