الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

حتى لا تتكرر جرائم الإرهاب الأسود

12-4-2017 | 13:36

بقلم –  أحمد بان

فجعت مصر صباح يوم الأحد الماضى بحادثين إرهابيين، استهدف الأول كنيسة مارجرجس بطنطا، واستهدف الثانى الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، حيث كان يشارك البابا تواضروس الأخوة الأقباط صلواتهم واحتفالاتهم بعيد السعف..

 

الحادث الأول حسب تقديرات أمنية حدث عندما أقدم انتحارى على تفجير نفسه فى الصفوف الأولى من المصلين فى الكنيسة، أثناء الصلاة، وقد سجلت عدسات التليفزيون لحظات الانفجار، التى أودت بحياة عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال، وصلت إلى ٣١ قتيلا، حسب تقديرات رسمية، بينما أصيب أكثر من ١٠٠ شخص آخرين إصابات بعضهم خطيرة، نفس الكنيسة بطنطا كانت قد تعرضت قبل عشرة أيام لمحاولة زرع قنبلة، لكن تم اكتشافها وتفكيكها حسب المعلومات المتوفرة، بعدها بساعات قليلة فوجئ المصريون بحادث آخر فى الكنيسة المرقسية، حيث أقدم شخص مترجلا على محاولة الدخول من خلف البوابات الإلكترونية، لكن الضابط أمره بالدخول عبر البوابة فامتثل لأمره، وقام بتفجير نفسه، فأودى بحياة طاقم التأمين الخاص بالكنيسة من رجال الأمن الذين صدوا بصدورهم موجة انفجارية ضخمة، كانت ستودى بحياة العشرات لو نجح هذا الانتحارى فى المرور إلى داخل الكنيسة..

المعلومات المؤكدة تقول إن سلسلة من الهجمات المتزامنة كان التنظيم قد خطط لها فى القاهرة والإسكندرية وطنطا ومطروح وأسيوط والمنيا، لكن يقظة الجيش المصرى والأجهزة الأمنية قدرت بسرعة حجم المخطط، فتم الدفع بقوات إضافية من الجيش وقوات الانتشار السريع ورفع حالة الاستنفار الأمنى بشكل لافت، ردع عناصر التنظيم عن الإقدام على تنفيذ مزيد من الهجمات، الحادث الإجرامى جلل نهار وليل مصر بالحزن والسواد، على مصريين لقوا ربهم، وهم يحتفلون بعيدهم فى أسبوع الآلام، الذى تحول إلى أسبوع حقيقى للآلام، التى جددت الأحزان فى الوجدان القبطى خاصة، والوجدان المصرى بشكل عام.

الحادثان أعادا إلى الذاكرة تفجير الكنيسة البطرسية فى ١٦ ديسمبر من العام الماضى، حيث بدا التطابق فى طريقة التنفيذ، كما أعاد ما أعلنه أبو محمد العدنانى، المتحدث السابق باسم تنظيم داعش، الذى وجه نداء إلى مجموعات التنظيم وعناصره وخلاياه النائمة فى مايو من العام الماضى، بتنفيذ سلسلة من الهجمات حول العالم بحسب الإمكانات والطاقات المتوفرة لتلك العناصر.

فلماذا حدثت تلك الحوادث فى هذا التوقيت؟ ولماذا استهداف الأقباط على وجه التحديد؟

لا يستطيع أحد أن ينكر أن تنظيم داعش فى سوريا والعراق، الذى رفع شعارًا لدولته يقول بأنها باقية وتتمدد، تعرض لضربات قلصت المساحات، التى يسيطر عليها فى سوريا والعراق بشكل كبير، إلى حد خروجه من الأنبار والفلوجة وتكريت ثم معظم أحياء الموصل، وغيرها من المناطق، وقد أدرك التنظيم أن أيامه فى دولة الخلافة المزعومة باتت معدودة، ومن ثم بدأ فى دفع عناصره إلى توسيع نطاق المواجهة عبر الذئاب المنفردة والخلايا النائمة، لكنه أولى عنايته لمصر، التى بدا أنها تمضى فى طريقها برغم كل ما تعرضت له من مؤامرات، ومن ثم صدرت التعليمات بإشعال الساحة المصرية فاتصلت عمليات التنظيم فى سيناء بشكل كبير، لكن صمود قوات الجيش الباسلة من جهة وقوات الشرطة من جهة أخرى، نجحت إلى حد كبير فى حصار قوات التنظيم إلى حد تطهير منطقة جبل الحلال بالكامل، تلك الملحمة التى لم تحظ بعشر ما تحظى به عمليات محدودة للتنظيم الإرهابى، ومن ثم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وبدا أن محاولات التنظيم لخلق حاضنة شعبية فى المدن باءت بالفشل، وأحكمت الأجهزة الأمنية الحصار حول قيادات التنظيم، ومن ثم انتقل التنظيم إلى الخطة البديلة، وهى نقل عملياته إلى الداخل المصرى فى الوادى والدلتا واختار الهدف الأسهل وهو مهاجمة دور العبادة القبطية، وفى مناسبات محددة بالنظر إلى أن التنظيم يدرك جيدا أن الصخرة، التى تتحطم عليها أحلامه، هى فى هذا التجانس القومى والوطنى بين مسلمى مصر وأقباطها، ومن ثم فقد حاول مرارًا ضرب تلك الروح وتأليب الأقباط على الدولة ومحاولة إشعارهم بأنها قصرت فى حمايتهم، لذا حاول بإلحاح أن يستدعى تطرف مسيحى يستنهض تطرفا إسلاميا بالمقابل، خصوصًا، وقد فشلت جهود الإخوان فى إشعال الساحة المصرية عبر ثلاثة أعوام كاملة، بدت الدولة صامدة فى مواجهة كل تلك المحاولات متعددة المستويات..

