بقلم : د. عبدالله النجار
يواجه أطفالنا فى هذه الأيام موجات عاتية من العنف الشديد الذى يستهدف كافة جوانب حياتهم البدنية والنفسية، كما يأتى على جميع حقوقهم المادية والأدبية، ورغم قسوة تلك الموجات من العنف الذى يواجه الأطفال وشدة تأثيرها على حياتهم، وعلى المجتمع الذى سوف يكتوى بنيران تأثير ذلك العنف عليهم، إلا أنه - وكما يبدو من استقراء الواقع الاجتماعى المر الذى نعيشه - فإن تلك الموجات لن يقف خطرها ولن ينته وجودها، بل هى تشير إلى أنها مرحلة فى سلسلة موجات من العنف سوف تتوالى وتتابع، وسوف تظل مصدراً لتهديد حياة الأطفال وإفساد تربيتهم علينا إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً وينتبه المجتمع إلى خطورة ذلك العنف الموجه ضد الأطفال فيصف له علاجاً أو يتخذ ضده من الإجراءات التى تقلل من خطره أو تمنع وجوده.
والعنف التقليدى الموجه ضد الأطفال اليوم قد يتخذ صورة التعدى البدنى أو الجنسى عليهم سواء أكان ذلك التعدى واضحاً من خلال الجرائم الأخلاقية، أو من خلال المتاجرة بأبدانهم وذلك بإرغامهم على القيام بأعمال ينافى القيام بها أبسط ما يجب أن يتمتع به الأطفال من راحة وهدوء وسكينة وترفيه يلائم عقولهم ويناسب تلك المرحلة العمرية فى حياتهم، كما يقضى على ما يجب أن يتوافر لهم من الحقوق الصحية والتربوية والتعليمية، وذلك بإرغامهم على العمل من أجل حصول ذويهم على المال أو تجنيدهم من قبل بعض العصابات التى تقوم بخطفهم فى أعمال التسول وغيرها من الجرائم، أو إرغامهم على ممارسة الجنس أو تزويج الفتيات وهن صغيرات لا يقدرن على القيام بأعباء الزواج، ولا يفهمن حقيقته وما تقتضيه من جهد وعناء لمواجهة متطلبات زوج لا يرى فى الطفلة التى تزوجها غير أنها مادة للمتعة التى تشبع غريزته، ولا تقدر على تحمل تبعات ما يطلبه قياماً بمسئوليات الزواج أو عناء وعجزا أو تدميراً للبدن من حمل لم تتهيأ له لصغر الطفلة وضعف صحتها على مواجهة عناء الحمل والولادة، فيهلك بدنها، وقد تموت وهى فى تلك السن المبكرة، وإذا ما نجت من عناء الولادة، ووعثاء القيام بعناء المعاشرة الزوجية، فإنها تظل تبذل من صحتها وقوتها وعافيتها مالا تحتمله تربية للطفل الذى ولدته وإرضاعاً له وقياماً على رعايته وهى ما زالت فى سن تحتاج فيه إلى من يرعاها، كما قد يتخذ العنف شكل الضرب أو الإهانة أو التحقير أو التمييز أو الحرمان من الحقوق، أو غير ذلك من صور العنف المدمرة للأطفال والكفيلة بالقضاء عليهم نفسياً وبدنياً.
لكن يبدو أن أمر العنف ضد الأطفال لن يقف عن تلك الظواهر التقليدية له، لأن ظواهر الأحوال، وما يجرى من الأحداث أو يتحرك حثيثاً خلف الكواليس يقول إن وراء الأكمة ما وراءها وأن العنف ضد الأطفال مرشح للزيادة، وليس للنقص كما نرجو، أو للانتهاء كما نأمل، وأن الجديد منه يترقب صدور تشريع جديد يستهدف الحد من حضانة الأم لطفلها وخطفه منها بالتشريع، ثم تسليمه لأبيه بمسميات خادعة لا تمت إلى ديننا الحنيف أو تقاليدنا الإسلامية السمحاء بصلة، منها مصطلح (الاستضافة) الذى يدل بحروفه ومبناه على أن الولد ينزل ضيفاً على أبيه وهو فى حضانة أمه، ومن غريب أمر هذا المصطلح أن يقيم فجوة بين الأب وولده حين يجعل حقه فى القرب منه كحق الغريب الذى ينزل ضيفاً على أبيه، ناهيك عن آثار هذه الفكرة على حياة الطفل وعلى ضمان الحد الأدبى لما يجب أن يتمتع به من هدوء الحياة الذى يقترب به على الأقل من حياة الطفل الذى يعيش فى أسرة سوية وبين أبوين متآلفين، وإذا كان أبواه قد عجزا عن توفير هذا النوع من الحياة بسبب فشلهما فى إصلاح ذات البين بينهما، فلا أقل من أن يعيش الطفل حياة تشابه تلك الحياة العادية فى الهدوء أو - على الأقل - تقترب منها, ولن يتحقق ذلك إلا بتراضى الأب مع الحاضنة وليس إذلالها بالقضاء فإن تلك الاستضافة لن تبقى على ذلك الهدوء الواجب للطفل، بل ستأخذه قهراً عن أمه الحاضنة، وتدفع به باسم تلك الاستضافة من حضانة أمه إلى حضن زوجة أبيه وليخضع الطفل فى فترة الاستضافة إلى سماع ما يعتمل فى نفس الأب من نقمة على مطلقته أم الطفل المستضاف، فيدخل الولد فى صراع بين أبيه وأمه لا يجوز شرعا أن يدخل فيه فيزداد ألمه ويفسد طبعه ويكبر حقده، وتفسد حضانته مع أنها حق شرعى ثابت بأدلة تجعله مقدماً فى الاحترام والاعتبار على غيره، والمعول عليه - شرعاً - هو مصلحة المحضون، وليس مصلحة الأب والأم، ولولا أن وجود الولد فى حضن أمه وهو صغير يتفق مع مصلحته وحسن تربيته ما جعل الله الحضانة حقاً لها، ولما قال النبى - صلى الله عليه وسلم - للأم: "أنت أحق، ما لم تنكحى"، إن الحضانة حق شرعى للأم وللطفل، والاستضافة مصطلح غربى يقوض هذا المعنى ويفسد حياة الطفل لإرضاء الأب والانتصار له، إن الاستضافة هى العنف القادم الذى يترصد لأطفالنا ليحرمهم من حضن أمهاتهم، ويجب التصدى له.