سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد على مجتمعات حول العالم كانت قد انتُشلت من الفقر، في الوقت الذي يقول فيه الخبراء إن معدلات الفقر العالمي ستزداد للمرة الأولى منذ عام 1998، وقد ينزلق نصف مليار شخص على الأقل إلى العوز بحلول نهاية العام.
وقالت الصحيفة - في تقرير نشرته في عددها الصادر اليوم الجمعة - إنه في غضون أشهر قليلة فقط، أزال فيروس كورونا مكتسبات عالمية استغرق تحقيقها عقدين من الزمان، ليترك ما يقدر بملياري شخص في خطر الفقر المدقع..ومع أن الفيروس لا يميز أحدا في انتشاره، لكنه أثبت مرارا أنه ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بتأثيره على المجتمعات الأكثر ضعفا في العالم.
ويقول البنك الدولي إنه للمرة الأولى منذ عام 1998، تشير التوقعات إلى ارتفاع معدلات الفقر، فيما تقدر الأمم المتحدة أنه بحلول نهاية العام، قد يُدفع بـ 8% من سكان العالم، أي نصف مليار شخص، إلى العوز؛ وهو ما يرجع بشكل كبير إلى الجائحة.
وفي الوقت الذي سيعاني فيه الجميع، سيكون العالم النامي هو الأكثر تضررا، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ستشهد ركودا هو الأول منذ 25 عاما، مع فقدان ما يقرب من نصف إجمالي الوظائف في أنحاء القارة، أما جنوب آسيا فمن المرجح للغاية أن تشهد أسوأ أداء اقتصادي لها خلال 40 عاما.
وأشار التقرير إلى أن الأكثر عرضة للخطر هم الأشخاص العاملين في القطاع غير الرسمي، الذي يوظف نحو ملياري شخص لا تتاح لهم استحقاقات كإعانات البطالة أو الرعاية الصحية، ففي بنجلاديش فقد نحو مليون عامل في صناعة الملابس وظائفهم بسبب الإغلاق، ويمثلون 7 بالمائة من القوى العاملة في البلاد، وكثير منهم موظفون بشكل غير رسمي، بحسب الصحيفة.
ويحذر الخبراء من أن موجات الصدمة المالية قد تستمر حتى بعد أن ينتهي الفيروس، فدول مثل بنجلاديش التي تنفق بشكل كثيف على برامج لتطوير التعليم وتوفير الرعاية الصحية، قد لا تكون قادرة بعد الآن على تمويلها.
وتقول "نيويورك تايمز" إن المكتسابات المعرضة للخطر الآن تعد تذكرة صارخة بحالة عدم المساواة العالمية ومقدار ما يجب القيام به.. ففي عام 1990، كان 36 في المائة من سكان العالم، أو 1.9 مليار نسمة، يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم، وبحلول عام 2016، انخفض هذا العدد إلى 734 مليون شخص، أو 10 في المائة من سكان العالم، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى التقدم في جنوب آسيا والصين.
وحققت الهند بعضا من أكبر تلك المكتسبات، حيث تم انتشال 210 ملايين شخص من الفقر من عام 2006 إلى عام 2016، وفقًا للأمم المتحدة، أما بنجلاديش فأخرجت منذ عام 2000، 33 مليون شخص - 20 في المائة من سكانها - من الفقر بينما قامت بتمويل البرامج التي توفر التعليم للفتيات، وزيادة متوسط العمر المتوقع وتحسين محو الأمية.
كما أصبحت المجاعات التي كانت تعاني منها جنوب آسيا ذات يوم حالة نادرة الآن، وأصبح السكان أقل عرضة للإصابة بالمرض والمجاعة، لكن الخبراء قلقون من أن مسار هذا التقدم قد ينعكس، حيث قد يتم خفض تمويل برامج مكافحة الفقر بينما تكافح الحكومات ركود معدلات النمو أو الانكماشات الاقتصادية فيما يتجه العالم نحو الركود.
ففي الهند، أصبح الملايين من العمال المهاجرين عاطلين عن العمل ومشردين بين عشية وضحاها بعد أن أعلنت الحكومة هناك فرض الإغلاق.. وفي أجزاء من أفريقيا، قد يعاني الملايين من الجوع بعد أن فقدوا وظائفهم، وعرقلت إجراءات الإغلاق شبكات توزيع المساعدات الغذائية.. وفي المكسيك والفلبين، جفت التحويلات التي تعتمد عليها العائلات بعد أن فقد معيلوهم الأساسيون وظائفهم ولم يعد بإمكانهم إرسال الأموال إلى الوطن.
وأشارت الصحيفة إلى أن قرارا إلتزمت فيه الأمم المتحدة بالقضاء على الفقر والجوع وإتاحة التعليم للجميع بحلول عام 2030 قد يكون الآن حلما بعيد المنال.
وأوضحت أن أكثر من 90 دولة طلبت المساعدة من صندوق النقد الدولي، ولكن مع تضرر جميع الدول، قد تكون الدول الميسورة في وضع مالي صعب للغاية بحيث لا يمكنها تقديم المساعدة التي يحتاجها العالم النامي أو عرض إعفاء من الديون، وهو ما تطالب به بعض الدول ومنظمات المعونة.