إن اللجوء الى خيار العناصر الانتحارية هو شكل من أشكال انتحار التنظيم، الذى فشل فى تأمين متفجرات تكفى لسيارة مفخخة، فلجأ إلى تفخيخ عناصره ودفعهم إلى دور العبادة المسيحية، وهو سلوك يائس لا يعنى سوى أن التنظيم يبدأ من جديد من نقطة الصفر، فمن المعروف أن معادلة وجوده تبدأ بما يسمى شوكة النكاية، التى يمزج فيها بين عمليات استنزاف القوات فى سيناء ومهاجمة نقاط الارتكاز الأمنى، مع تفخيخ سيارات فى مواجهة أهداف ثابتة أو متحركة ثم فى الأخير اللجوء للانتحاريين كخيار بائس ويائس فى ذات الوقت، هذين الحادثين يؤشران إلى أن التنظيم فقد أعصابه ويتصور أنه سيسرع فى اتجاه خلق الفوضى الأمنية والسياسية، التى يراهن عليها لتحقيق صعود مشابه لما جرى فى العراق.

ومع الاحترام للعراق الشقيق، والدعاء له بأن يتخلص من أوجاعه، فإن مصر تختلف عن أى دولة فى العالم من عدة وجوه:

أولا: لاتوجد مظالم لطائفة فى مصر سواء سنة أو شيعة أو أقباطا

ثانيًا: اللحمة بين المصريين على اختلاف توجهاتهم وديانتهم قوية وراسخة.

ثالثا: الجيش المصرى من أكثر جيوش العالم احترافية ومن أصلبها عودا على مستوى الإعداد والعقيدة القتالية، ويكفى فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير أجناد الأرض وفى رباط إلى يوم القيامة.

رابعا: أن الشرطة المصرية أبت إلا أن تبرهن على بسالة أفرادها رجالا ونساء، ولعل استشهاد العميدة نجوى الحجار، وكانت قد قدمت قبل عام ابنها شهيدا هو الآخر ما يؤكد على أدوار غير تقليدية تلعبها الشرطة المصرية، التى حفرت للمرأة مكانها المميز فى مسيرة الجهاز الشرطى، وتتعدد البطولات، التى أبرزتها تلك الحوادث.

أخيرًا التلاحم القوى بين القيادة والشعب، وفشل محاولات الوقيعة بين القائد والشعب أو بين الشعب مسلمين وأقباطًا..

وأخيرًا لأن الله حفظ هذا البلد فى كل المواطن والمواقف، فستبقى رعايته تعالى تصون هذا الوطن..

لأول مرة تصدر عن رئاسة الجمهورية فى شخص رئيس الدولة توصيات حاسمة، فى أعقاب اجتماع مجلس الدفاع الوطنى، لعل أهمها هو تدشين مجلس أعلى لمكافحة التطرف والإرهاب، يضم الخبرات المتخصصة، التى يضطلع بها جهاز له صلاحيات، يجسر الفجوة بين كل الوزارات المعنية، ويضع كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أمام مسؤولياتها، بأعمال واضحة، ومحددة تنقل عبأ مكافحة الإرهاب من عبأ تنهض به المؤسسات الأمنية، إلى كل مؤسسات الدولة هذه الخطوة، التى طالب بها الكثير من المراقبين تتحقق الآن، بما يؤكد جدية الدولة فى إنهاء تلك الظاهرة والتعاطى معها بحسم وفاعلية، أتصور أن هذا المجلس معنى بوضع إستراتيجية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب، تضع سقفا زمنيا لعلاج تلك الظاهرة، وتبنى برامج وخطط جادة لعلاجه، وهو ما ينتظره كل المصريون، حتى لا تتكرر تلك الجرائم، التى أدمت قلوبنا وزرعت الحزن فى احتفالات المصريين بأعيادهم السنوية المشتركة.