بقلم – ثروت الخرباوى
منذ أيام كتب أحد قيادات الإخوان من الهاربين إلى تركيا رسالة إلى أقباط مصر قال فيها: يا أقباط مصر لا تظنوا أن أحدا يستهدفكم لأنكم نصارى فلكم دينكم ولنا ديننا ولكن استهدافكم سببه أنكم الهدف الأسهل من أولئك الذين ساندوا «السيسي» ويجب أن تعلموا أن السيسى لا يهتم بكم ولكنه يريد مئات بل آلاف الضحايا منكم لأنه عند كل قتيل منكم يحصل السيسى على دعم غربى لمواجهة الإرهاب ولو كنتم ذوو قيمة عنده لشدد الحراسة على الكنائس.!
وفى ذات اليوم وبعد أن نشر هذا الإرهابى الإخوانى رسالته فى صفحته فى “الفيس بوك” إذا بمتطرف قبطى يعيش فى أمريكا يكتب فى صفحته فى الفيس بوك أيضا رسالة إلى أقباط مصر قال فيها: «صديقى القبطى المضطهد والمذبوح كل يوم فى مصر هل سألت نفسك لماذا لم يُقتل فى تفجيرات الكنائس التى حدثت عبر السنوات الماضية ولحد الآن أى قسيس أو شمَّاس؟ أنا أقول لك لم يُقتل أحد منهم لأنهم يعرفون موضوع التفجير قبله فيحتاطون لأنفسهم والدليل على ذلك أن البابا كان فى كنيسة طنطا ثم غادرها قبل التفجير بنصف ساعة بعد أن تلقى مكالمة من المخابرات عرف منهم فيها خبر التفجير فخرج ناجيا ولم يكلف نفسه عناء إخراج الأقباط من الكنيسة المستهدفة».
وبعد تفجير الكنيستين ظهر فيديو على موقع اليوتيوب للقيادى الإخوانى وجدى غنيم أحد زعماء الإرهاب فى العالم حاليا قال فيه بالحرف الواحد وهو يحرض المسيحيين على الدولة: «السيسى اللى قتلكوا فى ماسبيرو هو اللى بيفجر كنائسكم» ثم أخذ وجدى غنيم فى وصلة سب وردح بلدى بذيء لكل المسيحيين وللبابا تواضروس متهما إياهم بالكفر والنجاسة وكان قد سبق لهذا الإرهابى أن فعل نفس الأمر بعد حادث البطرسية فى ديسمبر الماضى إلا أن الله خيَّب شره عندما أعلنت داعش مسئوليتها ثم بعدها رأينا فيديو للإرهابى الذى فجر نفسه أثناء استعداده للعملية الإرهابية ومن خلال هذا الفيديو عرف العالم حقيقة تلك الجماعة الإرهابية الفاشية التى قامت بهذا الفعل.
وقبل تفجير الكنيستين ظهر على موقع اليوتيوب شريط فيديو مسجل مع يوسف القرضاوى مفتى الإخوان والأب الروحى لكل جماعات التطرف التى تنسب نفسها للإسلام قال فيه بالحرف الواحد ردا على سؤال حول حكم التفجيرات فى تجمعات النظام وسقوط المدنيين ضحايا للعمليات الإرهابية: «الأصل فى هذه الأمور أنها لا تجوز إلا بتدبير جماعى إنما التفجير فلابد أن تكون الجماعة هى التى ترى أنها فى حاجة إلى هذا الأمر وإذا رأت الجماعة أنها فى حاجة إلى من يفجر نفسه فى الآخرين ويكون هذا أمرا مطلوبا وتدبر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر الممكنة وإذا استطاع أن ينجو بنفسه فليفعل إنما لا يترك هذا الأمر للأفراد وحدهم» وتابع القرضاوى فى فتواه الإرهابية: «لا يصح لفرد أن يتصرف بمفرده ويقوم بتفجير نفسه فى الآخرين ولازم يتصرف فى حدود ما تريده الجماعة ويسلم نفسه للجماعة والجماعة هى التى تصرف الأفراد حسب حاجاتها وحسب المطالب إنما لا يتصرف الأفراد وحدهم” وأظن أن هذه الفتوى لا تتطلب مراجعة فقهية أو ردا فقهيا من أى عالم ولكنها تحتاج إلى طبيب أمراض عقلية فالرجل وصل إلى مرحلة الخرف وأصبحت كل فتوى تصدر منه بمثابة عملية إرهابية جديدة!.
