الأحد 16 يونيو 2024

الشيخ البشرى يحتسى القهوة ويدخن السيجارة

18-4-2017 | 15:15


إعداد الكاتب : عادل عبد الصمد
فى لذة وانسجام راح الأستاذ الشيخ البشري يحتسي القهوة ويدخن السيجارة فى غرفة الجلوس بمسكنه، بينما أرهف سمعه لأسئلة  مندوب (الاثنين) متهيئا للإجابة عنها .

 

مع الشيخ البشري فى (عشه) 
 هي والله (شقة)  قلما تقع العين على مسكن يضارعها رحابة، وتألقا، ولطف موقع، وروعة تنسيق، ولكن ساكنها الشيخ البشرى  ــاستاذ الأساتذة فى الظُرف  ــ  يصر على أن يسميها عشة، وما ندري أذلك عن تواضع، يعهد مثله فى أمثال الشيخ من أصحاب الفضيلة العلماء أم هو صرف لأعين الحاسدين!  


أما المكتب الذي يجلس إليه فضيلته فى مسكنه في شارع اسماعيل بقصر الدوبارة، فهو أشد من صاحبه تواضعا فى المنظر،  وليس عليه سوى  دواة صغيرة من الزجاج ونشافة، وكراسة بها أوراق بيضاء، هي التي  يملؤها الشيخ  بوحي أدبه الرفيع، الذي يتهافت عليه الكثيرون من المستمعين إلى الراديو، وقراءة الصحف، والمجلات،  ولفضيلة الأستاذ البشرى ولد وبنتان يشبهونه فى الظُرف، وخفة  الروح، وحدة الذكاء، وقد كتب عنهم يقول :  
إننى أحب أولادي أشد الحب وأعطف عليهم أبلغ العطف، وأجد لهم من الرقة والرحمة والحنان ما لا أجد لأحد فى العالمين، أحبهم لأنني أحب نفسي، وهم بعض نفسي، بل إنهم عندي خير ما فى نفسي، هم  عصارة قلبي وحشاشة كبدي، وأجمل ما يترقرق فى صدري من منى وآمال وأبهج ما يطوف برأسى من حلم، وخيال وقد تجسد كل أولئك أناسى تغدو على الأرض وتروح.  
 ويكره الشيخ أولاده بقدر ما يحبهم ــ كما يقول  ــ  لأن جهاده فى سبيلهم لا يدع له ما يتمتع به فى الحياة،  ولأنهم يجزونه من العطف عليه ولو بنسبة واحد  إلى المائة من عطفه عليهم، ثم لأنهم كثيرا ما يعتذرون على نصحه،  ويخالفونه إلى ما ينهاهم عنه مما يضرهم ولا ينفعهم وتتلقى الآنستان زينب وليلى ــ كريمتا الشيخ ــ  دروسهما فى مدرسة الليسيه  فرانسيه أما شقيقهما (حباية)  فيتلقى دروسه فى المدرسة الإبراهيمية  وقد برع كوالده فى الظُرف والتنكيت. 
وقد انتهز مندوب الاثنين  هذه المناسبة وسأل  (حباية)  فى حضرة والده قائلا :  
 هل تعجبك إذاعة والدك فى الراديو ؟   
فقال بصوت عال :  
 طبعا  تعجبني جدا وأول ما نسمع المذيع يقول : “ستسمعون الآن حديثا للأستاذ البشري”،  أفوت كل شيء وأجرى على طول 
ولما سأله مندوب الاثنين :  تجرى على فين ؟  همس فى أذنه بالجواب  قائلا: أجرى على سريري لأنام ! 
  ولعل من حق القراء أن نروى لهم (قفشة) بديعة قفشها لنفسه الشيخ الظريف قال :  
“كنت قبل أن أقطن  حى قصر الدوبارة، أقطن حي الروضة، وكنت حينذاك كثيرا ما أتردد  على دار سعادة الدكتور على  إبراهيم باشا  فأستقل الترام حتى يبلغ بى أمام شارع المبتديان فى شارع قصر العينى، ثم اجتاز بضعة شوارع أعرفها بأشكالها لا أسمائها، فأصل بعد السير نحو ثلث ساعة إلى دار الدكتور فى شارع خليل أغا، ولما انتقلت إلى مسكني الجديد وجدت أسهل طريق يوصلنى إلى دار سعادة الدكتور أن أسير أولا إلى شارع المبتديان ــ وبينه وبين مسكنى مسيرة ثلث ساعة ـ   ثم أسلك الطريق الذى أعرفه حتى أبلغ  دار الدكتور، وحدث منذ أيام أن نزلت من الدار التى أسكنها ـ وهى تقع على ناصيتى شارعين ـ  فبينما أنا واقف  عند ملتقى هذين الشارعين اتهيأ لاجتياز أحدهما فى  طريقي الى مجمع اللغة العربية الملكي، حيث اعمل اذ لمحت  سعادة الدكتور على ابراهيم باشا نازلا من دار  امامي  فسارعت إلى لقائه ثم قلت له : 
 زيارة مباركة إن شأ الله وتعجب سعادته قائلا : 
 انت ترى  اننى  نازل من دارى فماذا تعني؟ 
 وهنا نظرت إلى الدار التى نزل منها فأذا هي دار سعادته التي أزوره فيها وإذا ليس بينها وبين مسكني سوى أمتار معدودات”  
  الاثنين 12 فبراير 1940