الثلاثاء 21 مايو 2024

سيناريوهات مفاوضات سد النهضة بعد غياب إثيوبيا عن الجولة النهائية بواشنطن.. خبراء: مصر تتمسك بالتفاوض.. ومسارات التحرك ستتضح وفقا لمخرجات اجتماعات واشنطن الحالية

تحقيقات27-2-2020 | 21:29

على مدار يومين، اليوم وغدا، تستضيف واشنطن اجتماعا وزاريا كان من المفترض أن يشهد توقيع الاتفاق النهائي حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا تغيبت عن الاجتماع بشكل غير مبرر، حيث أكد خبراء أن التغيب يكشف سوء نية من قبل أديس أبابا، موضحين ان مسارات التحرك المصري في هذه الأزمة ستتضح وفقا لمخرجات الاجتماعات الحالية.

وعن هذا التغيب، أكدت الخارجية المصرية أن مصر ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي، خاصةً وأن الهدف من الاجتماع الراهن في واشنطن وفق ما سبق واتفقت عليه الدول الثلاث هو وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، والذي قام الجانب الأمريكي والبنك الدولي ببلورته على ضوء جولات المفاوضات التي أجريت بين الدول الثلاث منذ اجتماع واشنطن الأول الذي عقد يوم  6 نوفمبر الماضى.

وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أن وزيري الخارجية والموارد المائية والري سوف يشاركان في الاجتماع الوزاري الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية، وذلك تقديراً للدور البناء الذي اضطلعت به الإدارة الأمريكية على مدار الأشهر الماضية في مساعدة الدول الثلاث للتوصل إلى الاتفاق المنشود.

وأضاف حافظ أن مشاركة مصر في الاجتماع تأتي اتساقاً مع النهج المصري الذي يعكس حسن النية والرغبة المخلصة في التوصل إلى اتفاق نهائي حول ملء وتشغيل سد النهضة.

 

 

مصر تتمسك بمسار المفاوضات

وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، إن الاتفاق المرتقب في واشنطن بشأن سد النهضة والذي كان من المفترض أن يتم التوقيع عليه من قبل الدول الثلاثة مصر وإثيوبيا والسودان وبرعاية وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لمنظمة الأمم المتحدة في الاجتماع التي تستضيفها واشنطن اليوم وغدا، هو الاتفاق الفني التفصيلي المترجم لاتفاقية إعلان المبادئ التي أبرمت ودخلت حيز النفاذ في مارس 2015.

 

وأوضح سلامة في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أنه إذا كانت اتفاقية المبادئ تتضمن مبادئا عامة إرشادية فإن الاتفاق المرتقب هو ذلك الصك الدولي الذي يتضمن القواعد الحاكمة التفصيلية المانعة لأية جهالة، مؤكدا أن الاتفاق النهائي سيتم توقيعه آجلا أو عاجلا، لأن اتفاقية إعلان المبادئ كانت اتفاقية إطارية عامة، وإثيوبيا تدرك أنه لا محالة سيتم تنفيذ هذه الاتفاقية ولكن عن طريق إبرام اتفاق فني لاحق مفسر لهذه الاتفاقية.

 

وأضاف إن الانسحاب الأخير المفاجئ من إثيوبيا عن الاجتماعات الحالية في واشنطن، بزعم عدم استكمال المشاورات الفنية الداخلية بين وزارة الري الإثيوبية والهيئات والمؤسسات الوطنية المختصة لا يمكن قبوله، في ضوء العديد من الحقائق القانونية والواقعية، أولها أن المفاوضات السياسية والمشاورات الفنية بين الأطراف الثلاثة بدأت في أبريل عام 2011 منذ الإعلان الرسمي الإثيوبي بتشييد سد النهضة.

 

وأكد أن ثاني هذه الحقائق أن المبادئ القانونية الحاكمة للانتفاع المنصف المشترك بالمجاري المائية الدولية "الأنهار الدولية" في غير أغراض الملاحة هي مبادئ عرفية وقانونية راسخة، مضيفا إن سد النهضة ليس السد الأول الاستثنائي الذي تنطبق عليه كسائر السدود على الأنهار الدولية نفس المبادئ المطبقة.

 

وأشار إلى أن من أعد وصاغ مسودة الاتفاق النهائي المرتقب توقيعه في واشنطن هم كبار الخبراء القانونية في اللجنة القانونية في البنك الدولي للإنشاء والتعمير لمنظمة الأمم المتحدة وهي الهيئة الدولية الأممية ذات الخبرة الواسعة، والسجل الزاخر إما بالقيام بأعمال الوساطة أو أعمال الاستشارات الفنية في مثل هذه المشاريع على الأنهار الدولية.

 

ولفت أستاذ القانون الدولي العام إلى أنه إذا ثبت أن إثيوبيا قد أخطرت فقط السودان ووزارة الخزانة الأمريكية في واشنطن بالاعتذار عن الاشتراك في الجولة الحاسمة التي هدفت ليست إلى المفاوضات السياسية أو المشاورات الفنية، ولكن هدفت إلى التوقيع على الاتفاق النهائي، ودون أن تخطر مسبقا مصر فذلك يعد وفقا لأحكام القانون الدولي سوء نية، يتمثل في عدم الاخطار المسبق وهي دولة طرف في اتفاقية إعلان المبادئ.