ولكن هل يوجد رابط بين كل هذه الأحداث إخوانى متطرف يحرض الأقباط ضد الدولة وقبطى متطرف يحرض الأقباط ضد البابا والدولة فى آن واحد وشيخ إرهابى اسمه وجدى غنيم يساهم بامتيار فى تحريض الأقباط ضد الدولة ولأن نفسيته مريضة لا ينسى وصلة السباب التى تعوَّد عليها بين الحين والحين ثم شيخ الإرهابيين فى العالم يوسف القرضاوى يجيز للفرد أن يفجر نفسه ويقتل نفسه فى أى تجمع فيه مدنيون سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين ولكنه يشترط لذلك أن يكون هذا هو توجيه الجماعة ورأى الجماعة وتخطيط الجماعة فإن أراد أن يفعل ذلك وحده دون أن يأخذ الأمر من الجماعة فلا صواب فى عمله!.
الأمر الواضح من كل هذه الأحداث أن هناك من يُدير ويُوجِّه ويُمسك خيوط اللعبة ويأمر فريق من قوى الشر بالتمويل وفريق آخر بالتخطيط وفريق ثالث بالإفتاء وفريق رابع بالتنفيذ وفريق خامس باستغلال الحدث والتحريض على الدولة ولكن أخطر فريق من هذه الفرق هو فريق الإفتاء لأنه يمهد الطريق لشاب ساذج أبله؛ لكى يفجر نفسه على ظن منه أنه سيذهب مباشرة إلى الجنة فريق القرضاوى ومنْ على شاكلته هم الذين يزينون لصبيانهم تفجير أنفسهم ويطلقون على الواحد منهم: “الاستشهادي” فيعيش الصبى فترة قبل العملية وهو يمّنى نفسه بالجنة والحور العين ولقاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتظل هذه الأمنيات تداعب نفسه إلى أن يتيقن أنه لن يموت ولكنه سيكون من الأحياء مصداقا لقول الله تعالى «ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون»!.
والغريب أن كلهم يقرأون هذه الآية ولكنهم لا يقفون على كلماتها ولا حروفها ولا معانيها فى حين أنهم لو قرأوها لعرفوا أن ما يفعلونه يخالف الإسلام بل يقف على نقيضه فالآية لا تقول: ولا تحسبن الذين قتلوا أنفسهم ولكن: “ولا تحسبن الذين قُتلوا” والذين قُتلوا هم هؤلاء الذين وقع القتل عليهم لا الذين قتلوا أنفسهم ثم إن الآية لا تقول: ولا تحسبن الذين استشهدوا فى سبيل الله ولكنها قالت «الذين قُتلوا فى سبيل الله» ولكن هؤلاء الشيوخ الذين نزع الله من قلوبهم الرحمة يحرفون الكلم عن مواضعه ويطلقون على من يفجر نفسه وسط الأبرياء أنه استشهادى وأن ما قام به هو عملية استشهادية! وذلك لكى يتم تسويغ هذا الفعل المخالف للفطرة الإنسانية فى نفس الصبيان والشباب الغر الأحمق الجاهل الذى لا يعرف من دينه شيئا ويثق فى هؤلاء المشايخ الذين ضلوا وأضلوا.
ولأننا تحدثنا عن عدة فرق تُساهم جميعها فى تلك الأفعال وتُحرك القبطى الذى يعيش فى أمريكا لكى يُثير حفيظة وغضب أقباط مصر ضد البابا وفى ذات الوقت تُحرك الإخوانى الهارب فى تركيا لكى يُشعل فتنة بين الأقباط والدولة ورئيس الدولة ثم تحرك الشيخ لكى يضع الفتوى لذلك فإننا يجب أن نفصح عن تلك الفرق وعن حقيقة فتاوى التفجير وعن ذلك الذى يحرك كل هؤلاء.
