حوار : سمير احمد
هذا الحوار مع أشجان ابنة الموسيقار علي اسماعيل الذي أثري الحياة الفنية بالكثير من موسيقاه سواء تلحينا أو توزيعا وقدم للكثير من الأفلام السينمائية موسيقاه التصويرية ايضا والذي احب الموسيقي وعشقها فأبدع فيها لتظل اعماله خالدة حتي الآن. غني له عمالقة الطرب في زمانه الاغاني العاطفية والوطنية وشكل ثنائياً جميلا هو وزوجته الشاعرة نبيلة قنديل فهكذا العظماء والمبدعون ستظل اعمالهم تتحدث عنهم ما دامت الحياة ...
حديثنا عن ميلاد ونشأة الموسيقار علي اسماعيل ؟
والدي من مواليد ديسمبر عام 1928 جدي كان قائدا لفرقة موسيقات الحرس الملكي، ألحقه بمدرسة الصناعات البحرية بالسويس، فقد كان يكره الروتين والقيود وظل هذا المبدأ ملازما له طوال حياته لانه كان مقاتلاً عنيفا وطموحا وموهوبا ويحتاج لمن يدير موهبته، اتجه بعد ذلك إلي مدرسة الموسيقي العسكرية وقت تجنيده بالجيش ومن خلال دراسته فكر أن تكون للموسيقي شخصية متفردة وهداه تفكيره أن يلتحق بالمعهد العالي للموسيقي ليدرس الموسيقى علي اصولها علي يد المتخصصين.
كيف كانت علاقتك به ؟
أنا الابنة الثالثة للموسيقار علي اسماعيل والشاعرة نبيلة قنديل الابن الأول مصطفي والثاني حسين كنت صاحبة الدلال الوحيدة في حياته وكانوا يسمونني"حبيبة ابوها" ولم يمنع عني شيئا أو يغضبني طوال حياته فالأمر أكبر من مجرد علاقة أب وابنته، فعلاقتي كانت مميزة غير اخوتي كوني الابنة الوحيدة في حياته وكان يحلف بحياتي دائما في تعامله مع الآخرين وأذكر أن المخرج عاطف سالم كان يريد أن يعمل له الوالد الموسيقي التصويرية لأحد أفلامه وكانت الميزانية لا تسمح وكان علي إسماعيل يأخذ اعلي أجر في ذات الوقت فكان يخاف أن ينخفض سعره في السوق خوفا من أن يهتز اسمه فاعتذر له فقال له عاطف «تعدم شجون» فقال له لا تحلفني تاني كده ووقع له علي بياض ولم يتقاض مليماً واحداً عن هذا العمل وكانوا في الوسط يقولون عليّ إنني " الكربونة" بتاعته.
ماذا عن دخوله عالم الفن؟
عشق الموسيقي منذ سن صغيرة من والده وكان يجيد حفظ الاناشيد بمجرد سماعها مرة واحدة فالتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي وبعد تخرجه فوجيء بتعيينه مدرسا للموسيقي لكنه رفض لكراهته للروتين بدأ العمل في شارع عماد الدين من خلال كازينوهات «ببا عزالدين» و«بديعة مصابني» حتي يستطيع الانفاق علي دراستة بالمعهد. أنشأ فرقة "جاز" وكان يعزف بين الفصول لانه تمرد علي الموسيقي الموجودة وعمل قطعاً موسيقية من تأليفه.
ولم تشهد فترتا الخمسينيات والستينيات لحنا وطنيا ناجحا لايحمل توقيع علي إسماعيل ، فقد دق جرس التليفون ذات مرة بمنزلنا وكان المتصل الموسيقار عبد الوهاب الذي طلب منه أن يوزع نشيد " وطني حبيبي الوطن الاكبر" الذي سيقدم أمام الزعيم جمال عبد الناصر في احتفالات الثورة وفوجئ الحاضرون بتصفيقه بعد انتهاء النشيد وظل واقفا لمدة خمس دقائق.
