بقلم : إقبال بركة
مسلسل "ملك ..باحثة البادية " يفتح صفحة منسية فى تاريخ مصر ، فهو يحكى قصة "ملك" أول صحفية و شاعرة و خطيبة مصرية (25 ديسمبر 1886- 17 أكتوبر 1918) . و هى أول فتاة مصرية تتخرج فى مدرسة «السنية» ، أول مدرسة حكومية للبنات فى مصر ، وتعين مدرسة بها. إنها قصة فتاة مصرية فى بداية القرن العشرين تفوقت على معاصريها وقت أن كانت أغلب نساء مصر معتقل وراء قضبان "الحريم" ، لا تطل على العالم إلا من خلف المشربية ، وأصبحت كاتبة مشهورة ، تحظى بإعجاب و تشجيع الكاتب الكبير أحمد لطفى السيد ، وتكتب عامودا ثابتا فى جريدته " الجريدة " ، وتنظم القصائد وتخطب فى النساء لإثارة الوعى بينهن ، وتتمتع بصداقة و إعجاب أهم نساء عصرها هدى شعراوى و مى زيادة . ولكى أقدم تلك الشخصية الفذة للملايين من مشاهدى التليفزيون ، من الشباب الذين لا يعرفون شيئا عنها ، وقبل كتابة قصة حياة ملك قمت بدراسة مستفيضة للعصر الذى عاشت فيه ( نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين ) نتج عنها نشر كتابين "هما " المرأة الجديدة " و " المرأة المسلمة فى حوار الطربوش و القبعة ".
وبعد أن قدمت الحلقات الى شركة " مصر للصوتيات و المرئيات " عرض المسلسل على الرقابة أكثر من مرة ، وقد جاء فى تقرير الرقابة " حلقات جيدة استطاعت أن تعطى خلفية تاريخية للأحداث فى تلك الفترة التى عاشتها ملك حفنى باقتدار .." و جاء فى تقرير آخر عن المسلسل " ليست مجرد قصة حياة و كفاح ثرى بالأحداث المشرقة والمعتمة ، لكنها إحدى ريادات حقوق المرأة فى مرحلة مبكرة من كفاحها ، كما أن حياتها كعمل تسجيلى يوفر عنصرا دراميا متميزا، حيث تتشابه الأحداث بعد قرن من الزمان و اليوم ..و..أسلوب العرض سهل و جيد " . و الحق أنى استفدت كثيرا من الملاحظات التى جاءت فى تلك التقارير و نفذتها جميعا لاقتناعى بها . أما بالنسبة لعدد الحلقات فقد تباينت الآراء من تقرير يرى أن العمل يصلح للتسويق كسهرة ، و تقرير آخر يرى أن يقتصر المسلسل على سبع حلقات فقط (سباعية ) ، و تقرير ثالث يطلب أن يكون المسلسل أكثر تفصيلا " ، و أخيرا طُلب منى أن يكون عدد الحلقات ثلاثين حلقة حتى يمكن تسويقها !
وبعد موافقة الرقابة تعاقدت مع شركة "مصر للصوتيات و المرئيات" أوائل عام 2001 على أن يكون المسلسل من 15 حلقة و ألا تقل الحلقة عن 45 و لا تزيد علي 50 دقيقة . قدمت الحلقات و انتظرت طويلا ، و لكن انتاج المسلسل كان يتأجل مرة بعد مرة بحجج متعددة جاء آخرها منذ عدة شهور أن خزانة الشركة خاوية تماما و أنها عاجزة عن انتاج أى عمل فنى !!!
يأتى مسلسل "ملك باحثة البادية" بعد عدة أعمال فنية قدمتها للاذاعة و التليفزيون مثل قصة "تمساح البحيرة" وقصة و حوارالمسلسل الاذاعى "أحلام أحلام " و "شجرة اسمها الود " و قصة و سيناريو و حوار سهرة " جواز على ورق سوليفان " ، ثم مسلسل "شجرة اسمها الود " . و أخيرا نشرت حلقات رواية "ملك باحثة البادية" فى مجلة حواء .
و لاشك أن قصة حياة الأديبة المصرية ملك حفنى ناصف هى أنسب ما يمكن أن يقدمه التليفزيون المصرى للجيل الحالى من الشباب بمناسبة مرور مائة عام على وفاتها ، و أيضا بمناسبة تخصيص عام 2017 للمرأة المصرية ، لكى يدركوا أن مسيرة كفاح المرأة المصرية بدأت منذ أكثر من قرن من الزمان ، عندما أثبتت المرأة المصرية وعيا وطنيا فاق وعى بعض الرجال ، وآزرت البطل أحمد عرابى الثائر على عنصرية وفساد الخديو توفيق بن اسماعيل وقاومت سياسات الاحتلال الانجليزى التى كانت تهدف الى محو الهوية المصرية الإسلامية و إخضاع مصر للهيمنة البريطانية . والمسلسل يلتحم فيه الواقع التاريخى بالخيال الدرامى ، ليصورالصراع بين الماضى و الحاضر ، بين العقل و العاطفة ، بين الرجل و المرأة، و بين الأصيل الراسخ و الوافد المقتحم.