الذى يدير مسرح العرائس فى تلك اللعبة الإرهابية هى بريطانيا وقد أصبحت مسئوليتها حديث العالم كله خاصة بعد أن فضحها مندوب روسيا فى مجلس الأمن “سافرونكوف» فقد هاجم مندوب بريطانيا وقال بعبارات واضحة وصريحة ومستندة إلى قاعدة معلوماتية:”إن بريطانيا دعمت المجموعات المسلحة فى فرنسا والجماعات الإرهابية التى ارتكبت التفجيرات على الكنائس فى مصر فى “أحد الشعانين” ولا أظن أن ما قاله مندوب روسيا يعتبر شيئا جديدا فقد ثبت تاريخيا باعتراف الإخوان أنهم تلقوا تمويلا قدرة خمسمائة جنيه من بريطانيا عام ١٩٢٨ وقت إنشاء جماعتهم فى الإسماعيلية ثم ثبت بعد ذلك أنهم ظلوا يتلقون تمويلات متتالية على مدار سنوات لكى يقوموا بتنفيذ مخططات بريطانيا فى المنطقة وعندما وضع مجلس الوزراء البريطانى منذ أكثر من عام تقريرا وضع فيه تلميحا عن علاقة الإخوان بالإرهاب وجماعات الإرهاب فى العالم إذا بالمخابرات البريطانية تتحرك وتُحضر إبراهيم منير مسئول الإخوان فى أوربا لكى يخضع لجلسة مناقشة موسعة فى مجلس العموم البريطانى وكلنا يعرف ما تم فى هذه الجلسة وكيف أن إبراهيم منير مارس فيها كل أنواع الكذب وقال إن الإخوان لا يمانعون فى التحرر الجنسى بحسب أنه حرية شخصية كما أنهم مع حرية العقيدة بشكل مطلق تصل بهم إلى السماح بالإلحاد فى مصر دون أن يضيقوا الخناق على الملحدين وبعد هذه الجلسة بأشهر قليلة وضع مجلس العموم البريطانى تقريرا رد فيه على التقرير السابق لمجلس الوزراء قام فيه بتبرئة الإخوان من الإرهاب واكتفى بالقول بأن استهداف النظام المصرى للإخوان فى مصر قد يحوَّلهم إلى إرهابيين!.
ولكن لماذا بريطانيا هى التى تتزعم دعم جماعات التطرف المنسوبة للإسلام؟! لكى نفهم الواقع يجب أن نمسك الخيط من أوله إذ إنه حتما سيقودنا إلى تفسير حقيقى لأحداث تمر بنا نستشعرها غامضة وهى فى حقيقتها واضحة جلية كان الخيط من أوله مع بريطانيا العظمى ومخابراتها فقد كانت وقتها هى القوة العظمى فى العالم صحيح كانت قوة آفلة كادت شمسها أن تغيب وصحيح أن أمريكا الفتية كانت على وشك أن تتأهب لأخذ مكانها إلا أن هذا لا ينفى أن الأسد البريطانى العجوز مازال إلى الآن شريكا رئيسيا لأمريكا ويكفى أن البداية كانت منه هو ويبدو أنه لخبرته أصبح هو المسئول عن جماعات الإرهاب وعلى رأسها ربيبته «جماعة الإخوان» فذات يوم من الأيام الأولى من عام ١٩٢٠ طرأت فكرة على خاطر «ألفرد ملنر» مدير المستعمرات البريطانى كان هذا الرجل شخصية محورية فى بريطانيا وكان قد عمل فى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر مساعدا لوزير المالية الذى كان وقتها انجليزيا استمر ملنر فى مصر أربع سنوات كاملة أصبح خلالها عارفا بخريطة مصر الجغرافية والسياسية وحين قامت الثورة المصرية الأولى عام ١٩١٩ تُطالب بالاستقلال رأت انجلترا أن ترسل هذا الرجل إلى مصر على رأس وفد إنجليزى كى يدرس أسباب الثورة وكيفية تجنبها هبط ملنر وهو يرتدى بزته الإنجليزية الأنيقة من سفينته إلى أرض مصر كى يقوم بمهمته هذه فى ديسمبر من عام ١٩١٩ وظل بها إلى آخر مارس ١٩٢٠ تقابل خلالها مع عدد محدود من القيادات التنفيذية والسياسية فى مصر بعد أن أعرضت عنه غالبية النخب السياسية وأثناء ترحاله فى مصر مع خبراته السابقة وضع حلا شيطانيا.
