تحقيق يكتبه : وائل الجبالى
على الرغم من ضرورة المواجهة الأمنية كإحدى آليات التصدي للعمليات الإرهابية، إلا أن عددا من الخبراء الأمنيين أكد على صعوبة منع العمليات الإرهابية بشكل كامل، وإنما الهدف هو الحد منها بالعديد من الإجراءات التي تتضمن الضربات الاستباقية.
وأكد الخبراء على أنه لا يمكن مواجهة الأحزمة الناسفة وأساليب التفخيخ التي يتبعها الانتحاريون بأية خطط أمنية، حتى لو وضعتها أقوى أجهزة العالم، وإلا كانت نجحت فى مواجهتها دول عظيمة مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا.
يرى الخبراء أن مصر قادرة على مواجهة الإرهاب، واستئصال جذوره بالمواجهة الشاملة، وحسب اللواء دكتور شوقى صلاح، الخبير الأمنى، وعضو هيئة التدريس بكلية الشرطة، فإن حادث كنيسة الإسكندرية، لا يمكن وصفه بالقصور الأمنى، إلا فيما يتعلق بحادث طنطا، لأن الإرهابى دخل إلى عمق الكنيسة وفجر نفسه دون أن يتم اعتراضه أو تفتيشه أو ضبطه، وكذلك لم يتم الحصول على المعلومة التى قد تساعد فى منع الجريمة قبل وقوعها، وهو ما ترجمه اللواء مجدى عبد الغفار، وزير الداخلية فى اتخاذ قرار بإقالة مدير أمن الغربية، ومدير المباحث الجنائية، وعدد من قيادات مديرية أمن الغربية، لتقصيرهم الأمنى فى تأمين الكنيسة.
وكشف اللواء صلاح أن خطط التأمين يواجهها ضعف الإمكانات المادية، وذلك فى ضوء عدد الكنائس الكبير والذى تمثل فيه القاهرة وحدها نحو ٢٧٩ كنيسة، تؤدى بها الصلوات والأعياد، بخلاف العدد الكبير من الكنائس الموجودة بمحافظات الجمهورية.
وشدد اللواء صلاح على ضرورة مواجهة الإرهاب بالتشريعات القانونية، وقال إن المواجهة التشريعية للإرهاب أصبحت ضرورة ملحة، ويأتى فى أولوياتها تعديل قانون الإجراءات الجنائية لوضع حد أقصى لإصدار الأحكام الباتة فى الجرائم الإرهابية، وكذلك تعديل قانون مكافحة الإرهاب لإعادة صياغة الضوابط القانونية المتعلقة بجريمة عدم الإبلاغ عن الجرائم الإرهابية، مع دمج أحكام الإعفاء العقابى وصولا إلى تشجيع الأقارب والأصدقاء إلى الإبلاغ عن الجريمة الإرهابية أو الإرهابى نفسه.
وأيضا من الضروري، حسب رؤية اللواء صلاح، وضع أحكام قانونية مناسبة لمواجهة العائدين من أماكن ومواطن الصراعات، مثل سوريا والعراق بما يكفل تجنب شرورهم وشرور خبراتهم أو انتمائهم لتلك التنظيمات الإرهابية الموجودة بتلك الدول وأماكن الصراعات، وكنا قد رصدنا فى الآونة الأخيرة إعلان فرنسا فشلها التام في مواجهة العائدين من أماكن الصراعات، وللأسف لا يوجد لدينا أى تركيز أو حصر لأعداد العائدين من مواطن الصراعات، بالرغم من أن داعش أعلنت أنها «بيضت السجون» أى أخرجت المسجونين من سجونها ورحلتهم إلى بلادهم ليمارسوا فيها أعمال الإجرام والإرهاب، وهو ما تنبهت إليه فرنسا وإنجلترا، وقامت بحصر أعدادهم ووضعهم تحت الملاحظة الأمنية.