 

وأضاف أيمن سلامة إنه إذا ثبت أن توقيت الانسحاب كان مفاجئا وغير مناسب لباقي الأطراف وسبب ضررا لهم فيعد ذلك أيضا سوء نية بموجب القانون الدولي، موضحا أن بيان الخارجية المصرية مهم وقانوني، حيث أكد تمسك مصر بالمفاوضات برعاية الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، باعتبار أن المفاوضات المباشرة هي الوسيلة السلمية الأسرع لتسوية النزاعات الدولية بموجب القانون الدولي والمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة.

 

سيناريوهات المفاوضات

وقال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، إن اجتماعات واشنطن بشأن سد النهضة اليوم وغد مستمرة بمشاركة مصر والسودان في ظل الدور الذي يقرب إلى الوساطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، مضيفا إنه كان هناك آمالا منعقدة للوصول إلى الاتفاق النهائي والتوقيع عليه.

 

وأوضح حليمة، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن غياب إثيوبيا عن الاجتماعات بررته بأنه بسبب الأوضاع الداخلية، مضيفا إن هناك بعض الأطراف الداخلية في أديس أبابا تتمسك بعدم التنازل، لكن الأمور ستسير بقدر من التفاؤل الحذر لأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك الأمور تصل إلى طريق مسدود في ظل دورها الراعي للمفاوضات الأقرب للوسيط مع البنك الدولي.

 

وأكد أنه سيكون هناك تحركا نشطا وفاعلا يحفظ تواصل المفاوضات على النحو الذي يحقق التوازن بين مطالب الأطراف طبقا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والدولية بما فيها اتفاقية الأنهار الدولية وتجارب الدول الناجحة، مضيفا إنه يجب احترام هذه العوامل جميعا عن توقيع أي اتفاق فلا يمكن للأمور أن تتم من خلال رؤية أحادية.


وأضاف إن الاجتماعات في واشنطن مستمرة وستناقش القضايا العالقة لطرح رؤية، وسيتم إحاطة إثيوبيا به، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يشارك السفير الإثيوبي في الاجتماعات، والمفاوضات مستمرة وهذا هو موقف الدول جميعا، فغياب إثيوبيا لا يعني إنهاء مسار التفاوض، وكل دولة لديها أطر تتحرك خلالها.

 

وأشار إلى أنه من المرتقب تحديد موعد آخر في نهاية الاجتماعات الراهنة، والدور الأمريكي مع البنك الدولي سيواصل جهوده ودوره، فلن يقبلا بتعثر المسار التفاوضي وخاصة أن البنك الدولي له الخبرة والكفاءة في التعامل مع هذه الأزمات.

 

الموقف الأمريكي

ومن جانبه، قال الدكتور باسم رزق، الأستاذ بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة، إن غياب إثيوبيا عن اجتماعات واشنطن لوضع اللمسات النهائية لاتفاق ملء وتشغيل سد النهضة غير مبرر، مضيفا إنه لم يتضح أسباب الموقف الإثيوبي هل هو لإطالة أمد المفاوضات أم بسبب ضغوط داخلية.

 

وأكد رزق، في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن التحرك المصري سيتضح بعد نهاية الاجتماعات الجارية في واشنطن بمشاركة وزيري الخارجية والري اليوم وغدا، مضيفا إن وزارة الخزانة الأمريكية الراعية للاجتماعات ستتحرك وربما تلزم إثيوبيا بجدول زمني، وخاصة أن الاتفاق النهائي تم بلورته على ضوء مخرجات الاجتماعات الماضية.

 

وأشار إلى أن الجانب الإثيوبي يرتكب خطأ ربما يكلفه الكثير، ومصر مستمرة في التفاوض وفقا للإطار الذي تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات السابقة، مع توضيح الموقف الإثيوبي بشكل واضح من الاتفاق وما آلت إليه المفاوضات وربما يتم تحديد مهلة زمنية لعقد اجتماع آخر.

 

وأضاف إن الجانب الإثيوبي ينتهج سياسة المماطلة طوال مسار المفاوضات، لكن هذه المرة هناك طرفا دوليا يرعى المفاوضات وسيكون له موقفا صريحا، مشيرا إلى أن الرد المصري واضح وهو التمسك بمسار التفاوض لآخر نفس مع إعطاء فرصة للطرف الدولي، وننتظر في هذا الصدد الرد الأمريكي والذي سيتضح خلال البيان الختامي بعد إنهاء الاجتماعات اليوم وغدا.

 

وأوضح أنه بناء على هذه المخرجات سيتم تحديد مسار التحرك المصري في الفترة المقبلة وفقا لما حدده القانون الدولي، مشيرا إلى أن إثيوبيا لا تمتلك رفاهية وضع الطرف الأمريكي في وضع محرج، وربما تغيبها عن هذا الاجتماع هو لإطالة الأمد أو كسب المزيد من الوقت لترتيب الوضع الداخلي حول الاتفاقية أو ما يتم التوصل إليه.