وماذا عن ظروف عمله مع فرقة رضا؟
كان هو وعلي رضا صديقين وفرقة رضا كانت في بداياتها وكانوا عندما يذهبون لاي ملحن من الموجودين علي الساحة في ذلك الوقت يطلب منهم «فلوس» حتي قال محمود رضا لاخيه علي أنا يئست، يبدو اننا لن نكمل والفرقة ستتوقف ولا نستطيع تحقيق الحلم، فطمأنه وأرشده عن والدي الذي قال لهما أنا معكم. كان ذلك قبل الافتتاح بحوالي شهر ونصف الشهر وقبل الافتتاح بنحو 15يوماً ظلوا يبحثون عنه فلم يجدوه الا في المستشفي جالساًَ علي الأرض والنوت امامه وينفذ العمل المطلوب منه للفرقة.
وما الاغاني الوطنية التي قدمها؟
أغنية «دع سمائي» وهذه الاغنية ألقت الضوء والانتباه أن هناك موسيقارا اسمه علي إسماعيل ملحناً وموزعاً بطعم جديد غير متداول في ذاك الوقت وفى اعتقادى أن في كل أعماله تحس وكأنه يقدم تمثالاً مثل النحات.
ماذا عن بعض مواقفه في الوسط الفني ؟
كثيرة .. وكان صديقا لرشدي اباظه وتحية كاريوكا واهدي لهما الموسيقي التصويرية لاول فيلم من إنتاجهما " عاشور قلب الاسد" وكانا متزوجين حديثا.
وماذا عن قصة طلب إسرائيل رأس الوالد علي إسماعيل؟
منظمة فتح الفلسطينية دعته لزيارة معسكرات الفدائيين تقديرا لدوره كفنان ثوري وأقام هناك اربعة ايام ورأي حماسهم القتالي علي الطبيعة فرجع بلحن اغنية " فدائي " وغناها عبد الحليم حافظ وقدم بعدها مسرحية " النار والزيتون" والتي كانت تصور حياة الفدائيين وصمودهم وكان دائم الزيارة لهم كل ثلاثة اشهر مع فرقة رضا، في ذلك الوقت أعلن المحتل الإسرائيلي عن مكافأة لمن يأتي برأسه.
لماذا اتهمه النقاد في وقت ما بأنه ملحن الإنجليز وأنه يضر بالموسيقي الشرقية ؟
أتذكر أنه في هذا الوقت انتشرت شائعة كوميدية قالوا ان عبد الناصر اخرج الانجليز من مصر وأدخلهم علي إسماعيل" بمزيكته "، الموسيقار علي إسماعيل كان سابقا لعصره أراد التطوير والخروج بالموسيقي الشرقية والغربية والدخول بآلات موسيقية جديدة وقد لاقت نجاحا مبهرا وترددت اغانيه خاصة اغنية " يامغرمين ياعاشقين " وقد مزج فيها بين الرتمين الشرقي والغربي.
ما سر نجاح كلمات وموسيقي فيلم «الأرض» التي كتبتها زوجته الشاعرة نبيلة قنديل؟
لأنه استطاع أن يترجم مشاعر الشعب المصري بالصورة والحركة من خلال موسيقاه التصويرية فقد كان يضع الجمل الموسيقية التي تصاحب الدور الذي يؤديه الفنان وتتلون بانطباعه ولايقبل أي عمل الا بقراءة السيناريو كاملا وينتظر نهايات الفيلم ثم يضع موسيقاه بعد أن يعيشه ووضع موسيقي أكثر من 100 فيلم أبرزها " إجازة نصف السنة" والذي حصل به علي الجائزة الاولي في الموسيقي التصويرية.
وهل كان نجاح علي إسماعيل مرهوناً بزوجته رفيقة الدرب والاحلام ؟
والدتى الشاعرة نبيلة قنديل نسيت اسمها الحقيقي وتمسكت بدور الزوجة التي وقفت بجوار نجاحه ودفعته للمجد واتجهت لكتابة الاغاني ومن أهم اعمالها " رايحين في إيدنا سلاح " وأم البطل " لشريفة فاضل " واهو جه ياولاد" وقد كونا ثنائيا فنيا ناجحا جمعهما الحب والتفاهم .
هل كان راضيا عن المهن التي اخترتموها؟
فضل عدم احترافنا للموسيقي، ورغم ذلك درسنا الموسيقي في الكونسرفتوار أنا واخوتي وعلمنا أسس الموسيقي وأسرار الألحان.
وأتذكر أننى كنت في مقابلة مع حلمي النمنم وزير الثقافة وقالي لي أنا بحترم هذا الرجل " مش ها اقول" علي اعماله لكن عن كيفية التفاؤل والايمان ببلده في هذه الاغنية بالذات «رايحين في ايدنا سلاح».