عاد ملنر إلى بريطانيا وتقابل مع رئيس الوزراء «ديفيد لويد جورج» وأفضى إليه بما حدث له فى مصر من إعراض وأسر له بالفكرة التى اعتملت فى ذهنه بعدما التقى مع «اللنبي» وعندما خرج من مقابلة رئيس الوزراء أجرت معه جريدة «مانشستر جارديان» حوارا قصيرا قال فيه: «إنه لا يمانع من منح مصر الاستقلال بشرط عدم تعريض مصالح بريطانيا للخطر» ثم أضاف: «إن اللورد اللنبى وافقنى على رأيى حتى ولو كنا سنمنح مصر استقلالا كاملا فإن هذا لا يضيرنا فى شيء”.
سألته الصحيفة: «وما هى خطتكم فى الحفاظ على مصالح بريطانيا؟»
أجاب: «تكمن خطورة المصريين فى وحدتهم ولذلك كانت ثورتهم قوية؛ لأن مصر أصبحت الكل فى واحد وليكن ولكننا لن ندعهم يكررون الكل فى واحد.»
قالت الصحيفة: «كيف؟ “
رد ملنر: «هناك من قال إن الدين أفيون ولكننى أؤكد أن الدين قنبلة.»
الصحيفة: «لم نفهم شيئا من إجابتك سيدي!»
ملنر: «لا أستطيع الإيضاح أكثر من ذلك ولكن ليعلم الجميع أن الرب يعمل لمصلحة بريطانيا وسيكون له دور فى استمرار وصايتنا على مصر»
انتهى كلام ألفرد ملنر لصحيفة مانشستر جارديان ولكن لم تنتهِ القصة والآن نستطيع إكمال المعلومات استقرائيا فكما فى عالم كرة القدم مهنة قديمة اسمها «الكشاف» يقوم فيها هذا الكشاف بالترحال فى البلاد للبحث عن شاب صغير موهوب فى لعبة الكرة فهناك فى عالم السياسة والمؤامرات والمخابرات كشاف يجوب العالم للبحث عن موهوب ينفذ خطة المدرب الأجنبي.
الآن نستطيع الإجابة على عدة أسئلة ظلت إجاباتها غائبة عن التاريخ وهذه هى الأسئلة التى ظلت تبحث عن إجابة:
١ـ لماذا قرر البنا أن يعمل فى مدينة الإسماعيلية التى كانت مقرا لشركة قناة السويس وإدارتها الأجنبية؟ ولماذا فضل أن يبتعد عن أهله ومدينته أو حتى مدينة القاهرة التى كانت طموح الريفيين من أصحاب الهمم العالية والرغبة فى البذوخ؟
٢ـ لماذا تبرعت الإدارة الأجنبية لشركة قناة السويس لحسن البنا بمبلغ خمسمائة جنيه وهو مبلغ ضخم بمعايير العشرينيات؟ ولمذا اعترض البنا على قلة قيمة هذا التبرع رغم ضخامته؟ وفقا لما أورده فى مذكراته فقد أورد أنه ساوم رئيس شركة قناة السويس وطالبه بمبلغ أكبر؟!
ولكن لنعد إلى الوراء عامين أو عامين ونيف وتحديدا فى عام ١٩٢٥ حين خرج للوجود كتاب فَجَرَ مصر من الداخل هو كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق أثار الكتاب ضجة كبرى فى مصر والعالم العربى كله حيث جاء فيه «إن الإسلام لم يضع لنا شكلا للحكم ولم تكن الخلافة فريضة ولكنها كانت تناسب عصرها فقط... ليس المهم عندنا شكل الحكم ولكن المهم هو أن يحقق نظام الحكم الذى نتخيره مقاصد الشريعة» كانت الطامة الكبرى عند البعض أن الشيخ على عبد الرازق تطرق للخلافة ونفى فرضيتها أو فريضتها فقام الأزهر الشريف بسحب شهادة العالمية منه عقابا له على رأيه وكتب عشرات الكتاب منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا يحاولون تفنيد رأى على عبد الرازق وكتب العشرات أيضا كتبا تؤيده فيما ذهب إليه.
