رأيت الفقر وهو يهزم جدي ثم أبي.. الآن ونحن في عز شبابنا نريد أن نهزمه ونقضي عليه قبل أن يكبر عيالنا.
منذ أيام قليلة تغير معظم محافظي الصعيد.. ومن هنا تبقي الآمال معقودة علي هؤلاء في ظل قيادة سياسية تسعي لتنمية الصعيد، الذي ظُلم وحُرم علي مدار عقود مضت.
القضية لا تكمن في تغيير الأشخاص لكن في الرؤي والأفكار.. من يستطيع من هؤلاء الجدد أن يفكر خارج الصندوق، ويصنع من موارد محافظته طريقا لرخاء أهلها.. هجرة الأباء من الصعيد الجواني إلي الخليج بحثا عن فرصة عمل أوجع الأبناء وأثقل الحمل علي نسوتهم.. فهل يكون هؤلاء المحافظون طوق نجاة للصعايدة من فقر زاد عن حده!
هناك تحديات كثيرة مشتركة بين محافظات الصعيد، وأخرى تخص كل محافظة بداية من خصوصيتها والتعداد السكاني، والموروثات الخاصة بها، والثروات والموارد الطبيعية.
التحدي الأول هو صحة الصعايدة أنها ليست علي ما يرام، يوميا نري آلاف المواطنين يسافرون للقاهرة من أجل مستشفى أو طبيب ينقذ حالتهم، فمتي نري مستشفيات بها أسرة تكفي وغرف عمليات مجهزة وحضانات تحمي المبتسرين.. نعم الحكومة بدأت في تطوير عدد كبير من المستشفيات لكن بعضها متعثر الآن ويحتاج التدخل العاجل.. فكيف يعقل أن يعيش آلاف المواطنين دون مستشفى.. وهنا ننتظر تدخل محافظ قنا بشأن مستشفى نجع حمادي و أبوتشت.
التحدي الثاني هو المناطق الصناعية بالصعيد والتي تنتظر مزيدا من المرافق والخدمات لجذب المستثمرين الذين يرددون دائما أن الاستثمار في الصعيد يحتاج دعم الحكومة وتوفير بيئة ومناخ جاذب وحوافز وتسهيلات لتوفير فرص عمل للشباب، لاستغلال كافة الموارد والثروات البشرية والطبيعية.. وهنا ننتظر دور محافظ سوهاج في تطوير مصنع تجفيف البصل وتطوير منطقة الكوثر.. ومن محافظ أسوان استغلال المحاجر كالجرانيت الأحمر والأسود.
التحدي الثالث قطاع الزراعة.. المزارعون مازالوا صامدين في ظل ارتفاع أسعار الغاز والاسمدة لكن في الحقيقة يحتاجون الدعم لاستمرار زراعتهم، ليس من أجل تحقيق ربح لكن فقط من أجل ضمان تحقيق إيراد يكفي المصروفات.. والسؤال هنا إلي محافظ أسيوط هل يستغل الذهب الأحمر "الرومان"؟
التحدي الرابع قطاع السياحة وهو مصدر دخل مهم لكل أبناء الصعيد.. وخلال الفترة الماضية عانت محافظتا أسوان والأقصر من الإهمال بهذا القطاع.. لكن الأقصر بفضل رؤية محافظها بدأت تسير بخطوات جيدة.. لكن محافظة أسوان أهملت لسنوات مضت، و تحتاج لبنية تحتية جيدة وكوادر مؤهلة وشوارع نظيفة ومزارات مطورة.. زرت أسوان ورأيت الإهمال بعيني.. ننتظر من محافظ أسوان عودتها إلي سابق عهدها.
التحدي الخامس قطاع مياه الشرب والصرف الصحي يحتاج وقفة جادة.. نعم الحكومة تبذل جهودا كبيرة، لكن مازال الصعيد الجواني ينتظر زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للمشروعات المتعثرة أو لأنهاء المرحلة الثانية.. والسؤال لمحافظ قنا هل سيتم البدء في المرحلة الثانية لمشروع النجمة والحمران بمركز أبوتشت؟
التحدي السادس يخص الحرف اليدوية التي تعاني الاندثار وعدم الاستغلال خاصة في محافظات سوهاج وقنا وأسوان، فهناك دول تجني المليارات من المشغولات اليدوية.. علي محافظي الصعيد الجواني استغلال الحرف اليدوية كمورد دخل، ومنها السجاد اليدوي والفخار.
التحدي السابع هو الثأر اللعين الذي ينهش التنمية، ويقضي علي آمال وأحلام شباب كان يستشرف مستقبله، لكن كثرة الأسلحة وثقافة جاهلية وقفت أمامهم وتزيد من فقرهم.. رأيت عشرات العائلات تبيع أفدنه كانت تأكل منها لتشتري سلاح تتعارك وتتفاخر به.. ننتظر مبادرات صعيد بلا ثأر، وسوهاج نموذج في التسامح يمكن الاحتذاء به.
التحدي الثامن تنفيذ مشروع "المثلث الذهبي"، فرغم مرور أكثر من عامين على قرار رئيس الجمهورية بإنشاء المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبى المقرر إقامته بين مدن "سفاجا والقصير وقنا".. إلا أن هناك تباطؤا شديدا.. مع العلم أن المنطقة تحوى العديد من الخامات المعدنية مثل الذهب والكروم والحديد والطفلة الزيتية والفوسفور، بالإضافة إلى الخامات الأولية التي تدخل في صناعة مواد البناء.. ننتظر من محافظ قنا والبحر الأحمر.. البدء في تنفيذ هذا المشروع لخلق الآلاف من فرص العمل لمواجهة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
هناك عشرات التحديات التي تواجهنا لكن طرحنا بعض منها.. ونري أن الحل يكمن في تطبيق اللامركزية بالمحافظات لتعظيم الموارد المالية لكل محافظة للنهوض بمستوى الخدمات وبناء المشروعات.
وترشدنا المادة 236 من الدستور بضرورة التنمية العاجلة، والتي نصت "تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
نحلم كما كان يحلم الأباء والأجداد بأن يتحول الصعيد من طارد للسكان لجاذب لهم.. وأن يبقي الأبناء هنا في الجنوب حيث قراهم وبيوتهم في رخاء وازدهار.