انعقدت اليوم الثلاثاء قمة ثنائية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الجنوب إفريقي سير يل رامافوزا، وشهدت توافقًا على أهمية الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، بما يعطي دفعة نوعية للعلاقات الثنائية.
وتأتي أهمية القمة من رئاسة مصر الحالية للاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى تولي جنوب إفريقيا في العام المقبل (2020) رئاسة الاتحاد؛ ما يسمح باستمرار العمل والتعاون بين الدولتين لتحقيق مصالح شعوب القارة.
وتؤكد القمة أهمية مصر وثقلها كفاعل رئيسي في إرساء دعائم العمل الإفريقي المشترك، خاصة مع رئاستها للاتحاد الإفريقي التي تأتي خلال مرحلة دقيقة من عمر الاتحاد الذي يشهد تحديات ضخمة، كما أحدثت دوائر التنسيق والتشاور الواسعة بين البلدين زخمًا كبيرًا في موضوعات الانتقال السياسي للدول عقب الثورات والأزمات.
كما مثلت القمم التشاورية الإفريقية الأخيرة التي استضافتها مصر بخصوص الأوضاع في ليبيا والسودان بمشاركة رؤساء وقادة أفارقة، من بينهم رئيس جنوب إفريقيا الحالي سير يل رامافوزا تأكيدًا على ما تلعبه مصر وجنوب إفريقيا من دور مؤثر على صعيد القارة، وجاء شغل جنوب إفريقيا لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي خلال العام الحالي، في نفس العام الذي تتولى فيه مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي؛ ما يعظم تأثير الدولتين على الساحة الدولية عبر تعميق التعاون والتنسيق بينهما لتحقيق المصالح الإفريقية، والسعي لتحقيق أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 ورؤيتها حول إفريقيا متكاملة مزدهرة وسلمية.
تمتلك مصر وجنوب إفريقيا رؤية مشتركة في قضايا مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف، والتنمية المتكاملة في إفريقيا وضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي، وهذه الرؤية المُشتركة تؤكد أن السلام والأمن في القارة مرتبطان بصورة لا تنفصل عن تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وأن أفضل الطرق تأثيرًا لضمان الاستقرار الدائم هو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ذلك في الوقت الذي يمثل فيه الأمن والسلم شرطين ضروريين لنمو أسرع وأكثر شمولًا.
ونجحت الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي في استعادة علاقاتها المتوازنة مع جمهورية جنوب إفريقيا، لتصبح العلاقات الثنائية مبنية على التعاون والتنسيق المشترك لا المنافسة، الأمر الذي عزز ما لدى مصر وجنوب إفريقيا من مساحات ورصيد مشترك من العلاقات الوطيدة يمكن البناء عليها في مد جسور التواصل والتنمية بين البلدين، ويسهم في ضخ دماء التنمية عبر شريان جديد يربط بينهما، وهو المشروع الذي تتوق القارة السمراء لخروجه للنور، لما له من أثر على تحقيق التنمية المستدامة التي يمكن توطينها على جانبي الطريق الرابط بين شمال وجنوب إفريقيا.
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1942 ولم تمض العلاقات على وتيرة واحدة منذ ذلك الحين، وكان للنظام العنصري القائم في جنوب إفريقيا دور في دخول العلاقات السياسية بين البلدين إلى مرحلة القطيعة، وبعد تحرر جنوب إفريقيا أعلنت الخارجية المصرية استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين في أكتوبر عام 1993، وتلا ذلك مرحلة الرئيس نيلسون مانديلا بانتخابه رئيسًا لجنوب إفريقيا عام 1994، وفيها تميزت العلاقات بين البلدين بالدفء.
وشهد عام 2008 تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بأول زيارة رئاسية مصرية إلى جنوب إفريقيا، وهي الزيارة التي بدأت معها العلاقات تتخذ بعدًا آخر يتسم بالجدية والتشاور والتنسيق في مواجهة مع معظم القضايا الثنائية والإقليمية والدولية وعلى مختلف المسارات سواء السياسية أو الاقتصادية.
وبدأ البلدان بالتصدي للقضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن الموضوعات التي كانت محل بحث مكثف في تلك المرحلة إصلاح الأمم المتحدة، وتوسيع عضوية مجلس الأمن الدولي، وأهمية الضغط على الدول الكبرى من أجل القبول بتوسيع عضوية مجلس الأمن ليشمل انضمام دول إفريقية وكانت مصر وجنوب إفريقيا في صدارة الدول المرشحة لذلك لمكانتهما الكبيرة سياسيًا واقتصاديًا في القارة السمراء.