وضح من هذه المعركة أن مصر انقسمت فعلا إلى فريقين فريق يقول: إن الخلافة فريضة وهى فريضة حتمية ولا خيار لنا فيها ولا حق لنا فى تبديلها ويجب أن تكون على شكل الخلافة الراشدة وهى خلافة ممتدة لا حدود لها ولا أرض ولا وطن أما الفريق الآخر فيقول: «ليس هناك شكل للحكم ونحن نعيش فى وطن عربى نستمد عاداتنا وتقاليدنا من تاريخنا ومجتمعنا ولنا الحق فى أن ننشئ لأنفسنا نظام الحكم الذى يتوافق مع مصالحنا”.
انشغلت مصر سنوات بهذا الصراع ومازالت وبعد سنوات قليلة من احتدام هذا الصراع ومن اتجاه جمهرة من المتدينين بالفطرة والعاطفة إلى “وجوب دولة الخلافة” ظهر شاب درعمى صغير فى طور الشباب الأول ولد فى مدينة المحمودية وسافر إلى مدينة الإسماعيلية البعيدة من مدينته ليعمل بها مدرسا وفقا لرغبته واختياره وهناك حيث مجتمع يضم الموظفين الإنجليز والفرنسيين الذين يعملون فى شركة قناة السويس ويضم أيضا أغلبية مصرية من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين فى هذه البقعة المتنوعة يعلن الشاب الذى كان فى بداية العقد الثالث من عمره إنشاء جماعة دينية اسمها جماعة الإخوان المسلمين هدفها الأسمى هو «استعادة دولة الخلافة» لا تعترف بالوطن الذى نعترف به وتريد أن يكون وطنها هو الدين وليس الطين وكان لهذه الجماعة الدور الأكبر فى قسمة المجتمع المصرى على خلفية عقائدية لم تكن هذه الجماعة بعيدة من يد المخابرات البريطانية بل كانت فى قبضتها وملك يمينها كانت كقطعة من قطع الشطرنج تحركها يد اللاعب.
وبعد سنوات طويلة وأثناء بحث الكاتب البريطانى “مارك كيرتس” فى وثائق وزارة الخارجية البريطانية وقع على مجموعة من الوثائق أذهلته وغيرت مسار تفكيره كان كيرتس مهتمًّا بالشأن العربى والجماعات الإسلامية وكان يعرف بشكل سطحى أن حسن البنا هو مؤسس جماعة الإخوان التى أثارت جدلا كبيرا واشتبكت مع كل الحكومات التى حكمت منذ عهد الملك فاروق حتى عهد حسنى مبارك ولكن نهمه للبحث والتقصى وعقليته البحثية قادته إلى أروقة هيئة الأرشيف الوطنى البريطانى ظل كيرتس يتردد على هذه الهيئة أربع سنوات كاملة عثر فيها على كنز من الأسرار يصعب أن يقع عليه باحث وهناك وهو جالس وسط «الكنز المعلوماتى البريطانى» كان قراره: «سأكتب كتابا أضع فيه عشرات من هذه الوثائق يجب أن يعلم العالم الصورة الحقيقية المختبئة فى الأرشيف فليس كل ما كان يحدث فى العالم عفويًّا أو من وحى خاطر أصحابه ولكن صناعة الحدث كانت هى لعبة المخابرات فى عشرات الحوادث التى مرت على العالم».
فكان أن كتب كتابه الأشهر «العلاقات السرية.. تواطؤ بريطانيا مع الأصوليين الإسلامين المتشددين».
الآن عرفنا سر علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان وباقى جماعات الإرهاب إنها تستخدمهم لتقسيم الوطن العربى وتحويله إلى مجموعة من الإمارات الهشة الضعيفة المتصارعة لأسباب عقائدية ولا وقت لديها لاستغلال ثرواتها وبريطانيا وأمريكا حينئذ هما الأولى باستغلال تلك الثروات ولكن وقفت أمام بريطانيا عقبة كبيرة هى مصر تلك الدولة العجيبة التى أسقطت الإخوان وحافظ جيشها على قوام الدولة ثم بدأت مصر فى التقاط أنفاسها تم تطور الأمر إلى حد سعى مصر الحثيث من أجل استعادة الدول العربية المنكوبة للاستقرار والوحدة فيها فى مواجهة قوى الشر ولذلك يجب أن تنشغل مصر بمشاكلها ويجب أن تظل تسعى فى دأب للحفاظ على توازنها وسط حروب غير عادية لم تمر بها البلاد من قبل.
