كانت الثقافة في عين الفارس النبيل
ثروت عكاشة هي كل ما ينير عقول الجماهير ويثري وجدانهم، فهل اعتمد الرجل فقط على
الكتاب الذي يقع في أيدي المثقفون ومن يعرفون القراءة ؟ لا.. بل امتدت جهوده
وأفكاره لأكثر من ذلك، مصرا على تثقيف الجميع بصريا وأيضا سمعيا، وفي ذكرى رحيل
المبدع ثروت عكاشة نوضح بعض ما أنجزه في مسيرته وأثناء توليه وزارة الثقافة والتي
كانت تسمى "الإرشاد القومي".
هل العسكريون رجال أشداء يتسمون
بالصرامة والإنضباط والحسم والدقة في كل حياتهم فقط؟ لا.. لم تسر هذه القاعدة على
العديد من العسكريين المصريين، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، فهناك عسكريون يملكون
أيضا أحاسيس مرهفة وذوق فني بديع، قد نبدأها بالمخرج عز الدين ذو الفقار العسكري
الذي أبدع روائع سينمائية خالدة، وأيضا العسكري المبدع يوسف السباعي الكاتب
والأديب الغني عن التعريف، ومن القادة العسكريين كان الرئيس جمال عبد الناصر عاشقا
للفنون والثقافة، وخلال فترة رئاسته كان العصر الذهبي للفنون والثقافة.
وأمام الشخصية العسكرية وهي القائمقام
ثروت أباظة ضابط سلاح الفرسان وأحد رجال ثورة يوليو 1952،احتارت العقول أمام
إبداعاته، والتي كشف عن الكثير منها في كتابه الذي صدر في جزئين في دار الهلال
بعنوان "مذكراتي في السياسة والثقافة"، وقد اختار فريقا ماهرا يساعده
على إعادة تشكيل الوعي ويدعو إلى النهضة في كل المجالات، وكان من ضمن من استعان
بهم على الراعي ويحيى حقي ولويس عوض وغيرهم من الكتاب والأدباء فقد أكد أنه وفريقه سعى لطرح المعين الذي يستقي
منه الجمهور الثقافة، وهو المعين الذي يسهل الوصول إلى الإبداع .
اختار ثروت عكاشة أن يعمل ملحقا عسكريا
بالعديد من البلاد الأوربية، وذلك بعد نجاح ثورة يوليو، ومن خلال تواجده في روما
وباريس وغيرها من المدن اطلع على العديد من الثقافات الأوربية والتطوارت الحضارية،
وحين صدر قرار من الرئيس عبد الناصر بتعيين عكاشة وزيرا للثقافة خلفا لفتحي رضوان،
في 8 أكتوبر 1958، عاد عكاشة على الفور إلى القاهرة وجلس يومين في منزله بالمعادي
يفكر في قبول أو رفض تعيينه في التشكيل الوزاري، وطمأنه الرئيس عبد الناصر بأن وضعه
الجديد سيمنحه القوة للتغلب على أعداء النجاح، ودعمه على الموافقة أيضا الأديب
يوسف السباعي الذي اصطحبه من منزله إلى مقر الوزارة .
سعى ثروت عكاشة أن تصل الثقافة إلى كل
أرجاء مصر، فكان أول من أنشأ هيئة قصور الثقافة في كل محافظات مصر، حتى لا تظل
الثقافة حكرا على الطبقة القادرة فقط، وكان معيار الثقافة عند عكاشة هو اتصال الماضي
بالحاضر، فالتاريخ زاخر بكل فنون الثقافة، وأنشأ دار الكتب الجديدة والهيئة العامة
للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة وأكاديمية الفنون والسيرك القومي ومسرح العرائس
وفرق الأوبرا، وهو صاحب فكرة وتنفيذ إنقاذ 17 معبدا وهي معابد النوبة الغارقة،
والتي تولى فيها جلب الدعم الدولي والذي يمثل الثلثين بعد أن دفعت مصر ثلث
التكاليف، ويذكر التاريخ أيضا أن ثروت عكاشة هو صاحب فكرة الصوت والضوء التي نطق
من خلالها أبو الهول وآثار مصر لتروي تاريخنا المشرف.