وشهدت الفترة من 2014 إلى عام 2019 زيارة عدد من الوفود المصرية إلى جنوب إفريقيا من أبرزها الزيارة التي قام بها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس سير يل رامافوزا، وزيارة الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة للمشاركة في الدورة الـ 17 من اجتماع وزراء البيئة الأفارقة (الأمسن)، حيث استقبلتها باربرا كريسي وزيرة البيئة بجنوب إفريقيا، وبحث الجانبان ملفات التعاون المشترك في مجالات البيئة والاستعداد لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP25).
كما ترأس المهندس شريف إسماعيل مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية وفد مصر في اجتماعات بريكس التي استضافتها جوهانسبرج في شهر يوليو 2018، بالإضافة إلى زيارة وفدين من اللجنة العليا للانتخابات في 2012 و2018، ووفد من وزارة العدل ومجلس الدولة والمجتمع المدني إلى بريتوريا في عام 2014، إضافة إلى عدد من الزيارات الأخرى لوزراء النقل والكهرباء والاستثمار والتعاون الدولي.
وفي العام السابق، ناقشت لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب مع سفير جنوب إفريقيا في القاهرة فوسى مافبيلا، سبل الارتقاء بالعلاقات بين البلدين، خاصة على صعيد التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والسياحية والزراعية، بالإضافة إلى بحث القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك والتي تعكس تطابق رؤى الدولتين، وأعرب السفير مافبيلا عن سعي جنوب إفريقيا لتعزيز العلاقات ما بين البلدين، ومواصلة التنسيق والتشاور بين البلدين إزاء مختلف القضايا لمواجهة التحديات الراهنة.
وترتبط مصر وجنوب إفريقيا منذ عام 1994 بعلاقات اقتصادية قوية، لكنها لا تعكس حجم وقوة العلاقات السياسية بين الدولتين، وقد زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين من 132,3 مليون دولار في عام 2013 إلى نحو 151,2 مليون دولار في عام 2014، ثم 188,8 مليون دولار في عام 2015 و266,3 مليون دولار في عام 2016، مع زيادة أكبر في عام 2017 حيث وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالى 314,7 مليون دولار بنسبة زيادة بلغت نحو 17.5%.
وتصدر مصر عددًا من المنتجات الرئيسية إلى جنوب إفريقيا، من أهمها زيوت المحركات، والخيوط غير المنسوجة، والمنتجات القطنية، والمواد اللاصقة، وكربونات الكالسيوم، والدهانات والأصباغ والأسمدة، والسجاد اليدوي، والعنب والبصل، والمكرونة.
ومن أهم الواردات المصرية من جنوب إفريقيا؛ الحديد والنحاس، والمواسير المطاطية، واللحوم المجمدة، والسيارات وقطع غيارها، وبعض الآلات الكهربائية وقطع غيارها، والفحم، والمبيدات الحشرية، وهناك العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بينهما في المجال الاقتصادي، كما أن هناك العديد من مشروعات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الجاري دراستها ومراجعتها من الجانبين.
وتعتبر اتفاقية منع الازدواج الضريبي التي تم توقيعها في أغسطس عام 1997 من أهم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، إضافة إلى اتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة الذي تم توقيعه في أكتوبر 1998، كما أن هناك اتفاقًا للتعاون في مجال النقل البحري تم توقيعه في أكتوبر عام 1998.
وبشكل عام، توجد العديد من الأنشطة التي تقوم بها اللجنة التجارية المشتركة التي عقدت العديد من الاجتماعات بمُشاركة من الوزارات والهيئات الاستثمارية والاتحادات التجارية والعمالية والشركات العامة والخاصة في الدولتين منذ عام 2013، ويتم خلال تلك الاجتماعات النظر في العديد من ملفات ومبادرات التعاون المشترك بين الجانبين، وبحث سبل التعاون في مجالات عديدة من أهمها؛ البنية الأساسية، الطاقة الجديدة والمتجددة، التنمية الزراعية والثروة الحيوانية، والتعدين، السكك الحديدة والموانئ، والرعاية الصحية، وموضوعات تصدير الفحم من جنوب إفريقيا عبر قناة السويس، ومجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الهندسية والكهربائية، وصناعة السيارات.