البعض يري أن التوزيع الموسيقي قتله كملحن فما مدي صحة هذا الكلام ؟
كان علي إسماعيل القائد الوحيد للتوزيع الموسيقي في مصر وقد استطاع أن يوزع كل اغنية طبقا لمعانيها وكلماتها ويضع رؤيته لها لتكون في شكل قالب جميل ليضفي إليها سمة العالمية وحتي أنه كان يرفض الكثير من العروض لتوزيع الاغاني لانه كان بمثابة الجندي المجهول حتي أنه رفض عدة الحان لعبد الوهاب وتفرغ لألحانه قبل رحيله.
ما سر تهافت أعظم المخرجين عليه لوضع الموسيقي التصويرية لأفلامهم ؟
اتذكر جملة قالها الفنان كمال الطويل بعد وفاته - أغانينا من غير علي إسماعيل ليس لها طعم لذلك كانوا يتهافتون عليه لان له طعماً خاصاً وكان يعيش «ارهاصة» الحدث بمشاعره وكان جزءا لايتجزأ من كل فيلم يشارك فيه بموسيقاه ومن ينسي فيلم «الأرض» للفنان محمود المليجي أيضا فيلم "الايدي الناعمة".
هل خاض معارك فنية ؟
لم يكن لديه وقت لهذا فكان يعشق عمله فقدم حوالي 1200 أوبريت للاذاعة وحوالي 1200 توزيع موسيقي و12 مسرحية وضع لها الموسيقي التصويرية وحوالي 350 فيلماً سينمائياً منها فيلم «الارض» وقد عرضت عليه تولى نقابة الموسيقيين ووزارة الثقافة لكنه كان يكره الروتين ويحب الانطلاق فهو عاش ككائن روحه حرة ويحب الموسيقي.
كان اصدقاؤه يحبونه وغيرهم الكثير من كتاب وشعراء وعندي إحساس أني غنية ليس بكوني ابنة علي إسماعيل و الشاعرة نبيلة قنديل لكن بأنني رأيت عمالقة الفن الاصيل كلهم وتعاملت معهم وتربيت بينهم.
هل هو أول من أدخل الأورج والجيتار والمزمار البلدي في التكوينات الموسيقية ؟
بالتأكيد فقد ادخل "الاورج" عن طريق فرقة رضا وآلة القانون الإلكترونية و كان يعزف عليها عازف لبناني أتي به الي مصر وآلة الهارب كانت مهمشة فظهرت في أغنية " بلاش عتاب " واعجب بها المخرج حسن الإمام والتي غناها عبد الحليم لشادية ويعتبر المطور الثاني للموسيقي الشرقية بعد خالد الذكر سيد درويش.
ماذا عن الأوسمة والنياشين التي حصل عليها وتسمية شارع باسمه بالقاهرة ؟
كانوا دائما يقولون لي لماذا لم يكرم علي إسماعيل، أنا أرى العكس من أكثر الناس الذين أخذوا جوائز في حياته وبعد مماته، فقد حصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولي وأيضا عن مجمل أعماله الوطنية من عبد الناصر وحصل علي جوائز من الملك حسين وهيلا سلاسي ومن ياسر عرفات آخر جائزة المفروض أن يتسلمها عن فيلم" العصفور" من روسيا ولكن لم يمهله القدر وحصل علي جائزة من السادات بعد وفاته استلمتها والدتي ومن يوسف السباعي وزير الثقافة الأسبق ايضا، علي إسماعيل أول فنان يقطع إرسال التليفزيون ليذيع خبر وفاته لمدة شهر علي القنوات وصور الجنازة، كما ان الرئيس السادات شخصيا هو الذي امر ان يطلق اسمه علي احد الشوارع ..
علي اسماعيل لم يكن مجرد اوركسترا بل كان ضلعاً اساسياً في الاغنية وأنا حزينة جداً عندما تعزف اوبرا برلين مقطوعة له بدون نوت لفيلم «الايدي الناعمة» وفي مصر طلبت مني د.إيناس عبد الدايم رئيس الاوبرا نوت لكي يعزفوا له مقطوعة فأنا اتعجب وأضع علامة استفهام لذلك.