ولكن من الذى سيدير نافورة الإرهاب فى بلادنا بعض قوى الشر التى لها أطماع إقليمية ولا تزال تعمل تحت راية بريطانيا مثل قطر ولا مانع من استغلال الشبق السياسى الذى استولى على أردوغان فتلاعبه أمريكا وتدفعه لدعم الإرهاب فى مصر على وهم أنه يدخل معركة الخلافة الأخيرة إن فاز فيها وسقطت مصر أصبح هو خليفة المسلمين الجديد سليل آل عثمان هاتان الدولتان تؤويان قادة الإخوان وتقدمان لهم كل دعم مالى ومخابراتى وإعلامى بشكل لم يحدث فى تاريخ الجماعة من قبل.
ولأن الأدوات التى ستقوم بتنفيذ مخططات الإرهاب هم مجموعة من الصبية والشباب الصغير الذى لا يعرف من دينه شيئا لذلك يجب أن يتم حشو رأسه بأفكار شديدة الخطورة وهذه المهمة سيقوم بها الشيوخ من أصحاب التأثير على هؤلاء الصغار وعلى رأسهم القرضاوى ووجدى غنيم ومجدى شلش فضلا عن الاستعانة بكتب الشيخ الخطيب وفتاوى السلفيين الذين يتزعمهم أبو إسحاق الحوينى وياسر برهامى ومن أجل توحيد فتاوى الإرهاب قام خيرت الشاطر بتشكيل هيئة دينية أطلق عليها «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» وقد ضمت هذه الهيئة كل جماعات التطرف والإرهاب فى مصر وتولى رئاستها أحد كبار شيوخ السلفيين اسمه الشيخ على السالوس وتولى الإخوانى يسرى إبراهيم أمانة تلك الهيئة وتم تمثيل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وباقى جماعات الإرهاب بممثلين وكان لقادة جماعات الصعيد نصيب كبير فيها وكانت نظرة الشاطر أن محافظات الصعيد فقيرة وبعيدة من اهتمامات كل الحكومات التى كانت فى عهدى السادات ومبارك لذلك فإنها ستكون أرضا خصبة لاستجلاب جنود لديهم عاطفة دينية متأججة يسهل توجيههم فيما بعد.
وأخذ شيوخ التطرف فى عمل «برمجة ذهنية» لهؤلاء الشباب ولك أن تقرأ كتيبا للشيخ القرضاوى عنوانه «ظاهرة الغلو فى التكفير» طبعة دار الاعتصام ورغم أن الكتيب يوحى أنه ضد التكفير ولكن الحقيقة غير ذلك فقد التمس القرضاوى العذر للشباب الذين يكفرون غيرهم ثم أخذ القرضاوى نفسه فى هذا الكتيب يتهم كل رموز المجتمع بالكفر فقال: “إن هؤلاء المكفرين أناسٌ متدينون مخلصون صوامون قوامون غيورون قد هزهم ما يرونه فى المجتمع من ردة فكرية وتحلل خلقى وفساد اجتماعى واستبداد سياسي فهم طلاب إصلاح حريصون على هداية أمتهم وإن أخطأوا الطريق وضلوا السبيل فينبغى أن نقدر دوافعهم الطيبة» ثم يستطرد القرضاوى قائلا: «الدارس المتتبع لأسباب هذه الظاهرة ـ ظاهرة التكفير ـ يجد أنها تتمثل فى أمور منها انتشار الكفر والردة الحقيقية جهرة فى مجتمعاتنا الإسلامية واستطالة أصحابها وتبجحهم بباطلهم واستخدامهم أجهزة الإعلام وغيرها لنشر كفرياتهم على جماهير المسلمين دون أن يجدوا من يزجرهم أو يردهم عن ضلالهم وغيهم” وبهذا وضع القرضاوى المسئولية فى التكفير على المجتمع الكافر نفسه وليس على الشباب الذى يقوم بتكفير المجتمع!.