وكشف اللواء دكتور شوقى صلاح، عن أن مواجهة التنظيمات الإرهابية لابد وأن تكون شاملة ولا يتحملها جهاز الأمن وحده، ولا بد أن تبدأ بالمواجهة الفكرية، فالفكر يواجه بالفكر، وهو ما يمثل الجذور الحقيقية للإرهاب، وتلك المواجهة الفكرية لن تؤتى ثمارها بصورة سريعة، وبالأخص مع العناصر التى دخلت دائرة الإرهاب، أما المتطرف دينيا وفكريا، فعملية تغيير فكرهم ستحتاج وقتا وجهدا كبيرا.
وأكد اللواء مجدى البسيونى، الخبير الأمنى، أن مصر ليست عاجزة عن مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وإلا كنا وجدنا أماكن محتلة ويسيطر عليها الإرهابيون مثل سوريا والعراق وليبيا، وكنا ننزعج لو أن هناك مواجهة مسلحة بين الإرهابيين والدولة وجها لوجه، وحتى منطقة جبل الحلال الموجود بها الإرهابيون، أصبحت تحت سيطرة قوات الجيش المصرى، وفشل الإرهاب في السيطرة عليها، وقد كبدت القوات الإرهابيين المزيد من الخسائر، وتطاردهم كالجرذان.
وتساءل اللواء البسيوني «لماذا عجزت أمريكا وفرنسا وألمانيا والسويد عن مواجهة الإرهاب؟»، ومن هنا نؤكد أن مصر من أفضل دول العالم فى مواجهة الإرهاب، ويتضح ذلك إذا لاحظنا أنها تحارب إرهابيين غير معروفين وتتعامل مع إرهاب جند شبابا يدرس بالجامعات والمدارس وغير معروف للأجهزة الأمنية، وبالرغم من ذلك فإنها تقوم بضبطه وتقديمه للمحاكمة، والدليل على ذلك الضربات الأمنية الناجحة التى قامت بها الأجهزة واستهدفت خلالها العديد من الخلايا، على الرغم من أن هؤلاء الإرهابيين يستخدمون كل الوسائل من وقتل وحرب إلكترونية ورسائل تحريضية.
وكشف البسيونى أن أعظم شرطة فى العالم تعجز عن مكافحة الجرائم الإرهابية التى تستخدم التفخيخ والأحزمة الناسفة والانتحاريين، كوسيلة للإرهاب، إذ إنه من الصعب التحقق من كل شخص يدخل الكنيسة، ويحمل حزاما ناسفا، وبالأخص وقت الصلاة نظرا لاجتماع عدد كبير من المواطنين فى مكان واحد.
ودعا اللواء البسيوني إلى الاستعانة بتجربة الأمن الخاص لتأمين المنشآت الهامة، من خلال شركات الأمن الخاصة المعتمدة التي تقوم بتدريب أفرادها، إما عن طريق وزارة الداخلية، أو بالقوات المسلحة، ومن يجتاز تلك الدورات يحصل على شهادة معتمدة تؤهله للعمل كأمن خاص، وهذه أفضل الطرق لحماية المنشآت الموجودة فى الكثير من الدول، وبدأت مصر فى تطبيق تلك الفكرة فى العديد من أبنية البنوك والجامعات ومدينة الإنتاج الإعلامى وعدد من المنشآت الخاصة، مثل الفنادق والقرى السياحية، وهى فكرة ناجحة، ومن خلالها يتم رفع جزء من مسئوليات وزارة الداخلية الكثيرة والمتشعبة، لكى نعطى فرصة لرجال الأمن والداخلية لتأمين المنشآت من الخارج، وحماية الشارع من البلطجة والسرقة والمخدرات.
وعن الثغرات الأمنية التى دخل منها الإرهابيون للكنائس، أكد اللواء البسيوني أنه لا توجد ثغرة بشكل واضح، سوى أنه كان من المفروض وضع البوابة الأمنية فى الخارج، وبعيدا عن المكان المستهدف، مع العلم أنه لا يمكن التأمين التام لأية منشأه ومنع العمليات الإرهابية بنسبة مائة فى المائة، وبالأخص عند استخدام أحزمة ناسفة أو وجود انتحاريين، ومن المرجح أن تحدث مثل هذه الأعمال الإرهابية مرة أخرى، وقد تكون بنفس السيناريو، ولا يمكن الحد منها إلا بتكثيف الضربات الاستباقية وهو ما تقوم به بالفعل أجهزة الأمن المصري، ونجاحها فى ضبط العديد من التنظيمات والخلايا الإرهابية، والتي كان آخرها القبض على تنظيم الدلنجات، وتصفية ٣ إرهابيين بمشروع «ابنى بيتك»، وضبط عدد كبير من الأسلحة والطلقات والمتفجرات وأدوات التفجير، والعديد من الأجهزة الخاصة بالتفجير عن بعد، والعديد من المنشورات التى تدعو إلى التحريض والعنف وبث الكراهية والفتنة بين الشعب.
واستنكر البسيونى نظام الخدمات المعني بالتأمين والذى قد يصل إلى ١٦ ساعة عملا للمجند، ساعتين قبل الخدمة، وساعتين بعد الخدمة، وقد يكون مكان المبيت بعيدا عن الخدمة، مما يؤثر على قدرات المجند في ملاحظة الحالة الأمنية أو متابعة المشتبه بهم، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر مجددا في نظام الخدمات.
وكشف اللواء صلاح أبو عقيل، مساعد وزير الداخلية السابق لقطاع الأمن، عن أن من أهم أولويات مواجهة الإرهاب هو تكثيف التدريب والتخصص من خلال مثلث التدريب الذى تطبقه وزارة الداخلية، ويتمثل فى كلية الشرطة المسئولة عن تدريب الضباط، ومصلحة التدريب المسئولة عن تدريب الأفراد، وقطاع قوات الأمن المسئول عن تدريب فرق الأمن المركزي.
وأضاف اللواء أبو عقيل أن التدريب يحتاج لصرف ميزانية كبيرة، وهو من أفضل نواحى الاستثمار لحماية الأفراد وتحقيق الأمن، لأن كل نقطة عرق في التدريب تحمي أمامها نقطة دم.
وأكد اللواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز أمن الدولة السابق، على ضرورة وقوف الدولة والشعب خلف قائده وقفة جادة فى مواجهة الإرهاب، وعدم ترك المواجهة للأمن وحده، والتجربة أثبتت ذلك على مدى الأعوام السابقة، فالأمن يستطيع إحباط مجموعة من المخططات الإجرامية إو الإرهابية، ولكن لا يستطيع القضاء عليها، ولابد من اتباع المناهج العلمية والدراسات الحديثة في مواجهة الإرهاب، لتكون على مستوى عدد من المحاور، من بينها السياسى والاقتصادى والإعلامى والثقافى والتعليمى والدينى، وكل محور يحتاج إلى عدد من التكليفات الوزارية، وذلك حتى نستطيع تجفيف منابع الإرهاب وإقناع الشباب بالعدول عن الفكر المتطرف، وبدون ذلك سوف يستمر الإرهاب سنوات طويلة ويسبب خسائر كارثية.
وانتقد علام دور أجهزة الدولة فى مكافحة الإرهاب وتركه لوزارة الداخلية وحدها، ووصف الإعلام بأنه عجز عن أن يقيم حوارا فكريا مع الشباب لتصحيح مساره وإعادته من شطحات التطرف والإرهاب، وتجنيبه خطر التجنيد والانخراط فى الجماعات المتطرفة.
وتساءل اللواء علام عن دور وزارة الثقافة، فلدينا الآلاف من قصور الثقافة دون تأثير، كما لدينا الآلاف من الساحات الشعبية والنوادى التى تتبع وزارة الشباب والرياضة، وليس لها دور في توعية الشباب والمشاركة الوطنية أو خلق رأي عام ضد الجماعات المتطرفة وفضح مخططاتهم وكشف ضلالاتهم، بالإضافة إلى ضعف تأثير دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في توعية الشباب ومحاربة التطرف.