وخلال سنوات مضت أصبحت ثقافة «العمليات الاسشهادية» من الثقافات التى يجب أن يتعاطاها الشاب الملتحق حديثا بجماعات الإرهاب التى أصبحت بعد فض اعتصام رابعة جماعات عنقودية أطلقوا عليها الذئاب المنفردة وتوالت على هؤلاء الشباب فتاوى التفجير «الاستشهادي» حتى باتت من الأمور العادية وسط تلك التجمعات ولعلنا نتذكر خطباء اعتصام رابعة وهم يخطبون فى الشباب المعتصم قائلين: “من منكم يريد الاستشهاد فى سبيل الله وتناول طعام الإفطار فى الجنة مع رسول الله» وكانت منطقة رابعة ترتج وقتها من زلزال الصائحين الموافقين المستعدين ومن أجل أن يتم التحكم فى عقل هؤلاء الشباب القابل للاستشهاد فإن قادة الشر من شيوحهم يقومون بغرس فكرة مريضة فى نفوسهم هى أن “التنظيم هو الإسلام” فالإخوان يعتبرون العمل فى تنظيم فريضة إسلامية وأن إسلام المرء لا يتم إلا إذا انضم لجماعة تجاهد من أجل الإسلام فإذا ما ترسخ فى نفسية الأخ أنه يعمل داخل تنظيم هو «فريضة إسلامية» تصبح الجماعة نفسها فى ضميره هى أحد أركان الدين أو هى الدين نفسه وبالتالى يصبح من يقف ضد الجماعة فى عيونهم محاربا للإسلام ومن هنا يصبح من حق هؤلاء الشباب المغرر بهم استخدام جميع الوسائل والطرق لمواجهة أعداء الإسلام.
ولنعد إلى أول المقال ولنقف عند ما قاله ذلك القيادى الإخوانى فى صفحته على الفيس البوك من أن استهداف الأقباط سببه أنهم الهدف الأسهل والحقيقة غير ذلك فلم يكن النائب العام الشهيد هشام بركات هدفا سهلا ولم يكن الوزير السابق للداخلية محمد إبراهيم هدفا سهلا إنما الاستهداف يكون بسبب أن عقيدتهم الفاسدة المنحرفة تتهم الجميع بالكفر المسلمون والأقباط على حد سواء ولكن الأقباط عندهم أشد كفرا وأكثر عداء للإسلام ولنكن صرحاء حتى ولو كانت الصراحة موجعة لقد تفشت فى المجتمع فى السنوات الأخيرة الأفكار الوهابية المتطرفة ودخلت إلى كثير من مؤسسات الدولة والفكر الوهابى من أصله يعادى المسيحية ويحض على اضطهاد المسيحيين بحيث أصبح اضطهادهم فريضة دينية ووصل الأمر لدرجة أن طلبة الثانوية الأزهرية يدرسون كتاب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع» على مذهب الإمام الشافعى الذى يجعل من المسيحيين كائنات أقل من البشر! ووسط تلك الثقافة الوهابية أصبح من السهل على جماعات الإرهاب اصطياد ذلك الصبى الجاهز أصلا والذى أصبح قلبه يضخ الكراهية للآخر وقبل أن يفجر نفسه يقرأ آيات من القرآن ويدعو الله أن يوفقه فى قتل أكبر عدد ممكن من المسيحيين وبعد أن تتم العملية يجلس قيادى إخوانى هارب ليثير الفتنة بين الأقباط والدولة ويجلس قبطى يقيم فى بريطانيا لينفخ النار بين الأقباط والبابا ويجلس القرضاوى أمام الكانيرا ليجيز تفجير النفس فى المدنيين بشرط أن يكون هذا وفقا لعمل جماعى ويجلس وجدى غنيم ليقذف من فمه سبابا وشتما ضد الرئيس السيسى والأقباط والمصريين الذين ثاروا ضد الإخوان ويجلس أردوغان فى قصره يحلم بيوم تنصيبه كخليفة للمسلمين ويجلس أمير قطر أمام مدير المخابرات البريطانية ليقدم له تقريرا عن نجاح العملية الإرهابية التى أنفق عليها ويجلس بعض المتحذلقين من المصريين فى أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتاماعى يتحدثون عن فشل الأمن المصرى فى تأمين الكنائس ونقف جميعا على مقابر الشهداء من الأقباط ورجال الشرطة لكى نترحم عليهم.